ثقافة

كنوز البلد 2

الحضارة: نظام اجتماعي يدفع الإنسان إلى الزيادة من إنتاجه الثقافي ويتألف من أربعة عناصر

 وهذه العناصر هي: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخُلقية، ومتابعة العلوم والفنون.

وعلم الآثار هو دراسة علميّة لآثار الحضارة الإنسانيّة القديمة، ويشتمل هذا العلم على دراسة جميع الأمور المتعلّقة بالحضارات القديمة، كتاريخ الملوك والشعوب القديمة، وكلّ ما يتعلق بها، حيث تعتمد تلك الدراسات على المخلفات من؛ مبانٍ، وقطع فنيّة، وأدوات كالفخار، واللقي والرُّقُم، وتعتمد أيضاً على القبور والعظام، والحُلي الذي يتمّ العثور عليه في بعض القبور ومخلفات المعابد، ومن هنا فإن لعلم الآثار أهمّية كُبرى يسهم في دراسة الآثار بأدق تفاصيلها والكشف عن جوانب كثيرة من حياة الشعوب قديماً، وتوثيق العديد من الإنجازات لتلك الأمم، وإيجاد أوجه الشبه بين حياة تلك الشعوب قديماً والحياة في الوقت الحالي، والمساهمة في رسم صورة تقريبيّة عن حياة تلك المجتمعات الغابرة، وهذا العلم هو السبيل الوحيد للتعرّف على الأمم التي عاشت قبل اختراع الكتابة.

والتاريخ بحد ذاته كنز لا يقدر بثمن وفي هذا السياق أردنا تسليط الضوء على تلك التلال التي تخبأ في داخلها تاريخ الحضارات السابقة فكان لزامٌ علينا أن نفسر معاني بعض الأسماء والمدن والحضارات التي سَتَمُرُّ مع القارئ لاحقاً في هذا السرد عن الدراسات التي أجريت على التلال في إقليم الجزيرة السورية.

العصر البارثي (فرنيا): نسبة إلى إقليمٍ كان مركزاً للقاعدة السياسية والثقافية للأسرة الاشكانية حُكَّام الإمبراطورية الفرنية.

العصر البرونزي: البرونز اسم يطلق على طائفة من السبائك النحاسية المعدنية وتتكون عادة من النحاس والزنك والقصدير ولكنها ليست بالضرورة أن تكون مقصورة على هذه العناصر، وتم استخدامه من قِبل البشر في ذلك الوقت فسمي بالعصر البرونزي.

الإشكانية: الإشكانيون ينحدرون من القبائل الآرية وكانوا من المقاتلين والفرسان الشجعان الذين اشتهروا بمهاراتهم التامة في الرماية والفروسية

الفترة الساسانية: يرجع تسمية الساسانيين إلى الكاهن الزرادشتي ساسان الذي كان جد أول ملوك الساسانيين أردشير الأول وأسست السلالة الساسانية من قبل الملك أردشير الأول بعد هزيمة ملك البارثيين (الفرنيين الأشكانيين) الأخير أرتبانوس الرابع

الملك سرجون الأكادي: سمي بهذا الاسم (أكادي) نسبة إلى المدينة التي بناها على الضفة الغربية على نهر الفرات بين زمبير وكيش

الإمبراطورية الأكادية: هي امبراطورية تمركزت في مدينة أكاد والمناطق المحيطة بها في منتصف بلاد الرافدين

أورك: كلمة سومرية وهي مدينة تقع على ضفاف نهر الفرات وتبعد 35 ميل عن مدينة أور الكردية.

البازلت: صخور بركانية نارية صلبة سوداء دقيقة الحبيبات

هذه الأسماء والحضارات التي تعاقبت في التاريخ لم نكن لنعرف عنها شيء إلا عن طريق تلك (اللقى والرقم) التي تدل على هذه الحضارات والتي اكتشفت عن طريق التنقيب من قبل البعثات الأجنبية والسورية المشتركة في هذه التلال ولهذا يصح لنا بل يحق علينا أن نسمي هذه التلال بـ (كنوز البلد).

يُعرَّف الكنز بأنه مجموعة من المواد والأشياء الثمينة تكون عادة مخبأة أو مدفونة في مكان ما.

وكلمة الكنز في اللغة الكردية تعني (xizne) وفي اللغة العربية تعني /تجمع في شيء/، والكلمتان(الكردية والعربية) متطابقتان من حيث المفهوم والمعنى.

ويعرَّفُ الكنز في علم الآثار على أنه اكتشاف لقطعتين أثريتين على الأقل في مكان واحد.

هذه المكتشفات التي تعبر عن الإرث الثقافي والحضاري للأمم الغابرة الضاربة القِدَم في التاريخ؛ لا تُعتَبَر كنوزاً لقيمتها المادية فقط؛ بل للمدلولات التي تدل عليها وبما نستدل عن طريقها على هذا الإرث المادي والمعنوي والحضاري منذ تاريخ وجود الإنسانية وعلاقة الحضارات بعضها ببعض بعد إجراء الدراسات عليها.

ففي البلدان الغربية المتحضرة يُسَخِّرُون الكثير من العقول والأموال لذلك، ويهتمون كثيراً لهذه القضايا ويستميتون في الحصول عليها ويشكلون فِرَقاً من الاختصاصيين للبحث والتنقيب عن هذه الكنوز الأثرية الدفينة التي تدل على تلك الحضارات والتي لا نعرف عنها شيئاً إلا عن طريق ما تركته لنا يد الإنسان في ذلك الوقت فيسخرون الكثير من الطاقات في سبيل ذلك.

غالباً عندما نرى أو نقرأ كلمة الكنز يخطر في بالنا شيء ثمين ونفيس وغالِ الثمن من (وجهة النظر المادية) ولكن هذه المفردات لا قيمة لها عند العقول النيِّرة إذ إن العلم والمعرفة بالأشياء تأتي في أعلى درجات الإنسانية المتحضرة عن طريق قراءة الماضي والحاضر والمستقبل، وبه نستدل على ثقافة وحضارات أمم مدفونة تحت التراب وفي مكان ما من هذه الأرض التي نعيش عليها، وهذا المكان إما أن يكون نتوءاً بارزاً عن سطح الأرض أو تلاً من هذه التلال المتناثرة والتي تزخر بها روج آفا وشمال سوريا.

تشير الدراسات التنقيبية أن هذه التلال تخفي في باطنها حضارة أقوام مضت تعود إلى آلاف السنين، وتشير أيضاً إلى أن تلك الحضارات مرتبطة بعضها ببعض منذ ذلك الوقت إلى وقتنا الحاضر بل أن بعض الدراسات تشير إلى أن في تلك الحقبة كانت الحضارة تتفوق على حضارتنا في القرن الواحد والعشرين رغم التكنولوجيا الحديثة التي تتمتع بها هذا العصر، وكل ذلك مدفون ومخبأ في باطن هذه التلال المبعثرة على أرض روج آفا ففي جوف كل تلة حكاية ثقافة وحضارة تختصرها تلك الرموز المنقوشة على الخواتم واللُّقى والرُقم؛ وتشير الدراسات إلى أن ما تم اكتشافه من لقى وسويات أثرية في التلال التي تعمل بها البعثات الأثرية الأجنبية يشكل جزءاً بسيطاً مما تزخر به روج آفا والشمال السوري من كنوز أثرية نفيسة، الأمر الذي يستوجب تكثيف العمل.

فمن هنا كان لا بد لنا من إلقاء الضوء على هذه التلال ضمن سلسلة من الحلقات في جريدة الاتحاد الديمقراطي وبما تتاح لنا من الفُرَصِ التي ترتبط  بتسارع الأحداث في منطقتنا المكتظة بالحروب الملتهبة والظالمة على مناطق روج آفا.

تل بري تقول الدراسات: إنه من مناطق الحضارات الأولى للبشرية والموجودة في سوريا حيث أسفرت التنقيبات الأثرية للبعثة الأثرية الإيطالية والهيئة العامة السورية للآثار العاملة في موقع تل بري بمنطقة الجزيرة في سوريا عن العثور على مكتشفات هامة منها طبقات أثرية تعود إلى فترات متعددة تمتد من الألف الثالث قبل الميلاد حتى الفترة الرومانية، إضافة إلى جِرار فخارية تعود إلى العصر البارثي وحُلي وقلادة من الصدف وحجارة بازلتية منحوتة لاستخدامات الطحن وختم اسطواني وبلاطات مصنوعة من الحجر المرمر تعود إلى العصر الآشوري الحديث، وعلى خواتم برونزية ورُقُم مسمارية تعود إلى العصر الآشوري الوسيط والحديث وأجزاء من مصنوعات ودواليب وأوان فخارية تعود إلى العصر الأكادي.

وَدَلّت مكتشفات البعثات التي عملت في منطقة الجزيرة بشمال شرق سوريا على أهمية الحضارات القديمة المتعاقبة وأهمية المنطقة كمهد الحضارات وكمركز اقتصادي وثقافي وتجاري مهم.

تمكنت البعثة الأثرية الايطالية برئاسة د. باولو ايميليو بيكوريلا، من التوصل إلى العديد من المكتشفات الهامة في موقع  تل برى

زر الذهاب إلى الأعلى