مقالات

مرحلة جديدة بدأت من فجر الرابع عشر من نيسان

سيهانوك ديبو

تبقى المُسَلّمة الأكيدة حيال الأزمة السورية بأن حلّها لن يكون إلّا سياسياً. ولا حلاً عسكرياً يكون؛ بالأساس تبدو جملة الحل العسكري بالأشد انفكاكاً؛ فلا يوجد حلٌّ عسكري؛ يوجد حسم عسكريٌّ. والحل دائماً يُخلق في شكله السياسي. من يؤمن بهذا المخرج/ المسلّمة لا بد عليه أن يقارب الأحداث التي تنهال على سوريا وفقها. وأن لا يتكلم (السياسي) السوري بلغة العسكري في وقت المواجهة الإقليمية الدولية المباشرة على الجغرافية السوريّة. فما حدث في فجر الرابع عشر من نيسان إنما هو التصعيد الدولي الكبير في سوريا. وإذا ما نُظر إلى هذا التصعيد في سياق سبعة سنوات وشهر من عمر الأزمة السورية نجد بأن هذه الأزمة مترابطة عصيّة على الفكاك، وأنها دخلت مرحلة جديدة في أن ما قبل ذلك الفجر لن يشبه ما بعده. ولن يفهم من ذلك بأن الحل السياسي بات في المتناول. روسيا لن تكون الوحيدة المؤثّرة في صناعة الحل السوري؛ فأولى نتائج هذا التصعيد تفي إلى أن ثماني آستانات وسوتشي التي ضللت شعب سوريا تحت مسمى (الحوار) (الوطني) (السوري) باتت بحكم منتهية الصلاحية في المرحلة الجديدة. وكل الآستانات كانت بالتقسيم، وهذا السوتشي الذي انعقد في الزمن الخاطئ من اليوم التاسع للعدوان التركي على سوريا من عفرين. وأن الضامن حينما يكون بالمحتل –شأن (الضامن) التركي فإن التصعيد الأخير ينظر إليه بالإيجابي بخاصة إذا ما حمل مفهوماً ارتدادياً إلى الخلف أولاً وأن تركيا هي دولة محتلة لعفرين وجرابلس واعزاز والباب. الاستفراد الروسي في سوريا ومحطات الاستانا كانت تجر سوريا نحو كارثة التقسيم والوصاية الإقليمية الروسية لها. الشمال لتركيا. الجنوب لإيران. وسوريا المفيدة لروسيا. ولكن سوريا الجيوسياسية جزء من محيطها الإقليمي والعالمي وهي أكبر بكثير من أن يتم توزيعها/ تجزئتها بالنسبة لهذا الثلاثي. وما يعني ذلك بأن تتعرض المنطقة برمتها إلى تصعيد المخاطر حيالها ونحوها. رسالة التصعيد الدولي العربي؛ وليس فقط الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي؛ الأخيرة جاءت قبل كل شيء في منع تدوير النظام ومنع إعادة انتاج النظام المركزي في مشهد 2011، وفي الوقت نفسه اعتبار النظام كجزء من الحل وليس كل الحل مع اشراك بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة والتي كانت جزء من منظومة الاستبداد؛ إلحاق بعض من هذه الشخصيات في حكومة جديدة وفق صيغة دستور 2012. بالملاحظة بأن بعض هذه الشخصيات تتغنى بهذا الدستور. وفي الترجيح؛ هذا لو يكون؛ إنما بمثابة العدوان الداخلي الجديد على شعب سوريا. ولأن التنسيق في الأروقة بعيداً عن الإعلام هو الصائر إليه في المشهد السوري؛ فتأتي رؤية التنسيق الروسي الأمريكي صحيحة إلى حد كبير. بخاصة أن حجم الخلاف الإيراني الروسي بات يكبر. كلاهما ينظران إلى بعض بالحمولة الزائدة وأقلَّه أن ينزل واحدهما من سفينة الثلاثي المتصدعة أساساً. الاحتلال التركي لعفرين أظهر مثل هذا التصدع؛ وفي قمة أنقرة المنعقدة في الرابع من الشهر الحالي لم يحتج سوى هذا التصعيد ليختلفوا من جديد مرة أخرى؛ وكأن وظيفة الثلاثي انتهت بعد احتلال تركيا الطارئ لعفرين.

تعديل لمساحات التأثير وأدوار المتصارعين في الحلبة السورية بات بالملموس وبخاصة لمن يصر على جلب الماضوية السياسوية نصف الطائفية ونصف القوموية: تركيا وإيران. لم يعد يتحدث رئيس تركيا أو سلطانها بأنه سيحتل منبج. ولم يتحدث عن احتلاله لتل أبيض وكوباني والجزيرة. علماً بأن ذرائعه موجودة. ذريعة النظام التركي بأن لا يكون للكردي أي دور في سوريا وفي العراق وفي إيران وفي تركيا. وكأن القط أكل لسانه. وأنقرة التي دعمت ما حدث في فجر 14 نيسان؛ فليس ببالها بالمطلق سوريا وإنما إيصال رسالة بمفاد حجز مقعد لها في التوازنات الجديدة التي تلزم المرحلة الجديدة التي انطلقت مع سابق إنذارات. لكن الانتقالات السريعة بين الأضداد تكون دائماً وغالباً على حساب فقدان الكتلة المنتقلة بين النقيضين. فأن تدين الجامعة العربية في قمة الظهران بالتدخلات التركية في العراق وسوريا يعني بالكثير. وهو موقف متقدم وجديد يضاف إلى موقف البلدان العربية بالضد من التدخل الإيراني في شئون بلدانها. وأن السبب الأهم في مثل هذا الموقف يعود إلى مقاومة عفرين التاريخية بعكس من التسليم الذي جرى ما بين داعش وتركيا في جرابلس واعزاز والتوسط الذي قام به حزب التركمنستاني ما بين داعش وأنقرة في تسليم الباب. أدخل أردوغان تركيا في موقف صعب؛ إن غادرت أنقرة حلف موسكو فإنها تخسر كل المناطق السورية التي احتلتها، وأنه في معاداة أردوغان لحلف الناتو يخسر أنقرة. الانكماش التركي بات مرجحاً، وفي انكماش إيران أحد أهم أهداف التصعيد الدولي الذي حصل في فجر 14 نيسان.

مستقبل مشروع الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا

محق هو الكردي الذي لا يتذكر سوى السلبي من الأمور. ذاكرة قرن كامل تؤكد ذلك. لكن المسألة ليست دائماً في ذمة الخارجي؛ لها العلاقة الكبيرة بالذاتي أيضاً. الكردي في مشروع الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا قد عاين الحل إلى درجة كبيرة؛ فأي مشروع لا يؤكد حقيقة العيش المشترك بين الشعوب يجب أن لا يتفاجأ بما يصدمه مستقبلاً، كما بالذي يحصل في سوريا وبالذي سيحصل في تركيا وفي إيران. سياسة الإبادة الثقافية والإنكار فاشلة وجالبة لشتى صنوف التدخلات الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه للوقائع المدمرة كما واقعة الإرهاب. الاستبداد يعتاش على الإرهاب والإرهاب في علاقة مقايضة والاستبداد. أما أن يعزو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير بأن أحد أهم الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط هي القضية الكردية؛ وهي بطبيعة الحال للمرة الأولى التي يتم ذكرها؛ فيعني بأن هذه القضية لا بد من أن يتم إيجاد حل عادل ديمقراطي لها. وهذا بحد ذاته يمكن تفسيره من ناحية المبدأ وأيضاً بشكل أوليّ بأن الرمزية التي اكتسبها الكرد في مقارعة الإرهاب ومشاركتهم النوعية في تحرير عاصمة الدولة المزعومة داعش الارهابية هي السبب الرئيس يُضاف إلى المشروع الديمقراطي الذي أدى أن يكتسبوا هذه الرمزية العالمية. أمّا أن يستعاض بتركيا أو بعض من المحسوبة عليها بدلاً من الكرد والعرب والسريان والآشوريين والتركمان والأرمن المؤسسين للفيدرالية الديمقراطية فليس سوى رهاب فكري وتحليل استشرافي في أحسن أحواله. يجب أن لا ننسى بأن تركيا تم استبعادها في مشاركة أهم تحريرين حدثا في التاريخ المعاصر ضد الإرهاب تحرير الموصل والرقة. وهذا سيفهم بشكل كبير وظاهر في قادم الأيام. الكرد متهمون بالتقسيم على طول الخط لكنهم أكثر من دافعوا ضد وجه المحتلين؛ آخرهم جيش الاحتلال التركي. ومشروع الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا مثال ليس بالأخير على الشعوب المتحدة والإرادات المتلاقية.

قسم من الفوضى الهدّامة صار خلفنا. الحرب الباردة التي كانت في الخلف صارت في الميدان. شكل متقدم من الحرب العالمية الثالثة –مسيطر عليها حتى اللحظة- نعيشها.

زر الذهاب إلى الأعلى