ثقافة

روج آفا قصصُ آثارٍ وحضارات

تُعتبر الآثار من الثروات القوميّة الخاصّة بمختلف الدول، حيث تعمل الآثار على حفظ هوية الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، وإبرازاً لنمطهم المعيشي، فالحضارات البائدة ما هي إلا لبناتٌ في خط التاريخ الطويل، وبالتالي فالإنسان بحاجة إلى تعلم الطريقة التي كان أسلافه يعيشون بها.

 إنّ اكتشاف الآثارات ليس بالعمل السهل، بل هو عمل شاق مضنٍ، حيث تتضافر جهود عدّة جهات من أجل التنقيب عن المواقع الأثريّة، وإبراز هذه الهويّة الحضاريّة الرائعة، وروج آفا تتميز بأنها من المناطق الغنية بالآثار والأوابد التي تروي لنا قصص حضارات استقرت فيها, بعضها يعود تاريخه إلى بداية نشوء الحضارة, وبدورها ستقوم جريدة الاتحاد الديمقراطي بإلقاء ما تمكن من الضوء على هذا التاريخ العريق لروج آفا، وما تعاقبت عليها من حضارات، وتقوم بعرض بعض المناطق وهي:

تل حلف

أوضحت المكتشفات الأثرية في تل حلف أن الإنسان استقر في تلك المنطقة, في الألف الخامس قبل الميلاد, حيث تم العثور على عظام وأسلحة وأدوات صيد, في أقدم طبقات التل, وتبين أن المنطقة كانت عبارة عن قرى صغيرة, سكنتها أمم كانت تمر بمرحلة الانتقال من حياة الصيد إلى حياة الاستقرار والزراعة, ومن أبرز المكتشفات فيه, القصر الذي كان يحتوي على نقوش ومنحوتات تعود إلى الملك الآرامي ( كابار بن قاديانو ), ويتألف من قاعة مستطيلة أولى, تليها قاعة مستطيلة ثانية, هي قاعة العرش, أمامها باحة مكشوفة مُسَوَّرة, لها مدخلٌ ضخم, يليه درج كبير من الحجر المنحوت, والمدخل مزين بمنحوتات حجرية ضخمة, ونقوش بارزة, تصور جنوداً واقفين في وضع مبارزة وصيد حيوانات, ومخلوقات متمازجة كالإنسان العقرب, والإنسان السمكة, والرجال الثيران, والأسود المجنحة, وإنسان برأس أسد, وتصور النقوش مشاهد الحرب والصيد, وصراع الوحوش وبعض الكائنات الخرافية, كما تضم مشاهد دينية, ومشاهد قرابين, ووجد مدفن ملكي يحتوي على العديد من الأواني والتحف.

 تل شاغر بازار

تم العثورُ فيه على أجزاء من مبنى حكومي, بني من اللبن, يعود للألف الثاني قبل الميلاد, ومجموعة من الأبنية السكنية, عثر بداخلها على مجموعة المدافن, تفصل بينها شوارع, وقنوات لتصريف المياه, ويبلغ طول أحد الشوارع 35 متراً, وعرضه متر واحد, مرصوف بالحجارة والكسر الفخارية, وتتوضع على طرفيه مجموعة من الأبنية, تعود للألف الثاني قبل الميلاد, كما وتم العثور على أرقام مسمارية تعود إلى الفترة البابلية القديمة 18 قبل الميلاد, تتحدث عن العلاقات الاقتصادية, وأسماء الولادات والوفيات في تلك الفترة, وذكر فيها اسم الملك الآشوري ( شمشي حدد ) الأول الذي حكم في القرن 18 قبل الميلاد.

وعثر أيضاً على طبعات للأختام عند مدخل المبنى الحكومي, الذي اكتشف جزء منه, ويعود للفترة البابلية.

ووجدت فيه 96 رقيماً مسمارياً, تتحدث عن إنتاج وتوزيع البيرة, تعود إلى الفترة البابلية القديمة, وأواني وكؤوس فخارية, وأدوات برونزية ودمى وخرز, وأدوات بازلتية تعود إلى الألفين قبل الميلاد, ورقم تتحدث عن طحن الحبوب وصناعة الخبز, وتعلم الكتابة, ودمية طينية للربة عشتار.

يقع تل شاغر بازار بين الحسكة وعامودا, وعلى مسافة 48 كيلو متر من عامودا.

تل موزان

تم العثور فيه على آثار مدينة (أوركيش) القديمة, عاصمة الحوريين, والتي ازدهرت في الألف الثالث قبل الميلاد, وظهر جزء من قصر يعود إلى الربع الرابع من الألف الثالث قبل الميلاد, وكان هذا التل يتمتع بأهمية كبيرة, كبوابة رئيسية لتجارة المعادن في تاريخ المنطقة القديم, وذلك من خلال العثور على كمية هائلة من طبعات الأختام, التي نُقِشَتْ عليها صور الملك (توبكيش) والملكة ( أكينتوم ) بنت الملك (نارام سين ) الملك الآكادي العظيم, وأدوات البرونز المكتشفة, وأيضاً اكتشف فيه معبد الأسد, الذي يتصل بالقصر عن طريق باحة واسعة, وبينت الأختام المكتشفة تفاصيل مهمة عن تاريخ أوركيش, ونوع العلاقات الاجتماعية بين العائلة الملكية وكافة مجالات الحياة, وأهمية دور المرأة وتعاونها مع النواب العاملين في المتابعة والإنتاج, وتدل على مستوى عال من التنظيم الإداري للمدينة, وأهمية دور المعبد والقصر, والمواضيع المتعلقة بالميثيولوجية  الهورية, الإله والرموز, وبينت الرسومات والرموز على تلك الأختام نوعية الهدايا التي كانت تقدم للملك وزوجته.

وتدرس الإدارة الذاتية في مدينة عامودا, إعادة ترميم الموقع بالتعاون مع اليونسكو.

ويقع التل بالقرب من مدينة عامودا, على بعد 20 كيلو متر من قامشلو.

تل عربيد

اكتُشف فيه مدفن ملكي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد, تم العثور فيه على هيكل عظمي لامرأة, يرجح أن تكون أميرة, إذ وجد بقرب الهيكل, أكثر من360 قطعة أثرية ذهبية, وثلاثة عقود, ومختلف الأحجار الكريمة, وختمين اسطوانيين مغلفين بالذهب, واكتشفت منشأة ضخمة مبنية من اللبن, عثر فيها على 300 طبعة, ومجموعة نادرة من الأواني الصغيرة, وأشكال من أثاث المنازل, ودمى بأشكال إنسانية, ويقع تل عربيد على بعد30 كيلومتراً من قامشلو.

 تل بري

عُثِرَ في التل على مكتشفات هامة, منها طبعات أثرية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد, حتى الفترة الرومانية, إضافةً إلى جرار فخارية تعود إلى العصر البارتي, وقلادة من الصدف, وحجارة بازلتية لاستخدامات الطحن, وختم اسطواني, وبلاطات مصنوعة من حجر المرمر تعود إلى العصر الآشوري الحديث, وخواتم برونزية ورُقُم مسمارية تعود إلى العصر الآشوري الوسيط والحديث, وأجزاء من دواليب وأواني فخارية, تعود إلى العصر الآكادي.

وتم الكشف عن سويات حضارية, احتوت على أجزاء من أبنية مبنية من اللبن والحجارة واللبن المشوي, وأرضيات مرصوفة وأقنية لتصريف المياه, وقبور وتنانير تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد, وإلى الفترة الساسانية, وتم العثور أيضاً على لقى أثرية على شكل دمى حيوانات, ودواليب لعربة مصنوعة من الطين, وعظمة عليها زخرفة, وجزء من ختم, وخرز متنوع ودبوس من البرونز, تعود إلى العصر الآكادي, وعُثِرَ على كتلة مسطحة من حجر البازلت, نُقِشَتْ على سطحها كتابات مسمارية من العصر الآشوري الحديث, وتمثال على شكل رجل عاري من الحجر الرخامي الأبيض, وأسرجة فخارية وأواني فخارية ومسامير ورحى ومدقات بازلتية وخرز.

 تل براك

يقع هذا التل على بعد 42 كيلو متر من مدينة الحسكة, يعود تاريخ هذا التل إلى عصر أوروك,  كان مقراً لـ ( نارام سين ) حفيد سرغون الآكادي, وملك آكادي عظيم, وكان المقر قوي التحصين منيعاً, عثر فيه على بناء مدرج, ومعبد يحتوي على تماثيل حيوانات وأقنعة بشرية وعيون أصنام, حتى أنه سمي بمعبد العيون, يعود للفترة 3500 – 3300 قبل الميلاد.

كما وعثر في المعبد على مئات التماثيل, وآلاف من الكسر الحجرية والرخامية, تمثل أشخاصاً لم يعرض منها إلا الكتفان والرقبة, والعينان البارزتان جداً, مما يدل على استخدام سحر الإصابة بالعين, فهي عبارة عن تمائم تحمي من الشر والعدو, أو تعاويذ قدمها السكان للمعبد تعبيراً عن تفانيهم, لصد العدوان المحتمل على المدينة, واكتشف فيه قصر ضخم, يعد من أهم الأبنية المؤرخة 2400 قبل الميلاد, تصل سماكة جدرانه إلى 10 أمتار, يرجح أنه كان موقعاً عسكرياً.

وبعدها تحول تل براك إلى مركز ديني للحوريين, وموطن للآلهة التي كانت تسمى, السيدة (ناغار ).

تل حموكار

أقدم مدينة في التاريخ, عمرها 7 آلاف سنة, اكتُشِفَ فيها أول نظام للتكييف الهوائي في التاريخ, تقع على الحدود السورية العراقية, بالقرب من جبل سنجار ( شنكال ).

اكتشفت فيها مدينة أثرية مهمة, يعود تاريخها إلى الألف الخامس قبل الميلاد.

وتعتبر أقدم من أي مدينة أثرية أخرى مكتشفة في العالم ب 2500سنة.

تقدر مساحتها ب200 هكتار, على شكل مربع وسط السهول المحصورة بين جبل سنجار في الجنوب وسلسلتي جبال طوروس و زغروس في الشمال والشمال الشرقي, وتبعد عن نهر دجلة باتجاه الجنوب الغربي مسافة 50 كيلو متر, وعن مدينة القامشلي حوالي 60 كيلو متر.

أراضي تل (حموكار) من أخصب الأراضي الزراعية, وكانت تروى من عدة أنهار من الشمال والجنوب, وأخرى من جبل سنجار, وتلتقي جميعها لتتشكل بحيرة, كانت تخضع مياهها لعملية تنظيم معينة لري السهول الزراعية الواسعة الخصبة, ومعنى ( حموكار ) باللغة السومرية القديمة يعني ( مكان العمل ), وبالكردية تلفظ هموكار, والمعنى واضح.

ويعتقد أن هذه المدينة كانت موطناً لحوالي 25 ألف نسمة, وقد عثر فيها على لقى أثرية هامة تدل على تطور الفن التشكيلي والنحت والزخرفة فيها, واكتشف فيها أول نظام للتكييف الهوائي في التاريخ, ويتمثل في وجود مقرات في جدران ثنائية متوازية, تفصل بينها مسافة من الفراغ لا تتجاوز 15 سنتيمتر, تسمح بتدفق الهواء المكيف النقي, لمقاومة حر الصيف.

ويُعْتِقَدُ أن السكن في هذه المدينة الأثرية استمر منذ الألف الخامس قبل الميلاد, وحتى العصر الإسلامي المبكر.

ففي الألف الرابعة قبل الميلاد, هاجرت مجموعات بشرية من جنوب بلاد الرافدين, إلى سوريا, وأسسوا فيها مستعمرات سكنية, وأدى الاحتكاك بسكان المنطقة الأصليين إلى تطور في نظام العمران, وتطور في مبدأ الملكية ونظام الدولة, وأظهرت التنقيبات الأثرية في حموكار, تطور نظام اجتماعي محلي قبل الاحتكاك بجماعات بلاد الرافدين, التي هاجرت إلى سوريا.

ومن خلال المكتشفات الأثرية في حموكار, تبين أن فكرة نشوء الحضارة وتطورها, بدأت في حموكار وانتقلت جنوباً إلى بلاد الرافدين.

تم الكشف عن أبنية من اللبن ملينة بالفخار والرماد, تعود إلى منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد, أي العصر الحجري- النحاسي, ووجد فيها أربعة أو خمسة أفران, كانت مقببة, وكانت تستخدم للطهو والخبز, وطبخ اللحوم, وذلك لوجود كمية كبيرة من العظام الحيوانية, بالإضافة إلى مواد نباتية متفحمة, كالحبوب وغيرها. واكتشفت كسر فخارية يعتقد أنها قطع لأواني كبيرة الحجم, كانت تستخدم في الطهو وتحضير الطعام, ويدل حجمها على أنها كانت تستعمل لتحضير طعام جماعي لخدمة تتجاوز أفراد الأسرة, وهذا يكشف عن إدارة حكومية بشكل ما.

واكتشف امتداد للبناء خارج السور, يؤكد تطوراً عمرانياً انطلق من هذه المنطقة ولم يأت إليها من الخارج.

ودلت المكتشفات أن مساحة حموكار كانت 13 هكتار, ثم توسعت إلى 102 هكتار, ومن خلال الفخار المكتشف الذي يشبه طاسات وأشكال معروفة في جنوب العراق, تبين أنها تعود إلى فترة أوروك, وهذا يؤكد وجود علاقات مع جنوب بلاد الرافدين.

آخر فترة تم السكن في حموكار, كانت حوالي 700 ميلادي أي في المرحلة الإسلامية الأموية.

اكتشفت بعض المنازل المكونة من اللبن, وبجوارها جدار ضخم, عرضه لا يقل عن4 أمتار, وارتفاعه 4 أمتار, يعتقد أنه كان سوراً للمدينة, والفخار يعود إلى العصر الحجري النحاسي, وبعضها يعود إلى عصر أوروك.

ووجدت أفران ضخمة يصل قطرها إلى مترين, وكذلك قبر لطفل صغير معه تماثيل صغيرة من العظم, عُرِفَتْ بتماثيل العيون, بسبب وجود عيون كبيرة فيها, وتشير هذه التماثيل إلى آلهة أو أشخاص.

ووجدت أختام من العظم منحوتة على أشكال حيوانات, وقاعدة الختم محفورة بخطوط أو صور تشكيلية, وأكبر الأختام كان على شكل نمر منقط, نقطه مصنوعة من أسافين صغيرة محفورة ومنزلة على جسده, أما الوجه الأسفل فكان يضم صفاً من الحيوانات ذات القرون, والأختام الأخرى كانت على شكل أسود ودببة و ماعز وكلاب ووعول وأرانب وأسماك وطيور, ويبدو أن الأختام الكبيرة كانت لشخصيات مهمة مثل المدراء والمسؤولين, والصغيرة تخص عامة الشعب, وهذا يدل على تنظيم إداري دقيق ومدهش.

واكتشفت زاوية لبناء يعود للعصر الآكادي, وتحتوي على باب يدل نمطه على أنه ذو طابع عام, أو ربما معبد, ووجدت فيه كسر فخارية تعود إلى الفترة الآكادية.

تبين من نتائج الحفريات أن هذه المدينة تأسست وتطورت عبر التاريخ, سكنتها ممالك سحيقة في القدم, سبقت بروز حضارة (أوروك ), وقدومها من بلاد الرافدين, وحموكار أثبتت ذلك.

هذه بعض المناطق الأثرية التي تم اكتشافها في روج آفا, طبعاً ماتزال هناك المئات من المناطق الأثرية التي لم نتطرق إليها.

روج آفا كانت موطناً لحضارات متطورة, وسحيقة, وأجدادنا الكرد كانوا من هذه الحضارات, وهم سكان المنطقة الأصليين, وليس كما يروج بعض الحاقدين على الكرد, بأنهم مهاجرون, أتوا من مناطق أخرى, واستقروا في هذه الأرض, فكما أقام فيها أجدادنا ممالك وحضارات قوية, سنكمل نحن مهمتهم, ونبني مجتمعنا الديمقراطي العادل القوي, لكي نكون مثالاً للديمقراطية والعدالة والمساواة بين الشعوب.

إعداد: عامر تحلو

زر الذهاب إلى الأعلى