مقالات

فورد وابتعاده عن حقيقة الشمال السوريّ

صلاح الدين مسلم

يبدو أنّ الكلام الذي كانوا يعتبرونه إنشائيّاً ودغدغةً للمشاعر بات الآن واقعاً مُعاشاً، ففي الوقت الذي كانت فيه التيارات السياسيّة بألوانها الليبراليّة والإسلامويّة والكردياتيّة المزيفة وغيرها من التيارات التي كانت تستهزئ بالبراديغما الأوجلانيّة في بداية ثورة روجآفا قد باتت تفكّر الآن مليّاً في هذا النسق الجديد في الحياة والواقع السياسيّ والاجتماعيّ والعسكريّ في الشرق الأوسط، وقد أسقطت هذه البراديغما كلّ التلفيقات والفبركات ضدها.

وكلّ هذا التعاظم في نسق الأمّة الديمقراطيّة في الشمال السوريّ كان بفضل المجتمعات الديمقراطيّة التي اعتمدت الأوجلانيّة مساراً أسقط الترسانة الإعلاميّة والعسكريّة لكلّ التيّارات التي اعتمدت على النُّخب والطبقات الحاكمة التي ظلّت وما تزال تحارب هذه الثورة؛ ثورة روجآفا.

وقد باتت الورقة الأخيرة الآن في الحرب ضد هذه الثورة هي الإعلام، والبحث عمّن يحارب هذه الإدارة الذاتيّة، منها الترويج لتصريحات روبرت فورد المنتهية صلاحيته، وكأنّه الآمر الناهي في أميركا، وكأنّه الناجح في اللعبة التي حصلت في سوريا عندما كان سفيراً لأميركا في سوريا، فهو الذي قال في 5 حزيران من هذه السنة: “إنّ أردوغان محقّ في رفضه مسألة تسليح PYD الامتداد السوريّ لمنظمة PKK الإرهابيّة” حسب تصريحه في ندوة في واشنطن، وقال في 19 حزيران أيضاً في تصريح لجريدة الشرق الأوسط: ” إنّ الأكراد سيدفعون غالياً ثمن ثقتهم بالأميركيين الذين يستخدمون الكرد لتحرير الرقة من داعش فقط؟ فالأكراد السوريون يقومون بأكبر خطأ لدى ثقتهم بالأميركيين…”.

وكأنّ الكرد قد اعتمدوا على أميركا في بداية الثورة حتّى الآن، فمن اعتمد على أميركا هو الجيش الحرّ والمجلس الوطنيّ السوريّ، وكان يطلب الأسلحة منها، والمساعدات اللوجستيّة التي لم تصل إلى أحد والمال المنهوب وإلى ما هنالك من سرقات باسم تمثيلهم الشعب السوريّ المشرّد، وهم في فنادق إسطنبول.

لقد كان أول ردّ رسمي أميركي على تصريحات فورد من خلال المتحدثة باسم الخارجية الامريكية هيذر نوريت في الجمعة 23- حزيران حيث قالت: “إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تدعم شركائها في قسد وتدعم المتحالفين معها، وهذا الأمر هو مشروع طويل الأمد ولن ينتهي خلال أيام”.

فما يلاحظ أنّ أميركا استطاعت أن تشتري كلّ شيء بالمال، لكنّها لم تستطع شراء العزيمة والإصرار وعبق الحريّة والديمقراطيّة المجتمعيّة وإلى ما هنالك من ذاكرة المجتمع الأخلاقيّة السياسيّة. وبعيداً عن هذا التصريح لابدّ لنا أن نشير إلى أن الكرد لن يخسروا بعد أن ربحوا الديمقراطيّة للمنطقة وحلّ الإدارة الذاتيّة، فالذين يدافعون عن هذا المشروع الديمقراطيّ من العرب باتوا على قدر المساواة مع الكرد أنفسهم، فمن الخطأ ألّا يفهم فورد أنّ الشمال السوريّ صار بيد كلّ المكوّنات التي تعيش فيه، ونعت البراديغما بالكردياتيّة فحسب يجب أن يُلتغى، فالعرب والكرد والتركمان وغيرهم من الشعوب القوميّة والأثنيّة التي تعيش في الشمال السوريّ قد ذاقت طعم الحرّيّة والديمقراطيّة والمساواة والعيش المشترك، ومن المحال أن تتخلّى هذه الشعوب عن حرّيتها.

زر الذهاب إلى الأعلى