مقالات

فقه الأمة الديمقراطية

تلتقي كل التعريفات حول مفهوم  الديمقراطية في نقطة واحدة إذ يتم تعريفها على أنها كلمة يونانية الأصل وتعني في محتواها ومعناها حكومة الشعب أو سلطة الشعب؛ فالشعب بالمفهوم الديمقراطي هو الذي يحكم نفسه بنفسه وهو مصدر السلطات في الدولة، وبالتدقيق في كلمة (الشعب) نجدها شاملة وعامة وليست مقتصرة على فئة معينة أو طائفة بحد ذاتها أو عرق معين دون آخر في الوطن الواحد؛ أي أن مجاميع الأفراد الذين يعيشون على جغرافيا واحدة من كل الأعراق والطوائف  يشكلون أمة واحدة لِمَا لهم من مصيرٍ واحد ومصالِحَ مشتركة ويتشاطرون في ذلك، وهذا هو المفهوم الأعم والأشمل لكلمة الشعب بعيداً عن التعريفات المتقوقعة في إطار اللغة فقط أو ما شاكل، وانطلاقاً من هذا المبدأ وهذه الذهنية الحاضنة للكل انطلقت الإدارة الذاتية في شمال سوريا مذ خرجت الثورة السورية من إطارها السلمي وأخذت منحى أعنف الصراعات المسلحة وأشدها فتكاً ودماراً في العصر الحديث ورسمت لنفسها خطاً اسمته الخط الثالث انطلاقاً من إيمانها بأن سوريا وطن الجميع وليس حكراً على مكون معين دون آخر والتزمت به كعقد اجتماعي ومارست هذه الذهنية في الشمال السوري التي كانت محط إعجاب وتقدير كل الوفود الزائرة من الدول الأوربية إلى الشمال السوري وما زال؛

إلا أن استلاب قرارات الحل والربط من السوريين من قِبل الدول التي ركبت موجة العنف الذي ضرب عموم سوريا والتي بدأت بتصفية حساباتها على الأرض السورية وإنشائها لمعارضات في الخارج السوري وتصادم المصالح الدولية وإعطاء الوعود الزائفة لهذه المعارضات  بإسقاط النظام ودعم الجماعات الإرهابية التي ارتكبت أفظع الجرائم بحق السوريين وغياب حوامل الاستقرار في الشرق الأوسط كله وتداخل وتشابك الأزمات الدولية على الساحة السورية بعيداً عن مطالب الشعب آنذاك كلها عوامل جعلت من هذا المشروع أو العقد الاجتماعي يُمارَسُ بِحقه سياسة التعمية أو سياسة الغُميضة من قِبل الدول المشتبكة والتي كانت كل منها تقضم جزءً من الأرض السورية التي استباحتها العصابات الارهابية تحت مسميات مختلفة.

على الرغم من انعقاد المؤتمرات الدولية من جنيف وآستانا وسوتشي وصدور القرارات من الأمم المتحدة والمنصات الأخرى إلّا أن جميعها لم تأتِ بحل ناجع أو بصيص أمل للشعب السوري في العيش على أرض وطنه ولم تجلب له العدالة والمساواة والمواطنة الكريمة والديمقراطية كما هو مدوَّن وكائن بين دفتي هذا المشروع القائم على ذهنية ومبادئ الأمة الديمقراطية التي تعتمد على لامركزية الحكم والتي يحظى فيه كل الاثنيات والأعراق والطوائف والمذاهب بالمساواة والعدالة ويحق لهم ممارسة كافة طقوسهم الدينية وتعلم لغتهم وثقافتهم وهذا ما تطمح إليه مجلس سوريا الديمقراطية في مفاوضاتها الأخيرة مع النظام السوري في سوريا المستقبل، وأن تكون سوريا وطناً لكل السوريين ينعمون فيها بالأمن والأمان بعيداً عن الدولة القومية المركزية المبنية على الشعارات الفضفاضة والتي اعتمدت العلمانية امتداداً للحداثة الرأسمالية والتي اثبتت التجارب ــ وخصوصاً بعدما حصل في الربيع العربي في الشرق الأوسط ــ فشل وعجز الدولة القومية في منح شعبها الأمان والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى