حوارات

كيف يفكر الكورد في بلاد المهجر

تقرير: عباس عمر
لكم قدسكم ولنا ما تبقى من دماء
لكم بائعات الهوى ولنا آرين وأخواتها
لكم التسول والخنوع ولنا إرادة البقاء
لكم ما تشتهون ولنا ديون شهداءنا
لكم أرواحاً غالية تفوق غلاء الوطن
لنا أرواحاً رخيصة في سبيل الوطن
لنا كوبانيتنا ولكم قدسكم
حملتم قدسكم جيداً في أعناقكم
وكوبانيتنا اختارت العالم معصماً لزنودها
فاسمعوا يا من اغتصبت كوباني حقد عقولكم
بعظمة مقاومتها هذه كوباني
فلكم قدسكم ولنا ما تبقى من دماء
لا تقارنوا بينهما
ولا مقارنة بين صلاتنا وصلاتكم
نعم الهجرة أمر في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمعات البشرية ولا يمكن إزالة هذه الظاهرة من الطبيعة الإنسانية بشكل عام، ولها استدلالاتها في مجالات عدة على مستوى الشعوبية جميعاً فعلى سبيل المثال بنيت القارة الأمريكية من هجرة المجتمعات والقبائل والشعوب وهي الآن سيدة العالم ولازالت مسألة الهجرة فيها قائمة، إذاً الهجرة هي سبيل البحث عن حياة أفضل والسبب الرئيسي فيها هي البحث عن مكامن حياة أفضل وخاصة ضمن القارة الأوربية أي بين الأوروبيين أنفسهم تتم عملية الهجرة وذلك للبحث عن فرص عمل أكثر مردوداً وخاصة الهجرة من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية التي أصبحت صاحبة مناخات أفضل لسوق العمالة والرفاهية على الصعيد النفسي والأسري وخاصة في مجالات الدراسة والمهنية.
هذا جانبها الإيجابي، أما الهجرة السلبية أو الممنهجة التي حصلت سابقاً من جراء الفرمانات الكردية والابادات الإيزيدية والأرمنية بداية القرن التاسع عشر كانت نتيجة انتهاج سياسات ممنهجة من الدولة العثمانية لأجل تنفيذ سياسة الإبادة العرقية بحق الشعوب التي كانت تحت نير احتلالها، ونجحت بعض الشيء في تنفيذ مخططها وخاصة تجاه الشعب الأرمني وإلى حد ما تجاه الكرد الإيزيديين، فمثلاً كان في شمال كردستان فقط ثلاثمائة وستون قرية إيزيدية من عشيرة خالدا واليوم ليس لها أي أثر يذكر، والكرد العلويون أيضاً كان لهم النصيب الأكبر من جرائم الإبادة والإمحاء والإنكار ولازال في روج آفايي كردستان هناك المهاجرين توحدوا على شكل عشائر وقبائل أي أنهم هاجروا من بطش الدولة العثمانية وهم منتشرون على مساحات واسعة هناك من عفرين إلى كوباني إلى الجزيرة وحتى في إدلب وجسر الشغور وجبل الأكراد وحي الأكراد الدمشقي ولبنان والأردن مروراً بالدروز وجبلهم الأشم وعائلة جان بولات وإلى دول الاتحاد السوفييتي سابقاً هناك.
ونتيجة السياسات المتبعة في كردستان منذ بدء دخول الإسلام إليها في المعركة الدموية المسماة بالقادسية وإلى يومنا هذا حيث لم تتوقف الإبادة العرقية بحق هذا الشعب في أجزاء كردستان الأربعة، من شرق كردستان الصفوية إلى شاه والخميني ومما تلاه من أحكام الإعدام إلى جنوب كردستان والعراق بحكامها من البكر وصدامه الدموي إلى أيتامه من بقايا البعث ودواعشه قتلة الإنسانية في شنكال الأبية إلى بلد اللاعدالة الطورانية التركية ومسلسها القاتم من العثمانيين إلى الاتحاد والترقي وأتاتورك وأحفاده الجدد إلى القوميين العرب الناصريين مروراً بالبعثيين وأنظمتهم القاتلة للعدالة الاجتماعية، نرى هذا الكم الهائل من الدمار في البنية المجتمعية الكردستانية وهذا الهدر الهائل من الطاقة البشرية بحق الشعب الكردي من قتل وتدمير وتهجير والتغيير الديمغرافي لكردستان من أنفال والحزام العربي المقيتين.
إلا أن رغم كل ما ذكر لم تصل الهجرة إلى مرحلة الخطورة وخاصة في روج آفايي كردستان وخاصة السياسة التي أنتهجها النظام البعثي القمعي بحق الكرد منذ انتفاضة آذار٢٠٠٤، حيث قطعت بهم سبل العيش في ديارهم وبنيت مدن من الخيم على أطراف دمشق من الكرد الباحثين عن لقمة العيش لأبنائهم ناهيك عن الكم الهائل الذي هاجر إلى لبنان، فكل هذا اندرج تحت ظروف قسرية وسياسة مدروسة من الأنظمة والطغاة في سبيل تفتيت المجتمع الكردي وذلك بهدف إبعاده عن نيل حقوقه المشروعة.
إلا أنه وبعد مرور خمسة أعوام من بدء الثورة السورية بدأت الهجرة تأخذ منحى أخطر من سابقاتها وخاصة بعد النجاح الباهر للإدارة الذاتية الديمقراطية الذي تحقق على الأرض من خلال بناء إدارة تمتلك قوة البقاء والحفاظ على المناطق الكردية وكسر شوكة النظام والقوى الإرهابية الأخرى في احتلال المناطق الكردية وتدميرها وإفراغها كما باقي المناطق السورية، نرى اليوم تحرك المحور المعادي المتمثل في قطر والسعودية وتركيا وايتامهم من الكرد المأجورين المتمثل بـ ENKS في انتهاج سياسة إفراغ الأرض بغية هدم ما بني بدماء وتضحيات أبناء شعبنا المقاوم، وذلك عبر الترويج والتسهيل للهجرة تحت حجج واهية لا أساس لها من الواقعية من واجب الدفاع المشروع إلى إدخال اللغة الكردية في المناهج الدراسية وما غيرها، والترويج الإعلامي للهجرة ناهيك عن التسهيلات الممنهجة الدولية بدءاً من تركيا ووصولاً إلى أوروبا فكل هذه الأمور تندرج ضمن سلسلة متكاملة في تنفيذ سياسة معادية بهدف إفراغ الأرض وإفشال التجربة الفتية في روج آفايي كردستان، فمن هذا المنطلق قمنا بإجراء استطلاع رأي مع نخبة من الأخوة المغتربين حول ماهية أسباب هجرتهم وكيفية أبداء آرائهم وكان لنا شرف اللقاء مع:
هدية حسن /٤٠/ سنة متزوجة وربة أسرة: هدية حسن
قالت إن السبب الرئيسي من وراء اتخاذي قرار الهجرة هي سوء وضعنا المعيشي وعدم قدرتنا على التجاوب مع متطلبات أبنائي كونهم جميعاً كانوا طلاب مدارس، بالإضافة إلى إن زوجي كان مطلوباً لدى النظام وتشابك الوضع السوري العام حيث لم أفكر يوماً في العيش بأوروبا وإلى الآن أعيش بكل مشاعري هناك ولا أقبل العيش هنا أبداً رغم حصولنا على كامل استحقاقات اللجوء رغم ذلك لا يوجد أية قيمة لها عندي، ولا أحس بذلك مطلقاً فإنني مصممة للعودة وأناشد غيري أيضاً حيث لا يوجد حرية هنا كما يدعون والحرية ليست بالألبسة والأكل وأحيي كل صامد هناك وأقول لهم الحياة الكريمة هناك وإنني عائدة بالتأكيد.
الشيخ سعيد شيخ حتو متزوج وملاك من مدينة عامودا:الشيخ سعيد
الشيء الأساسي الذي دفعني للهجرة هو سقوط شنكال وسط التخاذل الكردي بمساهمة من الجار الكردي، بالإضافة إلى التسهيلات المقدمة من الحكومة الألمانية بالسفر النظامي ورغم حصولي على كامل امتيازات اللجوء إلا إنها لا تساوي شيئاً مما أملكه هناك من علاقات اجتماعية بل وحتى شخصية أيضاً، وأقول بهذه المناسبة أليس تراجع شعبية حزب الشعوب الديمقراطي كان بيد الكرد أنفسهم ونرى كيف قسماً من الكرد يصفقون لفوز أردوغان فمادام هناك عدم توافق كردي هناك عدم استقرار وهذا يزيد من عمر بقاءنا في المهجر إلا إنني أجزم بالعودة قريباً ولا أستطيع العيش خارج موطني أبداً وننتظر بفارغ الصبر الصحوة الكردية الحقيقية في طريق بناء الوحدة.
بشير شيخو وزوجته نيروز حاجو (عفرين) مقيم حلب:
كنت أملك شركة ألبسة باسم أفيستا ونظراً لتردي الوضع الاقتصادي والأمني في سوريا عامة وفي حلب خاصة، وهروب غالبية الزبائن بديونهم إلى خارج البلد وتكبدي خسارة فادحة من جراء ذلك قمنا ببيع المنزل وجميع محتوياته وسلكنا طريق الهجرة إلى أوروبا، أعلم بأن الأمور ستتعقد أكثر، وكذلك تفضلت به السيدة نوروز أننا قررنا الهجرة بحثاً عن حياة أفضل لنا ولأولادنا وهذا لا يعني إننا باقون هنا، ولكن الوضع متدهور في حلب ويستحيل العيش هناك ولابد لنا أن نعود علماً أنني أقول لمن يريد الهجرة فأن الظروف هنا في أوروبا تغيرت كثيراً والحياة باتت أصعب كون الأعداد المهاجرة فاقت طاقات الدول المستضيفة ناهيك عن خطورة الطرق وغرق أعداد هائلة في البحار، فلنصبر فإن الغد أفضل بفضل تضحيات شعبنا
لافين علي ١٩سنة طالبة مقيمة دمشق:لافين
كون الوضع الأمني تدهور في دمشق وتوقفت الدراسة وبات مستقبلي مجهولاً ونظراً لموافقة الحكومة السويسرية على طلبات لم الشمل وجاءتني فرصة الهجرة إلى هنا لإكمال دراستي، لا بد العودة إلى الوطن حيث لا يوجد الحرية الحقيقية كما يدعي البعض فالحرية هنا زائفة لذا أتمنى أن نعود إلى بلدنا في أقرب فرصة، كما أناشد جميع القياديين بالسعي إلى الوحدة والتفاهم الكردي التي هي السبيل الوحيد للخلاص.
حميد خالد ٥٣ سنة متزوج عفريني كان مقيماً في دمشق:
يعود السبب الأساسي لهجرتي هي دخول الجيش الحر إلى منزلي رغماً عني وأصبحت أنا أيضاً مطلوباً للنظام علماً أنه كان لدي مطعم ومردودي كان جيداً إلا أن كلها ذهبت أدراج الرياح في ليلة وضحاها، والآن أعيش في أوروبا شكلاً حيث أنت في سجن واسع وإقامتي لا تساعدني على نيل جواز سفر وراتبي لا يكفيني وأتمنى العودة اليوم قبل الغد بعد عودة الاستقرار.
عزيز مسلم من كوباني ٣١سنة عازب قرية كوجك ميت:
اثنان من إخوتي إعاقة دائمة ووالدي كبير السن ولنا أخت تخدمهم وكنت الوحيد في العائلة الذي يسعى لتامين المعيشة لهم ووضعنا كان سيئاً جداً ونظراً لعدم توفر فرص العمل وقتها في بلدي ولا في باشور كردستان وتركيا، فقررت السفر بحثاً عن حياة أفضل علماً أنه غزا قريتي وبيتي من قبل داعش وانهار كل ما كان موجوداً يعني من سيء إلى أسوأ حيث أقول لكل من يساعده ظروفه بالبقاء وبلاد الاغتراب لا تلبي طموحاتنا وإننا عائدون.
أسامة محمد سعيد عامودا عازب ٢٨سنة:
سبب هجرتي هو الحالة المكتومة السيئة الذي عشناها محرومين من كافة الحقوق المدنية، وحتى عدم قدرتي على اقتناء رخصة قيادة سيارة ناهيك عن الأمور الشخصية الأخرى وثانياً الضغط الهائل من النظام على العائلة وخاصة أعوام ما بعد انتفاضة قامشلو 2004، حيث قمت بزيارة روج آفايي كردستان قبل أشهر وخلال رؤيتي للمكتسبات قررت عدم العودة إلا أن إصرار الأهل جعلني أعود كون أربعة من أخوتي ضمن صفوف وحدات الشعب والمرأة ووالدي يعمل في إحدى المكاتب الخدمية، ولم يعد هناك أي سبب حقيقي للهجرة علماً إنني حصلت على الإقامة وأستطيع القول إن تدفق المهاجرين ماهي إلا تقليد أعمى وفرص العيش باتت هناك أفضل بكثير من هنا كون ظروف الحياة هنا تغيرت نظراً للتدفق الهائل للمهاجرين وقلة إمكانيات الدول المستضيفة تجعل الحياة هنا مذلة، والآن أفكر ملياً بالعودة.
خليل رشيد وزوجته لينا معمو عفرين:خليل رشيد
نظراً لترددي الدائم بين حلب وأوروبا تعرفت على نمط الحياة هنا من خلال أصدقائي لذلك قررنا أن نهاجر حيث بدأ الخراب والدمار ينخر جسم بلدي نتيجة عدم وجود العدالة اجتماعية وأنظمة فاسدة استحال العيش هناك، وها نحن نعمل سوياً أنا وزوجتي ولا نعتمد على الإعانات وأمورنا ميسرة إلى حد ما وننتظر بفارغ الصبر إلى عودة الحياة إلى مدينتي حلب لنعود ونبني من جديد، وأن الأمور في المناطق الكردية تشير إلى خير من خلال القوانين والدساتير التي تصدر عن الإدارة الذاتية الديمقراطية بخصوص المرأة خاصة هذا ما نوهت إليه السيدة لينا وخاصة منع زواج القاصرات ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة في الشهادة والميراث كلها تباشير خير يوحي ببناء مجتمع متحضر، وفي النهاية أتمنى أن تنال موضوعنا هذا إعجاب قراءنا الأفاضل وهذا غيض من فيض فليس كل من يعيش في أوروبا مرفه وهناك حالات كثيرة يرثى لها وليس كل من يعيش في روج آفا بائس وهناك من يتمنى الأوروبيون ذاتهم العيش في سويتهم
وأخيراً وليس آخراً أن الوطن هي البوتقة الوحيدة التي تحافظ على كرامة المرء بعيداً عن المزايدات.

زر الذهاب إلى الأعلى