مقالات

 عن المقاومة ومعادلة أن التاريخ يجدد نفسه

مزكين آدم

في الثامن عشر من آذار الماضي احتل الجيش التركي الفاشي والمجموعات المرتزقة الإرهابية التابعة له مدينة عفرين بعد مقاومة بطولية لأبنائها ضمن وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية دامت 58 يوماً، استخدم فيها المحتل كل صنوف أسلحته وحتى تلك المحرمة دولياً.

مقاطعة عفرين التي صمدت لأكثر من ست سنوات تقاوم الحصار والاعتداءات التركية، وكلنا يعلم أنه لولا موافقة القوى الدولية المتصارعة على احتلال الدولة التركية لعفرين وفتح الأجواء أمام القصف الجوي العنيف طيلة 58 يوماً لما تجرأت القوات الفاشية والمجموعات المرتزقة دخول شبرٍ واحدٍ من عفرين لكن الموقف الدولي المتخاذل كان إلى جانب المجموعات الإرهابية التي كانت تتسابق في عمليات الإجرام والسرقة.

إذاً مخطط الإرهاب والتقاسم لم ينتهي بتحرير الرقة منهم، ما حدث ويحدث الآن في عفرين هو البديل لمخطط تنظيم داعش ونهجه وإن كان بصورة مختلفة في التوافقات والتقاطعات الدولية والإقليمية في الأجندات والمصالح.

لنعد إلى المخطط والاتفاق الذي حصل بين القوى المتآمرة بين كل من تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري الفاقد للإرادة والقرار؛ الاتفاق بدأ من اجتماعات أستانا ومنذ أن تقاطعت المصالح الروسية الإيرانية مع المصالح التركية والتي تقتضي ضرورة الإسراع في التعاون والتنسيق والتخطيط بينهم بعد أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من دحر الإرهاب وتحرير الرقة التي كانت عاصمة الدولة الإرهابية المزعومة.

كلنا ندرك بأن اتفاقات أستانا لم تكن سوى عمليات تخطيط وتفاوض واستلام وتسليم برعاية روسيا وتركيا وقبل أن يشن العدوان التركي حملته الهمجية على عفرين تم التفاوض بين قيادات المجموعات الإرهابية التي ما تسمى بالجيش الحر ومجموعة من الخونة الذين يتاجرون باسم الكرد في اسطنبول، وبين تلك القيادات وقيادات من النظام السوري برعاية تركية روسية وذلك بتسليم الغوطة الشرقية للنظام ولروسيا ونقل كل المجموعات الإرهابية وعوائلهم إلى المنطقة التي ستحتلها تركيا، مقابل تمديد المدة التي حددتها روسيا لأردوغان باحتلال عفرين وكلنا نعلم بأن هذه المدة كانت 3 أيام وفق ما صرَّح به أردوغان وقتها، وبموجب هذا الاتفاق شنت القوة الثانية في الناتو وبكل أسلحتها حرباً ضروساً على عفرين مصطحباً إلى جانبها بقايا التنظيمات الإرهابية لتصب جامّ إرهابها على الأرض والحجر والشجر والبشر في عفرين، معبرين عن ذهنيتهم الغرائزية العدوانية المقيتة.

لكن العالم كان يدرك جيداً بأن عفرين لن تكون منتزهاً لأردوغان ولعصاباته الإجرامية.

سكان عفرين قاوموا الاحتلال ببسالة بإرادتهم صنعوا مقاومة العصر التي دونت بأحرف من ذهب في صفحات التاريخ، تلك المقاومة التي لم ينطفئ لهيبها يوماً ولن تخمد حتى آخر قطرة دم هذا ما عاهد به المقاومون.

عفرين أصحبت رمزاً للمقاومة في عصرٍ غلب عليه طابع الخذلان والتآمر، بهذه المقاومة المستمرة فشل المحتلون في تحقيق أهدافهم بالرغم من السيطرة المكانية، لكنهم لم يستطيعوا كسر إرادة شعبنا؛ تلك الإرادة أنجبت أبطال هذه المقاومة وقدمتهم أضاحي وقرابين لتراب الأرض المقدسة، من شنكال إلى قامشلو وكوباني وتل أبيض وعفرين، هؤلاء هم الثوار والأبطال الذين يفتخر بهم ليس فقط الكرد والعرب ومكونات شمال سوريا بل عموم الإنسانية الحرة.

نعم المقاومة والثورة لا يصنعها الجبناء واللصوص وقطاع الطرق الإرهابيين، بل يصنعها مَن كان له تاريخ في المقاومة والصمود، مَن كان يؤمن بالحرية وبالديمقراطية والمساواة، مَن أبى الذل والخنوع والاستبداد، أما المحتل والعدو فهو نفسه بطبعه الفاشي وسلوكه وذهنيته السلطوية الاستبدادية، ومن هنا فأن للمقاومة وللثورة أهلها وللاستعباد والخنوع والذّل أصحابهم مهما تبدلت وتغيرت الظروف وموازين القوى ومعادلاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى