مقالات

الهجومُ التركي على مواقع الكُرد نتائجه وأبعاده السياسية

 

كاوا رشيد 

أصابَ الهجومُ التركي على مواقع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا , ووحدات حماية سنجار في العراق، أصابَ الأوساطَ الكردية الرسمية والشعبية بالصدمة والإحساس بالغدر. فالقواتُ الكردية تحاربُ الإرهابَ نيابة عن العالم في جبهات الرقة, وظهرها مكشوفٌ للقوات التركية, ولم تكتفِ الحكومة التركية بذلك, بل عمدت إلى تحشيد مرتزقة تابعين لها تحت مسمّى (الجيش السوري الحر), مقابل مدينة كري سبي (تل أبيض).

ونتيجةً لذلك كان لزاماً على القوات الكردية عدم التفرّج, فجاء الردّ على هذه الهجمات بثلاث أشكال .

أولاً: قامت وحداتُ حماية الشعب والمرأة بالرد عليها بعنف, والتحوّل من الدفاع إلى الهجوم, حيث دمرت عدداً من الدبابات التركية, وبعض المخافر والدشم الحدودية مع روج آفا , مستخدمة أسلحة أمريكية, وخاصةً صواريخ(تاو), وهذا له دلالات سياسية.

ثانياً: نشر مدرّعات أمريكية على طول الحدود مع تركيا, تحت ضغط إيقاف معركة الرقة إن استمر العدوان التركي, وتم ذلك رغم محاولة بعض المتحدثين الأمريكيين حفظ ماء وجه تركيا, مما أدّى إلى توقف الضربات التركية إلى حينٍ وفشل مخططاتها.

ثالثاً: الأمر الذي وقّعه الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب بتزويد وحدات حماية الشعب الكردية بالسلاح بشكل مباشر, وتحديدها بالاسم, وقد كان للقرار وقع الصاعقة على الأوساط التركية , وكان أردوغان متأملاً أن يصل إلى مبتغاه وتحقيق مخططاته من خلال زيارته للولايات المتحدة الامريكية, ولقاء رئيسها لتغيير قراراته السابقة بتسليح الكرد والتأثير عليها, ولكنه لم يحظ بأكثر من 20 دقيقة, كانت كافية لأن يفهم أن لا نية لهم بمناقشة أي شيء معه بهذا الخصوص, وأن لا تغيير في سياساتهم.

ونعلم أن الموقفَ الأمريكي ليس محبّة للكرد, بل تنفيذاً لسياسات أمريكا في المنطقة.

فالكرد في روج آفا أثبتوا أنهم السبيل الوحيد لنجاح سياسة أمريكا في سوريا طيلة عهد أوباما, بعد أن جربت هذه الإدارة إنشاء قوات حليفة لها من المعارضة السورية السنية, ودربتهم , ولكن هذا البرنامج فشل فشلاً ذريعاً, إذ نجح 80 مقاتل من أصل 1000 في نيل ثقة إدارة أوباما , وبقي منهم 20مقاتلاً فقط , ما إن دخلوا سوريا حتى سلموا أسلحتهم لجبهة النصرة فرع القاعدة في سوريا .

وباعتبار أن وحدات حماية الشعب الكردية, العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية أثبتت فعاليتها وبسالتها, وبأنها لن تبيع السلاح لأي قوى إرهابية, وأنها القوة الوحيدة في سوريا التي تتطابق أفكارها مع أفكار العالم الحر, إذ لا ترتبط بأي فكر ديني أو طائفي أو مذهبي , بالإضافة إلى قدراتها العسكرية الكبيرة وصلابة مقاتليها بشهادة كل العالم, كل ذلك فرضَ على الإدارة الأمريكية التحالف معها ومع قوات سوريا الديمقراطية.

ولكن هذا التحالف يبقى عسكرياً بحتاً, دون أي تحالف دبلوماسي, فبالرغم  من انتصارات قوات سوريا الديمقراطية, عمد المجتمع الدولي وعلى رأسهم أمريكا إلى تغييبهم عن اجتماعات جنيف وأستانا, ولم ترفع أمريكا العلاقات معهم أكثر من الدعم العسكري, وهذا ما يثير بعض الشك لدى الكرد عامةً وحزب الاتحاد الديمقراطي pyd صاحب مشروع الفدرالية في سوريا خاصةً , ولذلك فإنّ القوة  الكردية لم تضع جميع بيضها في السلة الأمريكية, وتجلى ذلك في عفرين حيث الوجود الروسي, والاتفاق مع وحدات حماية الشعب الكردية ,على التدريب وتقديم السلاح , وكذلك طلب الخارجية الروسية مشاركة الكرد في مباحثات جنيف, ولكن بدون الإصرار على حضورهم, وهذا يعطي إشارة ً بأن الروس ليسوا جديين , بل إنهم يستخدمون الكرد كورقة ضغط على تركيا.

وتركيا كذلك تستغل حاجة أمريكا لقاعدة أنجرليك القريبة من سوريا, ومكانة تركيا في حلف الناتو للضغط عليها, مما جعل أمريكا بين نارين، إذا أرضت طرفاً أغضبت الآخر. ومن الممكن أن يكون الحلّ الأمريكي هو إعطاء ضمانات لتركيا بعدم استخدام السلاح المعطى للأكراد في هجمات على تركيا, وهذا ما أكده القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي السيد آلدار خليل, ومن جهة أخرى إجبار المعارضة السورية التابعة لتركيا على الاعتراف بالوضع الخاص لروج آفا وعفرين خاصةً.

زر الذهاب إلى الأعلى