مقالات

لماذا تظهر أنظمة؟ لماذا تفشل الأنظمة؟ لماذا تتغير الأنظمة؟ ما هي فرص الحل؟

سيهانوك ديبو

ملخص تنفيذي
لماذا تظهر أنظمة؛ ولماذا تفشل الأنظمة؟ أسئلة شرعية تفي بالتساؤل عن الوضع الحالي الذي يمر به الشرق الأوسط. ومن غير الصواب التشكيك لحظة واحدة بأنها في غير محلها، أو أنها غير معنيّة بالسؤال عن الوضع الحالي لأزماته المتكاثرة الكثيرة. كما أن هذه الأسئلة باتت اليوم معنيّة أكثر من أي يوم وأية لحظة بالوضع السوري في مرحلة سقوط حلب كما يصفها الخط السوري الثاني/ خط المعارضة السلطوية التي تتفكك اليوم، أو كما يريد أن ينعتها أصحاب الخط الأول ومرتكزاته بأنها تحرير حلب. أو كما يصفها أصحاب الخط الثالث/ المعارضة الديمقراطية العلمانية بأنها توازن جديد مطلوب، يفيد المرحلة التي ما بعدها ويجيب عن التغييرات التي تتحصل أو ينتظر استحصالها؛ بمفاد أن مجرد التفكير بأن سوريا اليوم، والمستقبل ستشبه أو تكون نسخة طبق الأصل لسوريا ما قبل 2011 تعتبر في أدنى حالاتها هرطقة وتفكير غير سوي. من حيث أن السويّ في الوضع والموضوع بأن بقاء سوريا متعلق بالتغيير الديمقراطي. وكل هذه المراحل التي نشهدها تفيد بأنها ستكون مغايرة ومختلفة عن سابقتها.
سيكون من المفيد جداً التركيز في سوريا – المثال الأهم هذا اليوم على الأزمة في الشرق الأوسط- على السؤال الكبير ذو الجواب المعقد: لماذا تتغير الأنظمة؟ ولماذا يجب أن تتغير؟ وخاصة إذا ما أدركنا أن الجواب متعلق بالمجتمعية وبالطبيعة المجتمعية التي تُبدي تطورها كظاهرتين أخلاقية وسياسية، ولا يمكن بالأساس الحديث عن مجتمع من دون الأخلاق والسياسة؛ ولو تم العثور على غير ذلك؛ فسيكون مجرد مسخ عديم الفائدة ولا يتعدى في معناه ركاماً هلامياً. ومثل هذا الركام يؤدي وظيفة واحدة بأن تكون خادمة طيّعة لمجتمعات أخرى، ومَحَطٍّاً لركاماتها المتراكمة أي مجرد أداة بيد غيرها. والأنظمة الحاكمة في عموم الشرق الأوسط؛ بخاصة التي وجدت نفسها أمام قضية بحجم القضية الكردية؛ لا تعي بأن الأنظمة السياسية يجب أن تكون منذ بداية إدارتها؛ وليست سلطتها؛ للمجتمع في أن تراعي ماهية الطبيعة الاجتماعية المتألفة منها هذه المجتمعات، وقد تكون تعي، لكن لا تجد نفسها معنية بذلك، فهي مجرد أداة بيد من نصبّها استبداداً على ظهراني مجتمعات وثقافات الشرق الأوسط.
كليّة الحل أو الحل الكلي
المراقب لما تمّ نشره من إيجازات مؤخرة عن حلب؛ يصل بيُسْرٍ إلى سطحيتها من حيث التحليل وقصور الدعوى وقوة الدعاية للأيديولوجية/ ات الضيقة. كل تحليل يُشْتَمُّ منه العُقَديّة الطائفية (سنيّة كانت أمْ شيعية) تعتبر في أفضل أحوالها؛ خادمة للأجندة التي تعاكسها، علاوة إلى تأديةٍ حجم كبير من إذكاء نار الحقد والتقسيم الفعلي من بعد التقسيم المخفيّ. كما أن مثل هذه التفاسير تعتبر نزولاً آخر في القيعان بعد مرور أزمان متعددة مشهودة بالانحدار والتخلف في الشرق الأوسط . وأما التشبيك المتحصل بين الأزمة السورية مع أزمات المنطقة ليس مجهود تابع مُتَّحصِّلٍ لأركانات القرار في السياسة الدولية؛ إنما مسألة كلية تعود إلى طبيعة الشرق الأوسط وصميمية الأزمة في الشرق الأوسط والتعريف بأنها ليست سوى أزمة واحدة تتألف بدورها من مجموع من الأزمات. الأزمة في سوريا، الأزمة في تركيا، وفي عموم هذه المنطقة المأزومة. خاصة إذا ما أدركنا –قبل خراب البصرة وكل المدن- بأن نظام الدولة القومية يشهد له اليوم بأنه الأعتى من كل الأنظمة في عمر هذا الشرق الأوسط من جلبٍ لدمار ثقافة المناطق وأقاليم هذه المنطقة. وأن الدولة القومية التي تم سَبْيِّها إلى الشرق من الغرب، الأخير الذي وجدها فرصة الحل. وقد كانت كذلك بالفعل وبالحقيقة، وقد بدا نظام الدولة القومية في الغرب حالة متقدمة أنهت على الصراع الطائفي الذي أغرق أوربا في عصر الظلمات؛ لكنها في الشرق جعلته تغرق في بحر الدماء والسكون وتفتيته إلى طوائف وظواهر متحاربة تحت قومية. الدول القومية عبر الجغرافيات المستحدثة المستقطعة بعد سايكس بيكو تظهر اليوم بأنها كانت حاضنة مؤسسة لصراع الطوائف بشكل متقدم عن أية فترة. بعد ما عملت هذه الدول على محو آثار كافة المزايا الهوياتية المناطقية والإقليمية من المجتمع التاريخي للشرق الأوسط نفسه. وتبدو الدول القومية التركية والعربية والفارسية بحكم الفاشلة، وفي فشلها يكمن الحل، وفي حل أسباب الفشل يكمن التأسيس والنهوض نحو إدارات لا مركزية، دون أن تعارض كينونة الإدارات المناطقية والإقليمية بنحو شبه مستقل على أوسع النطاقات. كما بمقدور شعوب وثقافات ومعتقدات الشرق الأوسط إذا قُدِّرت لها المرأى؛ أن تطلق على هذه المرحلة المرجوّة بأنها مرحلة تاريخ العمل أساساً بالهويات الأقاليمية، وسيكون معيار قوة أي نظام على أساس القياس والمقارنة بمدى قوة شبه الاستقلال الديمقراطي للمساحات المناطقية والإقليمية التي تمتلكها. ومن المهم هنا الإشارة في أن جميع –دون استثناء- القرارات الأممية ذات الصلة بالأزمة السورية؛ بدءً من القرار الأممي المسمى ببيان جنيف حزيران 2012 وصولاً إلى القرار 2254 وما بينهما لم تلامس جوهر حل التغيير الديمقراطي في سوريا ولم تستطع أن تؤسس لأمن واستقرار راسخين؛ إنما قد تكون بغرض وقف اطلاق النار ومقتصراً في النهاية على تقديم للمساعدات الإنسانية في مناطق التوتر. وبالرغم من أهمية هذا المقصد إلا أنه لا يكفي ولا يستطيع تحقيق فعل النهوض. أمّا النهوض فهو متبوع لقراءة دقيقة للطبيعة الاجتماعية السورية؛ كون هذه الطبيعة إجماليّ للهويات المغيّبة في سوريا، وإنكار الدولة القومية إياها، وسعيها إلى إنشاء ذاتها كسيادة نمطية أحادية منفردة بذاتها، إنما هو مرتبط بالتأكيد بنظام الهيمنة والاستغلال المرتبطة بها، ومسؤول عمّا حدث في سوريا.
يذكر التاريخ بأنه من العام 1555 وحتى 1918 وقعت كلاً من الدولتين الصفوية والعثمانية 18 اتفاقاً كانت أبرزها اتفاقية قصر شيرين شرق كركوك بتاريخ 17 أيار/مايو 1639التي تنازلت كلاً منهما عن مناطق لبعضهما الآخر؛ لكن دون أن ينتج من كل هذه الاتفاقيات وقف للحرب فيما بينها. وتركيا اليوم لا تختلف عن العثمانية القديمة؛ بل ترسخها؛ من خلال كل (الاتفاقيات) التي تعقدها سواء مع روسيا أو مع إيران، فإنه بغير مقدورها أن تحظى على الحل الذي يناسبها، بل على المزيد من اللاحل، وتركيا كما أي نظام استبدادي في الشرق الأوسط تدرك بأنها عصيّة على التغيير. وأي تغيير يحدث يُذْهِبُ بها، ومن المؤكد بأن جميع هذه الأنظمة ذاهبة؛ وقضية ذهابها لا تحتمل الرغبة والعاطفة؛ إنما لها العلاقة بمحافظة الإقليمي في ثقافة الشرق الأوسط بقوة على هويته وقانونه الخاص في كافة مراحل التاريخ، غير ذلك يحيلنا إلى السؤال: لماذا بقى الكردي والسرياني الآشوري، لماذا بقت المعتقدات… على الرغم من ضخامة السياسات الممنهجة نحو كينونتها بهدف امحائها وإذابتها؟
خلاصة الحل؛ الأوجلانية هي الحل
يبدو حديث السيد نيجيرفان بارزاني عن استقلال إقليم كردستان في مؤتمر الجامعة الأمريكية في دهوك قبل عدة أيام حديثاً أجوفاً؛ لا قيمة سياسية له؛ بقيمة دعائية كبيرة فقط. كما يبدو مناقضاً مع الفكرة نفسها، وهادماً لها بالحد الكبير أي لفكرة وقيمة الاستقلال. كل استقلالات التاريخ مَمْرورة –بالضرورة- باستقلابي الحرية والديمقراطية. ودونهما يكون الحديث عن الاستقلال أشبه بالعزم على المزيد من جعل الجغرافية المقصودة بالمستعمرة. وفي حالة إقليم كردستان العراق/ باشوري كردستان يبدو أنه تحضير الانتقال إلى الجهر في جعل إقليم كردستان العراق بمستعمرة تركية، في الوقت الذي تشير الظاهرة الثورية في باكوري كردستان/ جنوب شرق تركيا وفي عموم تركيا بأن التغيير قادم إلى تركيا؛ بالأخص؛ مع الوقائع الظاهرة في السياسة الدولية تجاه المنطقة. هل حصلت الطبيعة الاجتماعية الكردستانية في إقليم كردستان على حريتها؟ هل هناك وجود ملموس للديمقراطية في الحياة السياسية في هذا الإقليم المكتسب لشرعية أممية وقانونية منذ ربع القرن؟ ألسنا اليوم أمام إقليمين مختلفين في الإقليم نفسه؟
أسئلة كثيرة تتراكم أمام (البرلمان) الذي يبدو كأنه قد شُمِّعَ عليه (ديمقراطياً) في وجه أربع أحزاب أخرى شاركت يوماً هذا البرلمان. فمن هو الديكتاتوري، ومن هو الديمقراطي؛ السيد نيجيرفان بارزاني؟
يقول أوجلان في مجلده الرابع المُعَنون: مانيفستو الحضارة الديمقراطية؛ أزمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط: (.. من هنا، فعلى كل نظام تتاح له فرصة الحل في الشرق الأوسط أن يقوم قبل كل شيء بالمحاسبة الأيديولوجية الناجحة للقوموية والجنسوية والدينوية والعلموية الوضعية. أما في مجال السياسة العملية، فعليه تخصيص حيز لنشاط المجتمع الديمقراطي غير المتمحور حول الدولة بما يتماشى وغناه الوفير. لا أتحدث عن النزعة الجوفاء للمجتمع المدني. بل من المهم الإدراك أن ثقافة الديمقراطية المحلية الحقيقية ضرورية بقدر الخبز والماء والهواء، وأنه ينبغي تطويرها وفقاً لهذا الوعي. أما الخلاص من الفرد المتمحور حول ثقافة السلطة والدولة التي تجذبه إليها كالمغناطيس، فهو أول وظيفة ينبغي إنجازها بنجاح. حيث يشكل هذا التقليد المستمر منذ آلاف السنين أهم عائق على درب الثقافة الديمقراطية. لذا، يجب أن يكون شعارنا الرئيسي كالتالي: ما من نشاط اجتماعي أثمن وأفضل ومرغوب أكثر من نشاطات المجتمع الديمقراطي).
نلاحظ من خلال هذه الخلاصة الثورية لطبيعة الحل المجتمعية في الشرق الأوسط؛ بأن الأوجلانية عاينت بدقة مكامن الخطأ والانهيار في الشرق الأوسط. فكل الأنظمة الاستبدادية تبدو اليوم مشتركة ومتوحدة في سبل مسالكها الاستبدادية بما تقترفه من استعباد واستبعاد للمرأة في المجتمع؛ وكلها تنظر إلى المرأة على أنها مجرد جسد وعلامة تجارية وتقتصر عليها وظائف مقتصرة ترسخ من النظام العبودي، كما أن الأنظمة الاستبدادية تجد في قوميتها الحق بممارسة الاستعباد أو الاستعلاء على القوميات الأخرى، كما أنها تنفخ في قربة التطرف الديني والتمايز الممارس في تفاضلية الأديان إلى درجة تصل إلى تكفير غيرها والتشكيك بمعتقدات على حساب أخرى.
هذه أسباب سوريا المنهارة، وهي الأسباب نفسها لانهيار تركيا، وكل نظام استبدادي في هذا الشرق الأوسط المنهار.
ضمن ما نعيشه اليوم؛ تبدو فكرة وفلسفة الأمة الديمقراطية بمثابة الحل القويم لأزمات الشرق الأوسط؛ وفي مقدمة هذه الأزمات الأزمة والحرب السورية؛ والانتقال به إلى المنحى الديمقراطي المُحَصَّن؛ لأن هذه الأمة تعتبر بالأساس: المحاسبة الأيديولوجية الناجحة للقوموية والجنسوية والدينوية والعلموية الوضعية.

زر الذهاب إلى الأعلى