مقالات

مسار المرأة إلى تشاركية حرة

محمد عيسى

لم تحظ قضايا حقوق المرأة ونضالاتها لاستعادة دورها باهتمام أية ثورة اجتماعية أوفلسفة سياسية أو عقائدية قدر حظوتها في التفكير الاوجلاني، وفي درجة انشغاله بجذورها التاريخية، وبمحطات تطورها، وبالوصول عبر البحث والتحليل العميق والمنهجي إلى وضع قطار انعتاقها على سكته الصحيحة، هذا القطار الذي لم تكن الجنولوجيا “علم المرأة” غير عتبة الإبداع والذروة فيه، حيث يتناول في مدخل البحث قضية التعصب الجنسوي الاجتماعية المتصلة بمواضيع الأسرة والمرأة، فالتعداد السكاني بنظرته إلى المرأة كجنس آخر على أنها مسالة بيولوجية بحتة، وليست قضية اجتماعية. بأية حال من الأحوال، فالمرأة بادىء ذي بدء طرف في ثنائية موضوعية “رجل وامرأة ” علة لزومها عند الفلسفة أو في التبرير الانطولوجي “علم الوجود” ويضيف لايمكن تأمين وجود هذا الوجود خارج إطار هذه الثنائية والمرأة فيها تلعب دور المسكن لهذا الوجود .
ورغم أن المقاربة الاوجلانية لتاريخ المدنية تقدم رصداً قاطعا يؤكد أنه تاريخ ضياع المرأة وانكسارها وأن هذا التاريخ بآلهته وعباده، بحكامه وأتباعه، باقتصاده وعلمه وفنونه هو التاريخ الذي رسخته شخصية الرجل فانه يلفت الانتباه الى حقيقة ثبتتها البحوث والأرصاد الأثرية والانتروبولوجية والمعاصرة أيضا مفادها أنه ثمة مراحل كانت المرأة فيها منبع الاقتدار والسلام وقد امتدت لمرحلة طويلة وان هذا الاقتدار، وهذا الامتداد لسيطرة المرأة لم يكن بحاكمية السلطة المتأسسة على فائض الانتاج، بل بالعكس كان اقتداراً ينبع من العطاء والانجاب ويساهم في تعزيز الوجود الاجتماعي وحماية السلم والاستقرار، وحيث لم تسجل اللقى التاريخية ووسائل الرصد المتقصية عن مرحلة سيطرة المرأة أي دور لها في حروب النفوذ على السلطة، لكن ومع انتقال الحياة البشرية إلى طور جديد تكرس فيه هرم التموضعات الطبقية وانتزعت فيه السلطة من المرأة لصالح الرجل الذكر عبر مخاضات معقدة وطويلة ولم تحصل بين ليلة وضحاها، بل نجد توثيقاً مهما لهذه المخاضات والتحولات التي تجسد انكسار المرأة وسيطرة الرجل في ما تناقلته الميثولوجيا السومرية، وفي تبيان آلية نشوء أيديولوجية سلطة الذكر الطبقية وتبلور نظام هرم الطبقات الأول.
انه الانكسار الذي أوقع المرأة في ظروف مظلومية تاريخية طويلة، ونقطة الانعطاف التي شدت اهتمام المفكر اوجلان حين أطلق مقولته الشهيرة “المرأة أول مستعمرة في التاريخ، وسنعمل ونناضل كي تكون المستعمرة الأخيرة”، أما كيف سيحصل ذلك وما هي الطريق الاوجلانية لتحقيق الواقع الجديد الذي سيضمن حرية المرأة و تحرير المجتمع، ماهي الوسائل التي تتفرد بها الاوجلانية لجهة إعطاء معنى ملموس للمصطلحات التي تهم المرأة، من مثل الديمقراطية والحرية والاشتراكية، أنها الوسائل التي تتم عبر تمزيق شبكة العلاقات التي تحيط بالمرأة، بمعنى أن المساواة الحقيقية بين المرأة والرجل وتكريس قيم الديمقراطية والحرية والعدالة، لاتتأتى الا عبر فك وتمزيق العلائق التي فرضتها سلطة القيم الذكورية الطبقية الدولتية، هذه القيم التي تماهت الى صيغة أيديولوجية، ومن هذا المنظور لا ترى الاوجلانية أن هناك سبيلاً جدياً لمساواة المرأة بالرجل، رغم كثرة اليوتوبيات والشعارات المتحدثة عن هذه المساواة الا بهزيمة وتقويض ايديولوجيا السلطة الطبقية الذكورية والدولتية، وبالتالي هي رزمة متكاملة، لاتتحقق حرية المجتمع في أي وطن مالم تسد فيه قيم الحرية والديمقراطية، ولا تتحقق العدالة والمساواة مالم ينخفض ارتفاع سقف الهرم الطبقي وتزول الفوارق الطبقية، ولن تحصل المرأة على حقوقها مالم تندحر قيم الذكورة ، إلى ذلك وبتكثيف شديد لمعنى الحرية ومقوماتها السياسية والفلسفية، قال المفكر اوجلان “الوطن الحر يعني المرأة حرة”، ويعني بحسب الفكرة الاوجلانية رجلاً حرا أيضاً، وحيث ترتبط حرية الرجل بأوثق الروابط مع حرية المرأة، الوطن الحر يعني أيضاً مجتمعاً أخلاقياً وتكاملياً يوفق ما بين وظائف المرأة والرجل و تتوفر فيه مقومات الحياة الحرة والسعادة، وبما أن هذه الفلسفة تمثل في السياق الموضوعي جهداً معرفياً ونضالياً، من أهم مهامه نصرة المستعمرة الأشد قدماً في التاريخ، فهو اذن بصدد وضع نظرية علمية توصل الى تكوين المجتمع الحرن نظرية تضع الأسس العلمية والأخلاقية النقيضة لمفاهيم الجنسوية بطوابعها الأيديولوجية الطبقية الذكورية المتسلطة، لذلك كانت “الجنولوجيا” علم المرأة بمثابة الخطوة الأقصر بقصد إجراء ثورة في العلوم الاجتماعية وتطوير أساليب في البحث هي الأقرب إلى حقيقة المرأة، وملامسة سر الحياة وتقديم البناء الصحيح للحياة التشاركية الحرة.

زر الذهاب إلى الأعلى