مقالات

عندما تُتخذ الضلالة سبيلاً

الوقائع الراهنة تشير إلى أن الشرق الأوسط تشهد حرباً عالمية ثالثة بكل أهوالها، وتختلف الحرب الدائرة والتي مركزها قلب الشرق الأوسط عن الحروب العالمية الكلاسيكية الشاملة لِمَا تحمله من أبعاد عسكرية وسياسية واقتصادية قد تغير وجه العالم وخاصة منطقتنا لقرنٍ من الزمن، وقول إن الحضارات في صراع حقيقي بات حقيقة ملموسة كون هذه الحرب تتميز أيضاً بخاصية بنيوية تاريخية واجتماعية، بحيث تتشابك فيها الاهداف والمخططات لدرجة يصعب فيها تجزئة القضايا فالكل المتصارع والمتأزم متشابك بشكلٍ معقد.

فالقضايا والأزمات المتراكمة والتي تشهدها الشرق الأوسط المنهار منذ عقود خَلَتْ باتت كجبالها التي تكونت بفعل الانكسارات والالتواءات والحركات التكتونية، بمعنى آخر أن الشرق الأوسط كان يعيش على حافة تصدع تعرض لضغط شديد هزت بنيته الأساسية ألا وهي المجتمع والدولة بكل تفاصيلهما، وكون الشرق الأوسط منبع التكوين والنشوء للأثنين أي المجتمع والدولة معاً واصطلاحاً فأن مستوى التأثر والتغيير سيكون عميقاً أيضاً.

 وتأتي في مقدمة هذه الأزمات: الأزمة المتعلقة بنظام الحكم” شكلاً ومضموناً”، حيث فشلت  غالبية الأنظمة الحاكمة منذ عقود لدول الشرق الأوسط في أن تمثل رؤى وتطلعات شعوبها وأن تكون هوية جامعة تعزز الروح الوطنية،  على العكس عملت هذه الانظمة على سياسة فرق- تسد  وبالتالي عملت على تغذية النعرات القومية والطائفية والمذهبية وأسست لوجودها هالة من القدسية المرعبة، وذلك عبر مؤسساتها التي كانت تطبع بطابع الذهنية الحاكمة لدرجة أصبحت هذه المؤسسات والتي كانت من المفروض أن تكون مؤسسات مجتمع لا مؤسسات نظام، تعمل لخدمته وتسهر على أمنه وأمانه وتسعى لازدهاره، لكن الصورة مغايرة تماماً بالنسبة لهذه المؤسسات والتي لم تتخطى ذهنية الأنظمة الحاكمة، فقد أضحت بحد ذاتها منبعاً لتوليد الأزمات وعلى كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكونها وليدة السلطة الحاكمة أو أنها سلبت من قِبَلها، وعلى احتكاك تام مع المجتمع فقد انتقلت بذهنيتها تلك إلى داخل المجتمع ” الأسرة” لدرجة أضحت القضايا  والأزمات داخل الأسرة الواحدة بحجم قضايا الدولة التي تعاني اصلاً جراء سياسات وذهنية النظام الحاكم، لذا فأن الكم المتراكم من القضايا الاجتماعية داخل دول الشرق قد أثرت بشكلٍ أو بآخر على صياغة فرصة للحل تبدأ بالقاعدة وتنتهي بالقمة على عكس الأنظمة الحاكمة والتي صبت جل اهتماماته  بتكوين البنية الفوقية للدولة والتي من شأنها ترسيخ بنية النظام وتوطيد أركانه، ومما لا شك فيه بأن هناك تشابهاً وإن لم تكن تاماً بين ذهنية الأنظمة المعاصرة وبين ذهنية انظمة العصور الوسطى والقديمة من حيث التكوين وممارستها للسلطة.

وما يثبت كلامنا هو أن الشرق الأوسط لم ينعم بالاستقرار والسلام والازدهار طيلة العصور الحديثة والمعاصرة وما شهدته من فواصل انتقائية قصيرة المدى تسربت خلال المراحل الانتقالية، لكن بالمجمل فقد تميز الشرق الأوسط المعاصر بالحروب والصراعات والمجازر والأزمات على كل الاصعدة، والرغبة الجامحة لمجتمعات دول الشرق الأوسط في هجر أوطانهم.

 بالطبع البحث عن مخرجٍ لمجمل قضايا الشرق الأوسط  ليس بالأمر السهل في ظل هذا التضخم الكمي والنوعي لمؤسسات التسلط  والتي اكتسبت قدرة كبيرة في التحول والخداع، وكوننا تحدثنا عن السبب الرئيسي الكامن وراء الأزمات الخانقة في الشرق الأوسط فلابد أن نعرج على المخرج أو الحل والذي لا يمكن تبسيطه أيضاً بمقالة أو بتقريرٍ مقتضب، بطبيعة الحال وكمدخل أولي لابد من الاعتراف بأن الشرق الأوسط على حافة  الانهيار وإنكار ذلك يعني حتماً بأن هناك خللاً في المعاينة والتشخيص وبالتالي ستكون هناك خللاً أكبر في العلاج أي أن وضع فرضيات للحل بشكلٍ لا يتناسب والحقيقة التاريخية للشرق الأوسط.

من هنا فأن المدخل الذي يمكن من خلاله تلمس خارطة حل واضحة المعالم يكمن في فهم وإدراك الديمقراطية معناً ومضموناً وممارسة، ولعل الرجوع إلى ما كتبه المفكر والقائد الكردي الأممي عبدالله أوجلان في مجمل مرافعاته المقدمة إلى المحكمة الدولية و اللجنة الأوروبية لحقوق الانسان CPT والتي يتناول فيها تاريخ وسيسيولوجيا الشرق الأوسط  من أوسع أبوبها بموضوعية وبعمق وفق منهج علمي، سيفيد في فهم حقيقة القضايا والأزمات المعاشة كما سيسهم بشكلٍ مباشر في رسم خارطة الحل المبني على الديمقراطية والتي أفرد لها جزءً كبيراً من المرافعات.

زر الذهاب إلى الأعلى