مقالات

جانكيز جاندار: هل تركيا في المسار السريع إلى الفاشية؟

jankiz-jandar في مقالٍ للكاتب التركي “جانكيز جاندار” لصحيفة المونيتور ببداية شهر نوفمبر الحالي كتب فيها:

وصلني في وقت الظهيرة في يوم ٍمن بداية هذا الشهر من طالبٍ أكاديميٍ تركيٍ، شابٌ أعرفه عن كثب، بريدٌ إلكتروني مرفقاً بأوراقٍ لا تشوبها شائبة، انتهت بالملاحظة الاحترازية التالية:

” رجاءً – لا تقم بإعادة إرسال البريد الإلكتروني، انسخ والصق فحسب إن كنت ترغب في مشاركته، ولا تدرج اسمي فيه”.

سأحجب اسمه بطبيعة الحال، ولكن سوف أقوم بمشاركة معظم رسالته:

“هذا بريدٌ إلكترونيٌ تم إرساله صباح يوم الجمعة 4 نوفمبر/ تشرين الثاني أنا في اسطنبول وهي مدينةٌ يقطنها /18/ مليون نسمة، لا يمكنني الوصول إلى الفيسبوك، تويتر، الـ واتس آب، بيريسكوب أو يوتيوب – أدواتنا الأساسية للتواصل اليومي.

السبب هو الاعتقال الطويل (المتوقع) الليلة الماضية لكل من “صلاح الدين دميرتاش” و “فيغن يوكسداغ” الرئيسين المشتركين لحزب الشعوب الديمقراطي HDP (الموالي للكرد)، الذي حصل على ستة ملايين من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا، وهو ثاني أكبر حزب معارض في تركيا. وكذلك تم القبض على  تسعة نواب آخرين من الـ HDP.

هز مدينة ديار بكر صباح هذا اليوم انفجارٌ على الأرجح تم تنفيذه من قبل الـ PKK  (حزب العمال الكردستاني) ــ غير مؤكد ــ أسفر عن ثمانية قتلى وما لا يقل عن ثلاثين جريحاً، بينهم خمسة من ضباط الشرطة.

 ملاحظة المحرر: هذه الأرقام تم تحديثها من حينها إلى أثنين من ضباط الشرطة وسبعة مدنيين، مع احتمال وجود 100 جريح، حالتهم ليست خطيرة جداً.

وكان شرق تركيا قد خضع بالفعل لقطع الانترنت منذ الأسبوع الماضي حيث أودع الرئيس المشترك لبلدية ديار بكر، كبرى المدن الكردية في تركيا، السجن.

كان عليَّ هذا الصباح أن أحصل على الأخبار من التلفزيون التي تُبث الآن حصرياً تقريباً على القنوات الموالية للحكومة. خلال الأسابيع القليلة الماضية تم إيقاف العشرات من القنوات المُعارِضة وأجهزة الراديو وحتى المجلات الأدبية.

وكانت صحيفة “جمهوريت” آخر ضحية (اعتقد أنها على مستوى الجارديان أو واشنطن بوست)، واحدةً من صحف المعارضة الطويلة الأجل في البلاد، حيث يقبع الآن رئيس تحريرها وراء القضبان مع المدراء التنفيذيين. ويأتي هذا على رأس حملة تطهيرية للآلاف من الناس من الخدمة المدنية، والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص بتهمة العضوية في “الشبكات الإرهابية”. ويكاد يشمل تعريف ذلك الآن كل من يعارض الحكومة / الدولة. بل يشمل ألمانيا التي تم الإعلان بالأمس عن حكومتها كداعمة للإرهاب. على مدى ما يقرب من عشرة أسابيع، كنت جزءاً من مبادرة تضامنية من أجل “أسلي أردوغان” أحد أشهر الروائيين في تركيا. كانت في السجن منذ 19 أغسطس / آب بسبب دورها الاستشاري “لأوزغور غونديم”، الصحيفة المؤيدة للكرد. رغم أن المستشارين لا يتحملون أي مسؤولية بموجب القانون. ولم تُعرض حتى الآن على أي قاضٍ.

تركيا تتحول بسرعة مما يسمى “نموذج الديمقراطية” إلى دولة الجماعات الإسلامية- التركية الفاشية التي تعود إلى الأساليب الوحشية التي مارستها طوال تاريخها تجاه الحرية والمعارضة.

 في اللحظة الراهنة نحن في حاجةٍ إلى كل الضغط الذي يمكن أن نحصل عليه من المجتمع الدولي لوقف هذا الجنون. يرجى الكتابة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وإعلام أصدقائكم ومعارفكم المؤثرين، والكتابة إلى ممثليكم، والمشاركة في مبادرات التضامن، أي شيء، سنصمد ولكن الضغوط الخارجية يمكن أن تساعد، إنها دائماً مطلوبة بالنسبة لبلدٍ مثل تركيا التي تحتاج التعاون الدولي من أجلِ الاستقرارِ واقتصادٍ فعال”.

باستثناء الفقرة الأخيرة والتي هي دعوةٌ للتضامن من المجتمع الدولي، فإن ما تبقى هو أفضل تلخيصٍ للبنود التي كنت أنوي كتابتها لللمونيتور، في إشارةٍ إلى كل التطورات الدراماتيكية. وهذه تشمل الاعتقالات التي تعرض لها الرئيسين المشتركين لبلدية ديار بكر، وهي مركزٌ سياسيٌ كرديٌ رمزيٌ في المنطقة – ليس فقط للكرد في تركيا وإنما للكرد في كل جزءٍ من الشرق الأوسط. كما أنني اعتزمت أن أدرج مداهمة الشرطة لمنازل بعض العاملين في أقدم صحيفة يومية في تركيا “جمهوريت” بمن فيهم رئيس تحريرها  و رسام الكاريكاتير، و /11/ من كتاب الأعمدة البارزين، في ظل اتهاماتٍ لا مبرر لها.

وُضعوا جميعهم رهن الاعتقال، وحُرِموا من الاتصال بالمحامين لمدة أربعة أيام، وكان من بينهم اثنان تجاوزا السبعين من العمر، وكذلك “قدري غورسيل” الزميل وكاتب العمود في المونيتور الذي يشغل أيضاً منصب ممثل تركيا في المعهد الدولي للصحافة في تركيا.

 كِلاْ التطورين الذي شمل الكرد، والآخر الذي شمل صحيفة “جمهوريت” التي تُعْتَبَرُ معقلاً للفكر العلماني في تركيا – يشكلانِ نقطةَ تحولٍ للبلاد، ولربما سيكون لهما تأثيراً في المشهد الجيوسياسي الأوسع.

في الساعات الأولى من صباح الجمعة، بينما كنت أستعد لكتابة هذا العمود للـ المونيتور، وردت أنباءٌ عن احتجاز /12/ نائباً من الـ HDP، من بينهم الرئيسين المشتركين، نجما السياسة التركية الشعبيان الصاعدان “دميرتاش و يوكسكداغ”.

أثناء كتابة هذا العمود تم الإفراج عن عددٍ قليلٍ من المعتقلين، ولكن البعض استمروا في الحجز، ومن ضمنهم الرئيسين المشتركين لثالث أقوى حزب في تركيا وممثل في البرلمان.

 منذ فشل انقلاب 15 يوليو/تموز، تراودني دائماً وأنا أكتب للـ المونيتور فكرة غير مريحة، بأن ما اكتبه قد يصبح قديماً في الوقت الذي سينشر فيه، سواءً من حيث الرؤية أو المضمون، نظراً لسرعة التطورات العنيفة التي تجري.

وهذا هو بالضبط ما حدث خلال أسبوعٍ واحد.

قبل أسبوع وفي أربيل عاصمة إقليم كردستان في العراق، كنتُ اتناول طعام الإفطار مع “عثمان بايدمير” نائب من الـHDP، والمعروف أكثر برئيس بلدية ديار بكر السابق. رن هاتفهُ الخلوي، على الطرف الآخر كان “فرات انلي” خليفته كرئيسٍ مشتركٍ لبلدية ديار بكر. مرر “بيدمير” لي الهاتف فأخبرني “انلي” بأنه كان عليه أيضاً أن يذهب إلى أربيل، ولكن بمقتضى القانون الذي تفرضه حالة  الطوارىء في الدولة التركية، فإن رؤساء البلديات الذين يرغبون في مغادرة البلاد يحتاجون إلى موافقة وزارة الداخلية. وكان قد قام بإلغاء الزيارة بسبب الروتين والبيروقراطية.

في تلك الليلة بالذات سمعنا أنه قد تعرض للاعتقال جنباً إلى جنب مع رئيس البلدية المشترك الآخر، “غولتان كيزاناك” وألقي القبض عليهما كليهما بعد 48 ساعة.

كان “بيدمير” وهو مثلي أحد أعضاء الفريق في منتدى معهد أبحاث الشرق الأوسط في أربيل، كان في عجلةٍ من أمره للعودة إلى ديار بكر، وقال ونحن نجلس مرةً أخرى إلى مائدة الإفطار مع تعبيرٍ صارمٍ على وجهه:” ربما سيكون من قبيل المبالغة أن نجري التشبيه التالي، ولكن هذا الأمر(اعتقال رؤساء بلديات ديار بكر) سيكون أشبه جداً إلى قيام حكومة بغداد باحتجاز “نيجيرفان بارزاني” رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان هنا في أربيل”.

بعد ساعة وقبل أن يستقل السيارة التي ستعود به إلى ديار بكر في رحلةٍ تستغرقُ خمسَ ساعات، عانقني ليودعني وهمس لي قائلاً:” ربما في المرة القادمة التي سنلتقي فيها يكون قد تم الافراج عني!”.

ومنذ ذلك الحين والقمع قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة، شاملاً الكرد وآخر منفذٍ تبقى لوسائل إعلام المعارضة العلمانية ألا وهي صحيفة “جمهوريت”.

بدأ الزعماء الأوروبيون وعلى رأسهم الرئيس الألماني “يواخيم غاوك” الذي يملك سجلاً مشرقاً جداً في مجال حقوق الإنسان ــ بالتعبير عن قلقهم حول التطورات الأخيرة في تركيا.

وهبط الدولار واليورو إلى مستويات قياسية مقابل الليرة التركية.

لقد تلقيت مكالمة هاتفية من لندن من خبيرٍ ماليٍ تركي كان قد شغل مناصب رفيعة في بنك جولدمان ساكس. وقد أشار إلى ازدياد تقلبات الأسواق المالية التركية بسبب الإجراءات القمعية، وخاصة الحملة على أعضاء البرلمان من حزب HDP المؤيد للكرد.

 “هل تتفق معي بأن تركيا على وشك أن تصبح سوريا الثانية؟”

يبدو أنني منذ فترة طويلة قد صنعت صيتاً لرنين أجراس الإنذار عن” (سورينة) تركيا “. وعلى الرغم من ذلك امتنع عن الموافقة علناً على مثل هذا التوصيف بدلاً من ذلك أجبته:

 ” وفقا لما حدث في الأسبوع الماضي وخلال الـ 24 ساعة الماضية، فإن تركيا تسير بخطى ثابتة على طريق الفاشية!”.

التطورات الأخيرة بالنسبة للكثيرين في تركيا، هي مثيرةٌ لدرجةٍ قد تصل إلى حدِّ تغييرِ النظام.

ما تفترضه التطورات ضمناً من ناحيةٍ أخرى في أعقاب الانقلاب الفاشل، هو شيءٌ لا أهميةَ له، وكأنه أمرٌ طبيعيٌ ومتوقعٌ كما الديمقراطية – ولكن العكسُ صحيحٌ تماماً.

Cengiz Çandar

 Al-Monitor
November 4, 2016

زر الذهاب إلى الأعلى