مقالات

ثلاثي أستانا… تنافرٌ في المصالح وتوافقٌ على تمويل الإرهاب

ياسر خلف

ما يمكن ملاحظته في الآونة الاخيرة من الأزمة السورية هو تنافر وتضارب مصالح الثلاثي الضامن لأستانا وتوافقهم على تمويل الارهاب وتوجيهه لضرب مناطق الإدارة الذاتية في روج آفا وشمال شرق سوريا، وهو ما يتبين بوضوح من العمليات الارهابية التي ضربت مؤخراً مدن ونواحي شمال وشرق سوريا حيث كان الهدف منها إحداث شرخ في البنية المجتمعية في مناطق الادارة الذاتية وخلق بيئة مساعدة لتنفيذ مخططات الثلاثي الضامن للاستانا وخاصة دولة الاحتلال التركي ونظام البعث وايران، وذلك من خلال استهداف أمن واستقرار المناطق المحررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، وهذا ما تم القيام به بالفعل من قبل الخلايا الارهابية النائمة التابعة لاستخبارات الاحتلال التركي ونظام الأسد على حد سواء؛ فمن خلال متابعة الاعترافات الموثقة لهذه الخلايا التي تم كشفها والقبض عليها مؤخراً من قبل قوى الأمن التابعة للإدارة الذاتية تبين أنها تعمل لصالح الاستخبارات التركية والنظام والمفارقة التي يمكن ملاحظتها إن هذه الخلايا جميعها عناصر إرهابية تابعة لداعش،  ومن الملفت أيضاً  أن جميع عناصر هذه الخلايا يعملون مع بعضهم بتوافق وانسجام وكذلك الجهات الاستخباراتية التي تُشرف على كيفية العمل على وضعهم المادي والنفسي وسبل وأساليب تمويلهم ودعمهم وتوجيههم؛ ففي سياق الاستماع للاعترافات المصورة لهذه الخلايا أثناء التحقيق تبين بأن هذه الخلايا تتلقى الأوامر من الاستخبارات التركية والنظام السوري ومرتزقة داعش، وأن الأطراف الثلاثة تعمل على نسف أمن واستقرار المنطقة وتسعى إلى تدمير مشروع الإدارة الذاتية.

وفي سياق ذات صلة يمكن أيضاً ملاحظة الحملة الإعلامية المرافقة لهذه العمليات الإرهابية حيث تعمل دوائر الحرب الخاصة (وكالة الأناضول التركية, والجزيرة القطرية , والإعلام الروسي ,وقنوات النظام وإيران بالإضافة إلى بعض قنوات المرتزقة ) حيث جميعها تناولت أخبار وفيديوهات مفبركة الهدف منها النيل من سمعة ومصداقية قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وإحداث فتنة بين مكونات الإدارة الذاتية وخاصة أن هذه الجهات كانت قد اتفقت في مؤتمر أستانا الأخير على مواجهة المشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا رغم تنافر مصالحها حيث تبين من خلال التسريبات التي حدثت في الاجتماع بين الثلاثي الضامن في أستانا أن يتم التمهيد لقيام الاحتلال التركي بضرب قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب في شمال وشرق سوريا مقابل دخول النظام لإدلب ومناطق من شمال وشرق سوريا والواقعة شمال الحسكة من الدرباسية الى ديرك وأن تحتل تركيا كل من المنطقة الممتدة من سري كانيا الى تل أبيض (كري سبي )  وبين منبج وكوباني  بحيث يتم توطين عشرات الآلاف من النازحين من مناطق مختلفة من سوريا  في هذه المناطق وهذا المخطط الجديد القديم ليس بمفاجئ وإنما هو تماماً ما تضمنتها مخططات محمد طلب هلال واتفاقية أضنة بين النظام البعثي والاحتلال التركي وذلك عبر صفقات قذرة بين روسيا وتركيا والاختلاف فقط هو في أدوات التنفيذ وذلك تماماً كما يحدث في عفرين وبقية المدن التي تحتلها تركيا حيث مخطط التغيير الديمغرافي والجغرافي قائم بشكل ممنهج وممول من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته.

ولكن ما يمكن تأكيده أن الرياح لم تجرِ بما تشتهيه سفن ما يسمى الثلاثي الضامن ورهطهم حيث أن المخططات الاستخباراتية تحطمت بإصرار قوى ومكونات روج آفا وشمال شرق سوريا على التصدي ومقاومة هذه الصفقات والمخططات الدنيئة وإفشالها حيث تم دحر الإرهاب في آخر معاقله وكذلك اُلقي القبض على العديد من الخلايا النائمة التابعة لداعش واستخبارات الثلاثي الضامن كما أن التحالف الدولي و أمريكا تدركان جيداً منذ عدة أشهر وخاصة بعد أستانا 11 كل المخططات الروسية في سوريا وعملت جاهدة لإفشالها فيما يبدو أن تركيا لم تدرك بعد أن الروس قد اوقعوها في فخ المصالح ومستنقع الصفقات والمصالحات التي أصبحت فيها تركيا منبوذة من جميع القوى الدولية والاقليمية وباتت تبحث عن ورقة النجاة الأخيرة التي تحفظ ماء وجهها وخاصة بعد سيطرة النظام على كامل الريف الشمالي لحماة وخان شيخون ومحاصرة نقاط المراقبة التركية وتوجهها باتجاه معرة النعمان وسراقب ليتم تضيق الخناق على مجاميع أردوغان الارهابية وتقليص مناطق سيطرتها وهو ما يوَضِّح بأن المصلحة الروسية من تركيا بدأت تتناقص خاصة بعد الاتفاق الأمريكي التركي على إنشاء آلية أمنية تحمي الحدود في شمال شرق سوريا وهذا واضح من تصريحات مسؤوليها العسكريين والسياسيين بأن تركيا لا تُنفِّذ الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين بحذافيرها والتي جرى الاتفاق عليها في اجتماع استانا 13 والتي فيها وافقت روسيا على الطلب التركي بالهجوم على المناطق الآمنة في شمال شرق سوريا مقابل تخفيف الدعم عن المجاميع الارهابية في مناطق إدلب

كما أن أمريكا والتحالف الدولي أدركوا خطورة الموقف بأن تركيا لو هجمت فهي تملك الموافقة الروسية الايرانية ومعهم النظام المتهالك وكانوا جميعا سيقول بأن الاجتياح تم تحت بنود اتفاقية أضنة وهي ليست اعتداء أو احتلالاً, لهذا استبقت الولايات المتحدة في إجبار تركيا على عقد اتفاق فضفاض دون مضامين محددة كل ما فيها مؤجل لحين تشكيل اللجنة المشتركة بين البلدين وبذلك أفشلت المخطط الروسي الإيراني الأسدي ولو مرحلياً، وما التنديدات التي صدرت من النظام وروسيا إلّا تنديد بعدم التزام تركيا بوعودها في أستانا 13 بخصوص شمال شرقي سوريا، وهو ما اتضح من المكالمة الأخيرة بين بوتن وأروغان.

يبدو أن اردوغان لم يعد بمقدوره الابتعاد عن المحور الروسي الايراني على الرغم من وضوح ملامح الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، وهي الحد من النفوذ الروسي والايراني والتي يترتب على تركيا الحليفة في الناتو العودة إلى الحظيرة الأمريكية وهذا ما لا يمكن تحقيقه في ظل حكومة مهمتها تصعيد التوترات المذهبية والطائفية والدينية في المنطقة لأن مهمة أردوغان الأساسية هي خداع الرأي العام الاسلامي السني وإعادة أوهام الخلافة الإسلامية في أذهانه.

يبدو أن أردوغان مقبلٌ على المزيد من التنازلات للروس في الفترة القادمة كما في اللقاء الذي جرى بينه وبين بوتين الذي تدل الوقائع والمعطيات على أن أردوغان قد يكون تنازلَ عن كامل إدلب مقابل صفقات قذرة مفضوحة النوايا والأهداف دون أدنى اكتراث لدماء الشعب السوري الذي بات ضحية للإرهاب الممول وتوافق وتنافر مصالح النظم الدكتاتورية لكل من تركيا وإيران ونظام البعث.

زر الذهاب إلى الأعلى