مقالات

تشاؤم يشوبه بعض التفاؤل

تعاني الحركات السياسية الكردية أزمات مريرة، تمتد آثارها لتشمل عموم الشعب الكردي، وما نشأ من انقسام سياسي عميق فيما بين هذه الحركات تحوَّل إلى انقسام مادي ملموس وتعمق ليكرس انقساماً خطيراً بين الأطراف المختلفة؛ ولتدخل في خدمة أعداء الكرد الذين يحاولون بدورهم تكريسه ليتخلصوا من تأثير العنصر الديمغرافي الكردي وليمنعوا أي إمكانية لقيام أي كيان كردي مستقل.

وكان من المنتظر أن يكون الاتفاق على إقامة مؤتمر وطني سبيلاً لتفعيل التقارب بين الأطراف الكردية وتحرير القرار السياسي من القيود المفروضة عليه ولكن للأسف ورغم تكرار محاولات عقد هذا المؤتمر؛ يبدو أن التوافق يغيب عن المشهد  رغم إدراك الجميع أن انعقاده يمكن أن يستخدم كوسيلة وكأداة فعالة للتمثيل الكردي الموحد في المحافل الدولية.

لا يبدو أن هناك سبيلاً لإنهاء الانقسام القائم ولو كان ذلك ممكناً لرأينا مجلساً وطنياً موحداً يضم جميع القوى دون استثناء.

كما لا يبدو أن مصير أي محاولة جديدة لخوض جولة جديدة نحو انعقاد المؤتمر الوطني الكردستاني لن يختلف عن مصير سابقاتها، كما لا يجوز مواصلة حرمان الشعب الكردي وخصوصاً أجياله الشابة من حقها في اختيار الحل الأنسب الذي يعلق عليه آماله.

هناك إجماع على أن استمرار الانقسام الكردي وضعف التمثيل الكردي يسببان نزيفاً متواصلاً يُضعِفُ قدرات الكردستانيين وهم يواجهون أخطر مرحلة في تاريخ قضيتهم؛ تتعاظم خلالها المؤامرات بشكل غير مسبوق لتصفية حقوق الشعب الكردي وقضيته والالتفاف على حقه في تمثيل نفسه.

ولا يمكن الخروج من هذا الوضع المأساوي الخطير إلا بالاستعداد لقبول مبدأين من قِبَل كل الأطراف والقوى السياسية “الشراكة”، و”القبول بحكم الشعب”.

وإذا تم قبول هذين المبدأين؛ فهما السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة السياسية وخلق وحدة قوية وراسخة وتمثيل قادر على مواجهة المخاطر التي تواجه شعبنا الكردي. ربما يتذرع البعض بأن الظروف غير مهيأة ولا تسمح بانعقاد مؤتمر وطني كردستاني شامل، هنا يكفي أن ننظر إلى أساليب أعدائنا لنكتشف أن أحد أسباب قوتهم أنهم لم يختلفوا فيما بينهم مهما كانت خلافاتهم كبيرة فقد كانت قضية الشعب الكردي دوماً هي الوسيلة التي تجمعهم وتحل خلافاتهم السياسية.

لدينا كـ”كرد” خلافات سياسية، واستراتيجيات متعارضة؛ فلنمنح الشعب حقه في اتخاذ القرار الذي يجب أن يحترمه الجميع؛ والإقرار بتعهد معلن وواضح بأن الجميع مُلزم باحترام رأي الشعب الكردي.

وإذا كان هناك أطراف تخشى هكذا مؤتمر لخوفها ألا تحظى بأصوات تحافظ على وجودها السياسي، فهذه مشكلتها وعليها أن تعالجها بأن تحترم آراء الشعب الكردي ومصالحه.

لا حل أمام الأطراف الكردية اليوم إلا المؤتمر الوطني الكردستاني الجامع فهو الحَكَم الفاصل في الخلافات التي ألمَّت بنا، وهو السبيل الوحيد لإنهاء الانقسام الذي أضعف وألحق أفدح الأذى بمصالح شعبنا، ومن خلاله يمكننا إرسال رسالة واضحة لكل القوى التي تحاول العبث بساحتنا الداخلية، بأن الكُرد هم أصحاب القرار بشأن مستقبلهم.

زر الذهاب إلى الأعلى