مقالات

ســـوريــــا والــعـــســـكــــريــتــــاريــــة الـــمــُــبــيــــــدة

آلدار خليل 

أثبتت الأعوام الست الماضية التي مرت على الشعب السوري أنه لا يوجد حتى الآن من يبحث بشكل حقيقي وجاد عن حلٍّ للكارثة السورية وإنهاء دوامة العنف، وحالة التمزق السائدة في المجتمع السوري، ولم تستطع الحلول سواء السياسية أو العسكرية أن تستكمل طريقها للخروج من هذه الأزمة والتي لا تبدو آفاق نهايته قريبة في ظل هذا التشرذم وتضارب الأهداف، فعسكرة الحل في سوريا وفرض الطابع العسكري على جميع المساعي أدى إلى نشوء حالة من الصراع والاقتتال وبخاصة مع تزايد عدد الفصائل المسلحة ذات التوجهات المختلفة، وهذا الصراع فتك بالشعب السوري وعمق مأساته، فقد كان لهذا المنطق العسكري الذي لم يفهم المتغيرات الداخلية التي أفرزها الواقع المأساوي لسورية إضافة للتعقيدات الدولية والإقليمية بما تحمله من أجندات دوراً هاماً بازدياد وتيرة القتل والخراب، حتى باتت سوريا من أكثر دول العالم دماراً وقتلاً، وتشريداً.
والتأكيد دائماً على أنَّ الحل النابع من الداخل السوري غير مرغوب فيه وذلك تمشِّياً مع رغبات بعض الجهات الدولية والإقليمية والذي ثبت في العديد من المواقف واللقاءات حول سوريا، وبمشاركة الدول المعنية بالحل السوري في هذا التآمر، وما محاولات جنيف وفيينا وغيرها صاحبة أطروحات الحل الشكلي إلا نماذج حقيقية لرفض ولادة الحل السياسي الذي يناسب الواقع السوري بكل تعقيداته، فجميع هذه الأطراف المشاركة في تلك اللقاءات بما فيها المعارضات التي تدعي تمثيلها للشعب السوري وكذلك النظام لم تمتلك أية مشاريع يمكن من خلالها فتح الطريق أمام الحل، حيث أن الجميع يرى أنَّ الحل العسكري هو السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق؛ رغم ادعائهم التمسُّك بالحل السياسي؛ فهم لا يمتلكون مشروعاً وطنياً جاداً يخدم مصلحة السوريين، بدليل إبعادهم عن تلك اللقاءات أكثرَ الأطراف تمسُّكاً بالحل الديمقراطي وأكثر الأطراف التي عملت على تهيئة الأرضية الحقيقة لنمو الحل السوري بعد دحرها الإرهابَ الذي يسعى للفتك بكل السوريين دون تمييز أو تحييد.
إن ظهور بعض الأطراف المنادية بالحل السياسي وكذلك التحركات الدبلوماسية في هذا الإطار والتي توحدت اليوم بعد أعوام من العنف والدمار، حول اعتبار الحل السياسي السبيلَ الأفضل للسوريين، ولكنهم حتى في هذا التوصيف يحاولون فرض الحل السياسي بما يتناسب مع تلك التوجهات العسكرية التي كانت حاضرة طيلة السنوات التي مضت وبالتالي لا يمكن لهكذا حلول أن تتطور وأن تثمر دون أن تكون مستوحاة من حقائق واقعية مراعية لطموح السوريين وسعيهم نحو تحقيق حياة حرة وكريمة، فلا يمكن لأي حل أن يتكلل بالنجاح دون مراعاة خصوصية السوريين والتقائهم حول هدف عام وهو أنَّ سوريا لجميع السوريين وأنَّ المكونات الموجودة دون تفريق أو تمييز لها الحق في بناء نموذج لا مركزي قائم على التنوع والإدارة المشتركة والعمل تحت سقف الوطن السوري واعتبار المصلحة الوطنية السورية غاية سامية لابد من العمل من أجلها والحفاظ عليها، وأنَّه لا يمكن إيجاد مخرج من خلال فرض الحلول الخارجية المبنية على توافقات دولية واقليمية لأنها لا تصب في مصلحة السوريين وإنما في مصلحة تلك الدول، فالحل يجب أن يكون سوريا نابعاً من إرادة السوريين.
آن الأوان كي تدرك القوى العاملة من أجل الحل، أنَّ السوريين يوماً بعد يوماً يزدادون آلماً وأنَّ الواجب الأخلاقي والإنساني يقتضي العمل على وضع حد لهذه التراجيديا التي خلفت المآسي ودمرت الإنسان السوري، كما دمَّرت البنية التحتية، آن الأوان أن تدرك الأطراف التي تسعي إلى توريد الحلول الجاهزة إلى سوريا أنَّ قناعة السوريين وإرادتهم لم تعد تستجيب لمواقفهم ومشاعرهم المزيفة، سوريا تحتاج اليوم إلى إيقاف نزيفها وإيجاد الحل المناسب الذي يليق بشعبها الذي تحول وبفعل التآمر الإقليمي والمحلي إلى أكثر الشعوب التي دفعت فواتير نظامها القمعي المستبد وجيرانها الأعداء وأصدقاءها غير الأوفياء، الحل السياسي ضروري ومهم ولكن بمساعٍ حقيقة وجادة وليس بالشعارات، لأن الحل العسكري فشل بتحقيق أهداف الثورة الشعبية، هذه هي الحقيقة التي لابد من إدراكها على الدوام.
بعد سقوط حلب وما تم فيها من تآمر وخيانة وكذلك الطمع التركي في التوغل وخلق الفتنة ما بين السوريين وبعد سقوط تدمر التي تحولت إلى مركز مهم لداعش بعد أن تحولت الرقة إلى منطقة غير آمنة لهم وما يحصل الآن في إدلب كلها مؤشرات وإيماءات تدل على أنَّ الخطر في ازدياد وأنَّ من الواجب علينا اتخاذَ موقف وطني حاسم يتجلى بالعمل لإيجاد حل سياسي؛الحل الذي قُيد بفعل وجود مصالح البعض في إبقائه على حالته المشلولة هذه.

نقلا عن جريدة روناهي 

زر الذهاب إلى الأعلى