مقالات

عن الانتخابات التركية المبكرة

عند الحديث عن الانتخابات التركية المبكرة أول ما يبادر إلى ذهن المتابع لمثل هذه الحالة في البلدان الأخرى بأن هناك حالة من الفراغ الدستوري أو حجب الثقة عن الحكومة أو رئيس البلاد، أما  في الحالة التركية فتتوفر كل هذه الأسباب وأسباب أخرى أيضاً. الفراغ الدستوري والقانوني والسياسي كان في خدمة السلطة الحاكمة بل هذه الأسباب هي من أوجدت كل هذا الفراغ كي يتسنى لها أن تفعل ما تريد فحكومة العدالة والتنمية هي من زجت بكل من يختلف معها في السجون وهي من اعتقلت البرلمانيين ورؤساء البلديات المنتخبِين، وحسب قوانين الدولة التركية المزعومة كل هذه الأجواء كانت مناسبة لأردوغان وزبانيته.

إذاً لماذا هذه الانتخابات المبكرة؟ قبل التطرق لهذه النقطة أريد أن أوضح نقطتين اثنتين: الأولى أن اردوغان حصل في الانتخابات السابقة على الكثير من الأصوات بطريقة الرشوة السياسية (الحالة الاقتصادية الوهمية المؤقتة دون أن يكون هناك أي رصيد لاستمرارية الوضع الاقتصادي.

أما النقطة الثانية هي حالة الخوف: فالكثيرين أعطوا أصواتهم لأردوغان خوفاً من حرب جديدة يقودها أردوغان ضد الكرد حيث يكون وقودها الفقراء من الشعوب القاطنة بما تسمى تركيا الحالية وأضرارها تكون على الكرد وكردستان.

بالعودة إلى الموضوع ولماذا الانتخابات المبكرة؟ لأن أردوغان أدرك تماماً بأن الأيام والأشهر القادمة ليست في صالحه أبداً فكل محاولاته لطمس حقيقة الوضع الاقتصادي السيء لن تجدي نفعاً فالشعوب باتت تدرك بأن تلك النشوة الاقتصادية الوهمية والمزيَّفة انتهت فهم يرون ما آل إليه الوضع ويدرك اردوغان ومن معه بأنهم لن يتمكنوا من ترتيب الوضع الاقتصادي إلّا بالمزيد من الضغط على الشعب واتِّباع سياسة شد الأحزمة على البطون وبأقصى درجاته، وهنا سيكون أردوغان قد فقد أهم نقطة كان يستند عليها لكسب الأصوات فصرف الأموال الطائلة على حروبه العدائية تجاه الآخرين تكلف الدولة التركية مليارات الدولارات، وكل ذلك دون أن يكون للدولة رصيد يدعم هذه السياسات العدائية؛ فتركيا لديها الآن ((صفر رصيد)) والأهم بات الشعب يدرك ويسأل نفسه ماذا جنينا من هذه الحروب؟.

الجانب الآخر هو في حالة الخوف والرعب التي كانت وما زالت تبثها الماكينة الإعلامية لاردوغان وهنا استشهد بجملة قالها اردوغان نفسه ((لو اعطيتموني نسبة الـ 51 لما كانت هذه الحرب)) ويقصد بها الحرب التي قادها اردوغان وجيشه وأدى لتدمير خمس مدن كردية وتهجير أكثر من 500 ألف مواطن وذلك حسب تقارير أممية تأكد ذلك، لكن ومع حصول أردوغان على تلك النسبة المطلوبة له وتغيير الدستور بعد تلك الانتخابات ازدادت الاعتقالات وكثرت أساليب القمع وطرد الموظفين من جميع مدن تركيا وليس بحق الكرد فقط؛ إذاً لم يتغير أي شيء سواء صوتوا له أم لم يصوتوا فهنا أيضاً يكون فقد أردوغان نقطة ثانية كان يستند عليها لكسب أصوات الناس البسطاء ممن يخافون بطشه ودكتاتوريته وجلاديه إذاً هو يفقد أهم عنصرين لديه فهل سيكون للأحزاب كلمة أخرى في هذه الانتخابات؟ هل سينتقم الكرد لشهدائهم ومدنهم وبرلمانِيهم ورؤساء بلدياتهم المعتقلين بأسلوب ديمقراطي حضاري يبهر العالم كما أبهر مقاتليهم العالم في كل الأمكنة؟ والأهم من ذلك هل ستنتصر قِوى الخير على قِوى الشر؟

زر الذهاب إلى الأعلى