مقالات

طلاق بائن بينونة صغرى

سيهانوك ديبوsihanok-dibo1

مما لا شك فيه بأن جميع الملفات الإقليمية باتت على وشيجة ما من الملف السوري، ويصح العكس أيضا لو قلنا بأن الملف السوري بات على تداخل ووشائج مع الملفات التي يُقَدّر لها بأن تستوي أو تحرق هذه اللحظات على صفائح ساخنة. ولعل قرار اللجنة القضائية العليا في أمريكا بأن توافق على أن يكون تنظيم الإخوان المسلمين مُدرجاً في قائمة التنظيمات الإرهابية – بالرغم من أنه لم يصدر في صيغته النهائية والتي تحتاج إلى موافقة الكونغرس النهائية- في هذا الوقت بالذات له كل العلاقة ما هو مقدم عليه وسيعمل به، وتزامنه بدوره مع الانحسار العسكري الجبري لإيران في سوريا؛ يعطي بأن هذا الانحسار سيؤدي في الأغلب إلى تشكيل مصفوفات جديدة وأحلاف جديدة ستشهدها الدول الإقليمية، وستؤدي من الضرورة إلى خيوط جديدة في اللعبة وتأثيرها على الأزمة السورية. ومن أهمها قطع معظم النسغ بين تركيا (التائهة في عزلتها) والسعودية وأغلب دول الخليج، والقطع النسغي؛ هذا؛ متبوع بشكل مباشر للتموضع الجديد، خاصة إذا ما أدركنا أنهما أي السعودية وتركيا لم تكونا متفقتين إلا في الخطوة الأولى حيال الأزمة السورية أي برحيل الأسد، ومختلفتين أو بالأحرى على خلاف في الخطى التي تتبعها.
نقولها أيضاً الآن؛ تركيا باتت مثالاً على الانتحار السياسي، ولن نتفاجئ لو سمعناها مؤكدة على أن كل من يخالفها هو الإرهاب بنفسه، وربما لن تستطيع المجاهرة بأن أمريكا إرهابية أيضاً كما مجاهرتها في ممارسات روسيا الإرهابية (وفقها)؛ فإنها ستشيطنها بشكل أو بآخر، وأنها من المؤكد لن تلتزم بوقف اطلاق النار؛ لما يعنيه لها مغادرة فعلية لها فيما يتعلق باستحقاق الحل السوري على أساس مساره السياسي.
الصفائح؛ لن تظل ساخنة على الدوام؛ سيُكتب لها برداً وسلاماً إذا ما توفرت النية والرغبة والالتزام العملي بتفاصيل الحل، وصفحة القتل والدمار أيضاً ستطوى مثل كافة مثيلاتها المشهودة في دول الجوار أمْ في الدول العالمية التي عاشت أوضاعاً مماثلة؛ وهذا أيضاً متوقف على وضوح الهدف في حلبة المفاوضات وموائدها المتعلقة بالأزمة السورية، وفي مقدمة الأهداف الواضحة الصريحة العلنية؛ إلى أي نظام سياسي مقبل عليه السوري؟ أية ماهية دستورية تضمن هذا الانتقال أو بالأحرى التغيير الجذري؟ وأية انتخابات برلمانية ورئاسية تجسّد الحقيقة المجتمعية السوريّة؟
ولأننا لسنا في وارد البازار السياسي ووارد الخيارات المطروحة؛ وقد تكون أبشعها الطلاق التقسيمي وقد تكون أبشعها أيضاً إعادة تدوير النظام المركزي الاستبدادي (جالب الدمار وممهد التقسيم)، بل أننا أمام خيارات وطنية مشخصّة لحقيقة سوريا وحقيقة شعوبها ومكوناتها القومية والدينية والطائفية، ومثل هذا الخيار يمثله ويضمنه ويحققه الصيغة الاتحادية الديمقراطية والذي يحقق بدوره ولأول مرة في تاريخ تشكل الدولة السورية الحديثة المستقلة منذ 1943 حالة مثلى من الديمقراطية وأن وحدة سوريا في اتحادها.
يعلم السوريون بأنهم لا يملكون اليوم رفاهية القرار في اختيار مصيرهم بشكل كافي وكليّ، وأن السكاكين التي قسمت أوصال الشرق الأوسط وفق خرائط قبل مائة عام لم تكن بمعلومهم وبإرادتهم، ولكنهم يعلمون اليوم وفي غمرة هذه الأوضاع الاستثنائية والأحداث الدراماتيكية العاصفة؛ أن الإرادة الوطنية ما تزال متوفرة وهي بالأساس غير متبوعة إذْ لم تكن الإرادة يوماً متبوعة للخارجي الماورائي، وأن الخيار السوري لا يمكن حصره بأن يعاند الإرادة الدولية (وصيّة) أزمته وأن يتقبل بها صاغراً؛ على العكس؛ مثل أن الميزوبوتاميا والهلال الخصيب وسوريا جزء مهم منها؛ مهد للحضارات وأنها تمتلك مخزونا وإرثاً هائلين للعيش المشترك؛ فيمكنها وفق ذلك وأمور كثيرة أخرى أن يفكر السوريين على جميع مشاربهم بأن جمهورية سوريا الاتحادية خيار وطني من أجل الاجتماع الوطني؛ وهذا هو الجذر المعرفي والسياسي للأزمة السورية والشرق أوسطية بمجملها.
طلاق بائن بينونة كبرى مع كافة الأشكال النمطية والهيمنة المركزية والأنظمة الاستبدادية التي مرت على سوريا؛ وقته الآن. كما أنه زمن للقطيعة مع من يعادي مشاريع النهوض التي تحقق دولة المواطنة الديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى