مقالات

جارتي سارة لم تهدد أمنك القومي

قبل شروعي في كتابة هذه المقالة بدقائق كنت كما العادة أتصفح المواقع الإخبارية للاطلاع على المستجدات التي طرأت على الوضع في سوريا وشمالها تحديداً، لا سيما بعد تعرض هذه المنطقة لهجمات مدمرة شنتها الجارة تركيا، وإذا بتصريح لرئيسها يظهر أمامي، كانت المدة (منذ 7 دقائق)، في تصريحه هذا أعلن الرئيس التركي اعتقال أفراد من عائلة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي، وكان مسؤول تركي أعلن قبل أيام قليلة عن اعتقال شقيقة البغدادي وآخرين في مدينة إعزاز المحتلة تركياً.

إعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هذا، أثار تساؤلاً لدي، تركيا هي ثانية دولة في حلف الناتو هل يعقل أنها تعاني خللاً في جهاز استخباراتها؟ وهل يعقل أنها لم تكن على دراية بوجود أفراد من عائلة البغدادي في مكان سيطرتها وهي التي تدعي أنها تحارب الإرهاب؟ منذ سنة اعتقلت تركيا –حسبما ادعى رئيسها اليوم- أفراداً أخرين من عائلة البغدادي، لماذا لم تعلن عن ذلك وقتها؟ هل هي الآن تحفظ ماء وجهها بعدما قتل البغدادي على بعد (5)كم من حدودها بعملية مشتركة بين قسد أمريكا؟ أم أنها تحجب الضوء عن إنجاز قوات سوريا الديمقراطية التاريخي في القضاء على الزعيم الداعشي؟

لا سيما وأن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي كان السبّاق في الإعلان عن مقتل البغدادي في ساعات الصباح الأولى من يوم السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عبر تغريدة على موقع تويتر قال فيها: “في عملية تاريخية ناجحة نتيجة عمل استخباراتي مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية”، ولم تدرى تركيا إلا في وقت قصير قبل بدء العملية وهو ذات الوقت الذي أُعلمت فيه روسيا (خصم أمريكا).

تركيا عندما تعلن عن اعتقال عشرة أفراد من عائلة البغدادي فأنها تحاول تدارك ورطة وجوده بالقرب من حدودها، وتحجب الضوء عن جهود قوات سوريا الديمقراطية في القضاء على داعش وزعيمها وقادة آخرين بارزين، كما أنها تشغل الرأي العام العالمي عما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية في الشمال السوري، إلا أن الأمر لا يدين إلا تركيا، ويضع برسمها الإجابة عن السؤال، لما عائلة البغدادي موجودة في مكان سيطرتها خصوصاً بعد قضاء قسد على آخر معاقل داعش في آذار الماضي؟ وماذا كان يفعل البغدادي وأبو حسن المهاجر في إدلب وجرابلس؟

جارتنا تركيا التي لم تحارب داعش قط بل كانت الداعمة للإرهاب بالدرجة الأولى، ففي عام (2014) وثّقت الكاميرات من كوباني فتحها معبر (مرشد بينار الذي يربط كوباني بتركيا) أمام داعش للدخول إلى المدينة، والرئيس اردوغان خرج في أحرج الأوقات من معركة كوباني معلناً عن سقوطها قائلاً: “كوباني كادت أن تسقط، كوباني سقطت” مشيراً بخطابه إلى العلاقة المتينة التي تربطه بالتنظيم الإرهابي داعش. هذا فضلاً عن اعترافات معتقلي داعش لمختلف وكالات الصحافة العالمية والمحلية بأن تركيا هي مَن سهّلت أمورهم للدخول إلى الأراضي السورية والانضمام إلى داعش، ولو لم يكن الأمر صحيحاً لما استطاع الدواعش العبور إلى سوريا من دولة مثل تركيا متشددة في العناية بأمنها القومي، وقد استخدمته ذريعة في الهجوم على الشمال السوري الذي تديره الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتحميه قوات سوريا الديمقراطية التي هزمت إرهاب داعش وأنهت حكمه على الأرض وتعتقل حالياً الآلاف من عناصره المتشددين. كما أن تركيا لم توفر جهداً -خلال هجومها الذي بدأته الشهر الماضي على شمال سوريا- في قصف سجن جركين بمدينة قامشلو والمعروف باحتوائه على العناصر الأكثر تشدداً وتعصباً للفكر الداعشي المتطرف، في محاولة منها مساعدة هؤلاء على الهرب.

الجارة تركيا وبحجة أمنها القومي الذي لم تهدده قط جارتي سارة الطفلة التي تبلغ من العمر (9) سنوات قصفت أحياء آهلة بالسكان منها حي قدوربك الذي أتشاركه مع سارة والمئات من العوائل، فقدت هذه الطفلة رجلها وأخاها معاً أثناء لعبهما أمام الدار، سارة لم ترمي الحدود التركية بحجرة حتى يرميها بقذيفة مدفعية تفقدها عافيتها وشقيقاً لن يتكرر، وكذلك الطفل محمد حميد (13) عاماً لم يرش حتى عطراً على تركيا التي بادلته بالفسفور الذي أحرق جسده، وجعلته يتهاوى ألماً بصرخات تدمي القلب.

هكذا جارتي سارة لم تهدد أمنك القومي، ولا محمد الكردي يا سيد اردوغان

زر الذهاب إلى الأعلى