مقالات

فدرالية الشعوب ستنتصر في عفرين

سليمان عرب
لابُدَّ لأيِّ مشروعٍ للحلِّ في الشرق الأوسط بالضرورة؛ معاداة الأنظمة الدولتية والقمعية فيه, والاختلاف معه في النظام والذهنية والإدارة والاقتصاد وغيرها, و ما لا شك فيه أن الهجمات التركية على عفرين وشمال سوريا هو صراعٌ بين ذهنيتين ومشروعين؛ الأول يمثل الديمقراطية وأخوة الشعوب والتعايش المشترك والحرية والعدالة والسلام، والثاني العنصرية والشوفينية والتطرف وعدم قبول الآخر بأي شكلٍ من الأشكال, وإثارة التعصب كما هي ذهنية الاتحاد بين MHP و AKP في التعصب القومي، والتطرف الديني الذي هو نفسه ذهنية داعش والنصرة الإرهابيتين من الجهة المقابلة.
عندما نتابع الهجمات والتهديدات وتحركات الدولة التركية الطورانية؛ فإنها تماماً كتصرفات داعش من خلال الحرب الخاصة التي تتبعها، وعلى لسان الدكتاتور اردوغان وحاشيته؛ من الترهيب والترغيب حسب ذهنيته الإسلاموية المتطرفة, وذلك عبر وعيده وتهديده بالتطهير والقتل والتشريد والتنكيل صباحاً ومساء؛ وفي كل المناسبات، وعبر أسلوب الحرب النفسية الخاصة وبوسائل وأدواته القذرة, واستجرار عاطفة الحمقى كالدعوة للدعاء وقراءة القرآن من أجل الجهاد؛ فقتلاهم في الجنة بفتوى من “الولي على درب الأنبياء “اردوغان المتقي” , وذلك ما باد للعيان والأسماع شعارات المرتزقة والمجاهدين من أجل تحرير أرض الإسلام من الكافرين، وتَعِدُ الكُرد بالقتل والتطهير كونهم انفصاليون وإرهابيون وكافرون وظُلّام! , ومتى أصبح الكرد ظالمين؟؟ والغريبُ هنا الدعوة بقراءة سورة الفتح المبين؛ لتصبح سنداً ومعجزةً تكون سبباً في النصر وصبراً للجنود في طريقهم للحق المبين (كما يدعون), وصلاة ودعاء الخطباء في الجوامع استغلالاً للدين في قضايا التعبئة والتشريع للهجوم على بلدٍ آمنٍ خارجَ حدودهم، ومُنْعَمٍ بالأمان والسلام والتعايش؛ لأنه خطرٌ على سلطانهم؛ تماماً كما فعلها الطاغية صدام وقصفه لمدينة حلبجة وحملة الأنفال التي هي أيضاً سورةٌ من القرآن الكريم.
عند التمعن في الهدف التركي من الهجوم على عفرين؛ فإنه بالتأكيد إثارة العنصرية والشوفينية في الداخل التركي ضد الكرد؛ العدو المزعوم والمصطنع, من أجل تغذية النفرة والعِداء ضد العدو المزعوم والمصطنع وهو الكردي الحر أينما كان، وادخار الأصوات في أي عملية انتخابات قادمة بعد الفشل الذريع في السابقة؛ كونه لم يقضي على الكرد أعداء تركيا (حسب زعمه)، وكذلك نقل ذلك الصراع وتلك القمامة إلى سوريا من خلال إثارة المشاعر العربية ضد الكرد؛ من خلال الاقتتال الكردي العربي القوموي؛ وهو ما يريده, والهدف الآخر من الهجوم هو ضرب الشراكة والعلاقات بين الكرد والتحالف الدولي، وايقاف الدعم والتأييد من المجتمع الدولي للكرد في مرحلة الحل السياسي من أجل إيجاد وضع جديد لروج آفا وشمال سوريا.
من جهةٍ أخرى يقول السياسي (المخضرم) ذو الأفق الخيالي والمتشرب من منابع غريبة وبعيدة: “إنه كان على الـ PYD عدم خلق الحجج لتركيا للهجوم على روج آفا، وعدم رفع صور أوجلان لكي لاينجرح شعور الأخ التركيِّ الجار والمحبوب!!, وكان لابُدَّ من الخضوعِ والتوسلِ لهم للحفاظ على مشاعرهم ومسايرتهم. فهل كانت هناك صور لاوجلان في باشور كردستان عندما هاجمها ويهاجمها الآن اردوغان وطورانيته بمجرد طلب الحرية وتحديد مصير الكرد؟؟ أوليس الصراع الحقيقي هو اوجلان نفسه؟.
ويخرج رجل الدين الكردي المسلم؛ ويتحدث في العموم ودون تحديد الاسم والتأكيد على طرف معين أو جهة ويقول: “من قتل دون ماله وأرضه وعرضه فهو شهيد, من الشهيد؟ لا أحد يعلم وحسب اجتهاد علماء المسلمين في عاصمة الخلافة اسطنبول هم الجنود والمجاهدين طبعاً, فعندما يحمل عدو الكرد القرآن الكريم؛ فإنه يكون أقرب من نهايته، وآخر ورقة عسى أن يكون له دليلاً؛ لكنه أصبح تجارة بخسة دون أي أرباح في زمن الثورة، وهنا يتبادر إلى الذهن حسب فتوى هذا المختبئ خلف لحيته أ كان صدام حسين الذي صنع الأنفال وحلبجة أشطر من اردوغان الذي سبقه بحمل القرآن حتى المشنقة دون أن يتنازل عنها لحظة واحدة, ليخرج رئيس اتحاد علماء المسلمين الكردي الأصل ليقول اصلحوا بين أخويكم؛ ويناقش فيما إذا كان الكرد في عفرين شهداء أم لا ؟ ويدعي أن هناك فتنة بين المسلمين, مبرراً الهجوم العدواني لأخيه (المسلم ) التركي على عفرين .
وهنا ينبغي أن نسوق مقولة عظيمة للقائد اوجلان حيث يقول: “إذاْ كانَ هناكَ مفهومٌ ثوريٌّ في الإسلامِ فإنَّ حركتنا هيَّ خيرُ من تمثلُ هذا المفهوم”.
ذلك أن مقاومة الدكتاتوريين والمتآلهين كانت هي خلاصة ما سعت وتسعى إليها كافة الأديان السماوية والفلسفات والقيم الإنسانية.
ومن جانب آخر تفاخر ما يسمى المجلس الوطني الكردي بالحضور في اجتماعات آستانة، وأنه ممثلٌ للشعب الكردي وحامل القضية الكردية, ولكن ما يظهر للعيان أن في هذه الاجتماعات كان قد تم الاقرار بالهجوم على إقليم عفرين, وأنه الاتفاق الروسيُّ التركيُّ الإيراني الذي قد تم في الآستانة وبحضور بعض الدمى الكردية من أجل إضفاء طابع الشرعية على هذه المؤامرة.
فهل كان الكرد الموجودون يعلمون بالاتفاق حقاً؟ أم أنهم بالفعل كانوا دمىً ولم يعرفوا ما تم لجهلهم وعماء بصيرتهم؟ وأصبحوا المشرعين للهجوم التركي على عفرين؛ كونهم الكرد الجيدين والهجوم هو على الكرد السيئين والانفصاليين والإرهابيين؛ حسب زعمهم.
ويخرجُ آخر ليُعْلِنَ انسحابهُ من المعارضة بحجة أنه لم يكن يعلم بالقرارات الصادرة في الاجتماعات التي تبرأ منها, بعد أن انتهت مهمتهم وصلاحيتهم، ولم يعد لهم دورٌ ليفعلوه لهم، وأي منفعة، ولم تبقى معصيةٌ وجرمٌ إلا وارتكبوه ضد شعبهم وأهلهم في أصعب الظروف.
في الوقت الذي حافظنا فيه على مناطقنا في روج آفاي كردستان وشمال سوريا من الحرب الطائفية والقومية على السلطة والمصالح الدائرة في الشرق الأوسط، واتِّباعِ الخط الثالث الذي يعتمد على إرادة الشعب والمجتمع عبر بث الوعي بالاعتماد على المخزون الحضاري والثقافي للشعوب, ففي دول الدكتاتوريات في الشرق الأوسط إذا اطلقت رصاصة واحدة أو قذيفة واحدة تشاهد جموع الناس يستنفرون ويتسابقون في الهجرة والنزوح، والنأي بالنفس، والابتعاد عن مناطق الحرب، ولكن في إقليم عفرين أربعة أيامٍ من القصف العشوائي، ومئات الغارات؛ وبعشرات الطائرات وآلاف القذائف, رغم ذلك تشبث الشعب بأرضه وخلفَ وحداته؛ وهذا دليل الإيمان والإرادة والأمل الذي هو أقوى من الانتصار نفسه. بهذه الحرب على عفرين فقدت القوانين والشرائع كافة معانيها، وانكسرت عموم المقدسات، وسقطت جميع الأقنعة والدساتير، وتم تجاوز كافة الحدود والمعايير دون أن يسمعها أحد؛ كأنهم صمٌّ بكمٌّ عميٌّ لا يفقهون. كما أن الهجوم أسقط القناع والمكياج وأزال الستار وأظهر اينونو وازدين شير وبكو عوان وإدريس البدليسي واستياك وانكيدوا. هذا الشعب صنع هذه المكتسبات بإرادته الحرة وامكانياته الذاتية من تاريخه وإرثه الحضاري وتنوعه، واعتمد على حقيقته ووجدانه واستمدها من ثقافته ووجوده؛ لذلك يستطيع أن يقاوم ويحمي تلك المكتسبات اعتماداً على قوته الجوهرية النابعة والمستندة على الشعب والمجتمع فقط, وما هذا السيل من المتظاهرين والشعوب التي ملأت شوارع كافة العواصم والمدن في الداخل والخارج, هذا السيل هو نفسه الشعب الذي لم يخرج ولم يهاجر وبقي صامداً في عفرين.
نحن لن نعاتب أحداً، ولن نُحَمِّلَ المسؤوليةَ لأحد، وسوف نتحمل مسؤليتنا التاريخية، ونستمر في ثورتنا، ونحن المسؤولون أولاً وأخيراً، ولن نُحَمِّلَ القوى الخارجية أو أي أحد عن تصرفاتهم؛ لأنهم يتحركون حسب مصالحهم، ونعلم ذلك منذ البداية ويعلمها الجميع, ونؤكد أن تاريخ جمهورية مهاباد وبيشوا قاضي محمد واتفاقية الجزائر لن تتكرر نتائجها، وستكون على العكس تماماً بحيث يتم تحقيق تلك الأماني والأهداف، وتحقيق الحقوق المشروعة.
نعلم تماماً أنه ليس لنا صديقٌ سوى المقاومة. هذا الهجوم هو صراعٌ بين الفدرالية الديمقراطية والدولة القومية؛ وستنتصر الفدرالية في عفرين كما انتصرت الإدارة الذاتية الديمقراطية بعد مقاومة كوباني.

زر الذهاب إلى الأعلى