مقالات

انتصار جديد للديمقراطيّة عبر أزمتَي قطر وتركيا

صلاح الدين مسلم

إنّ جماعة الاخوان المسلمين وتنظيم القاعدة ومشتقّاتها قد ساعدت كثيراً النظام العالميّ المهيمن ماليّاً وتكتيكيّاً في القضاء على المدّ السوفيتيّ وقمع الحركات الثوريّة اليساريّة ولجم الشعوب الديمقراطيّة في الشرق الأوسط وكبح جماح أيّة نهضة فكريّة شرق أوسطيّة خارج إطار المنظور الغربيّ، والآن بدأ خطر هذه التنظيمات يظهر على النظام المهيمن نفسه، وقد تورّطت دول كثيرة في هذا الخيار الوحشيّ، لكن ظلّت إسطنبول المهد الرئيس لنشوء وتنامي هذه الجماعات التكفيريّة منذ ولادتها في القرن العشرين، لكن في الآونة الأخيرة ظهرت دولة قطر التي أعجبها هذا الطريق للتحالف مع أردوغان؛ الذي يعدّ نفسه امتداداً لهذه الجماعات التكفيريّة.

إنّ أيّ زعيم عربيّ أراد أن يوصل رسالة إلى إسرائيل كان عليه زيارة قطر، ومن أراد أن يفتح علاقات مع أميركا كان عليه التودّد إلى قطر، فالبارجات الأميركيّة العملاقة أمام قطر، ومن أراد أن يوصل تحيّاته إلى إيران فعليه أن يركب الخطوط القطريّة، وكلّ الأبحاث السرّيّة لمشروع كمشروع الإسلام السياسيّ وكلّ تبيض لأموال الإرهابيين وكلّ عمليات شراء الأسلحة التي دمّرت سوريا كانت عبر دولة قطر.

وعندما أرى الآن وكما يرى كلّ متضرّر من هذه الحرب الدمويّة السوريّة كلَّ هذه الحرب والحصار المطبق على قطر أشعرُ بفرح لا يوصف، فهذه الدولة التي غذت هؤلاء الإرهابيين بالسلاح، والذين دمّروا كلّ بقعة جميلة في الشرق الجميل عبر تركيا، قد لاقت مصيرها المحتوم، وإن لم تكن بنفس الطريقة الوحشيّة في حربهم الضروس للبحث عن المال، من خلال دعم الإرهاب والتطرّف، لكنّه فشلٌ ذريع لهذا المشروع، وبداية النهاية لتركيبة الدولة والدين؛ الأيديولوجيا التي ظنّ أردوغان وتابعه القطري أنّهما سيمرّرانها من خلاله كلّ ترتيبات القضاء على أيّة بذرة ديمقراطيّة وإنسانيّة في الشرق الدامي.

إنّه المشهد الجديد الذي غيّر الكثير من التحالفات والمحاور، من خلال هذا الهجوم على قطر، وعزلة قطر عن الوطن العربي، وعزلة تركيا أيضاً، فترامب لم يسحب البساط من تحت أقدام تركيا وقطر فحسب، بل جعلهما منعزلين متخبّطين لا حلف ولا محاور ولا مشروع لهما، فقد بدأ مشروع الإسلام السياسيّ بالانهيار، وذهبت أحلام داعمي الإرهاب في هذه الحرب الدموية السوريّة، فقد دمّروها على أمل أن ينجح مشروعهم في السلطنة الجديدة، ولكي يصبح القطريّ الوالي على الخليج وعلى العرب.

فمن وضعَ بيضه كلّه في سلّة أردوغان سيصبح مصيره مصير قطر، والمضحك في هذا الأمر أنّ أردوغان يظنّ أنّه السلطان العثمانيّ فيقول: (إنّي أساند قطر في محنتها)  وهو لا يرى من يسانده في هذه الهزيمة النكراء لقاتلي الديمقراطيّة بعد أن فشل تلميع صورة أيّ حلّ يطرحه تحالف الدين مع الدولة. وكلام أردوغان الغبيّ في أنّه سيمدّ قطر بالسلاح لن ينقذ قطر من كارثة اختيار أحد المسارَين، فإمّا الحلف السعوديّ الجديد وإمّا الحلف الإيرانيّ، وخياران أصعبهما مُرٌّ، وكلا الخيارَين دمارٌ لأردوغان الذي فقد كلّ سُبل الحلّ.

زر الذهاب إلى الأعلى