ثقافة

           المطبخ الكردي وبعض الأمور الموروثة

تتميّز الشّعوب في هذا العالم عن بعضها بأمورٍ كثيرةٍ وعاداتٍ راسخةٍ تكاد تكون جزءً من وجودها, وكأنّها خُلقت معها, ورغم التطوّر الكبير الذي وصلت إليه الخليقة، والكثافة السكّانيّة الكبيرة الّتي أدّت إلى اندماج الطّوائف والمكوّنات مع بعضها البعض، والذي أدّى بدوره إلى اقتباس عادات وأمور ممّا بينها, ناهيك عن الوضع الاقتصادي، وانشغال النّاس بالسّعي وراء الرزق لتأمين متطلّبات الحياة التي أصبحت قاسيةً جدّاً, ظلّت الشعوب الأصيلة متمسّكةً بعادات وموروثات أسلافها, والتي تعتبرها كنزاً مُقَدّساً لا يجب التفريطُ به.

وفي الشّرق الأوسط المتعدّد الطّوائف والمكوّنات, تمايزت كل طائفة عن غيرها بأشياء ترتبط بها, وعادات وتقاليد تميّزها عن غيرها من الطّوائف, فمثلاً: عن طريق الزيّ نستطيع تمييز العربي عن غيره, وعن طريق المأكل والمشرب نستطيع تمييز سكّان مدينة عن مدينة أخرى, إذاً هناك عادات وتقاليد معيّنة تميّز مكوّن عن مكوّن آخر, وسكّان مدينة عن سكّان مدينة أخرى, وحتى أنّنا نستطيع تمييز مواطني دولة بعينها عن مواطني الدول الأخرى, كالهنود والصّينيين والعرب والتّرك وغيرهم.

وبغية إلقاء الضّوء على المجتمع الكردي, والتعرّف على الأمور التي تميّز هذا المكوّن العريق عن غيره من مكونات الشرق الأوسط, قامت صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي بإعداد تقرير عن بعض العادات والأشياء التي تميّز المجتمع الكردي في سوريا عن غيره من المجتمعات, وقد اختارت الصّحيفة بعض الأمور التي توارثها الكرد عن أسلافهم, وتمسّكوا بها, وظلت الأجيال تتوارثها وتؤمن بها حتّى الآن.

هناك بعض الأمور التي تحدث كلّ يوم, ويتمّ ربط حدوثها بأمور مستقبليّة ستحصل, وأغلب الناس تؤمن بها إلى حدٍّ ما, وهي تشبه رمزيّات وأساطير ليس هناك دليلٌ علميٌّ على صحّتها, وهي موروثة لدى المجتمع  الكرديّ, ويعود تفسير تداولها والإيمان بها نتيجة التّجربة وتكرار الحدوث, وسنقوم بذكر بعض هذه الأمور.

خرافاتٌ وأساطيرُ كرديّة

هناك الكثير من التنبّوءات والحركات التي يفسرها الكرد على أنّها أدلّة على حدوث أمور معيّنة ومنها:

-إذا رفعت العنزة ذنبها فإن ذلك دليلٌ على أنّ المطر لن يهطل ذلك اليوم, أمّا إذا خفضت ذنبها فهذا يدّل على هطول المطر في نفس اليوم.

-إذا هبط طائرٌ على باب البيت وصاح فهذا دليلٌ على وصول رسالة من شخصٍ قريبٍ مغتربٍ.

-إذا مسحت القطّة وجهها بقائميها فهذا يدلّ على قرب قدوم ضيفٍ إلى البيت الذي تتواجد فيه تلك القطّة.

-إذا طارت لقمةٌ من يد أحدهم وهو يأكل, أو طارت قطعة عجينٍ من يد امرأةٍ تعجن فذلك يدلّ أيضاً على قدوم ضيفٍ إلى ذلك البيت.

-إذا تراكبت الأحذية أي أصبحت فوق بعضها واختلطت, اعتُبر ذلك علامة سفرٍ قريبٍ.

-إذا شعر أحدهم بحكّة في كفّ يده اليمنى فهذا يدلّ على أنّ هناك مالٌ سيأتيه, أمّا إذا شعر بحكّة في كفّ يده اليسرى فهي دليلٌ على حصول معركة يكون أحد أطرافها, فيقوم بالتّجهيز لها.

-ظهور قوس قزح دليلٌ على أنّ المنطقة ستنعم برخص الأسعار, أمّا إذا ظهر ضوءٌ أحمر من جهةٍ معيّنةٍ فذلك معناه أنّ حرباً أو معركةً ستقع في تلك الجهة.

-حينما يولد طفلٌ تتمّ حراسته لمدّة أسبوع عبر وضع سكّينٍ أو إبرةٍ كبيرة ٍأو قشرة بصلةٍ, وذلك لطرد الجنّ عنه, لاعتقادهم أنّ الجنّ يخاف من تلك الأشياء.

-طنين الأذن اليمنى لشخصٍ ما يدلّ على أنّ هناك أحدٌ يتحدّث عن ذلك الشخص بالخير, وأمّا طنين الأذن اليسرى فيدلّ على أنّ هناك أحدٌ يتحدّث عنه بالشّر.

-إذا انسكبت القهوة من الفنجان أو فارت من الركوة فهذا يدلّ على رزق سيحصل عليه أهل ذلك البيت.

الطعام الكردي

المطبخ الكرديّ متنوّع ويتميّز بالطّعام الشهيّ, والمرأة الكرديّة مهما كانت مشغولةً بأمورٍ أخرى, كالعمل السّياسيّ أو العسكري أو الوظيفي, فإنها تجد المطبخ مملكةً وهي ملكته, لذلك تبدع في الطّبخ كإبداعها في كلّ شيء, والمناخ في المناطق الكرديّة يساعد على تربية الحيوانات وزراعة كافّة أنواع الخضار, وبعض الفواكه كالعنب والرمّان والتين, وكافّة أنواع الحبوب.

والطّعام الكرديّ يعتمد على كميّات متنوعة من المنتجات الحيوانيّة والأعشاب الطّازجة, ويتميّز الكرد بالبذخ في الطّعام, وهو تعبير عن تقدير الضّيوف.

وبالنسبة للوجبات الأساسية فهي ثلاث:

الإفطار: يتكوّن عادةً من الخبز والعسل وحليب الأغنام, والشّاي الأسود الذي يعتبر مشروباً أساسيّا لدى الكرد, وهو من أساسيات الفطور, بالإضافة إلى مشتقّات الحليب كالجّبن والّلبن والزّبدة و الّلبنة, بالإضافة إلى المربيّات المنزليّة الصّنع, وبعض الخضار كالبندورة والخيار.

الغداء: يقوم معظم الكرد بشكلٍ عام بغمس الّلحم مع الخضروات المختلفة في صلصة البندورة لطبخ حساء الخضروات بالّلحم والذي يُقدّم عادةً مع الأرز والخبز, وهناك طبخات كرديّة عديدة سنتطرّق إليها الآن:

أبرز مأكولات الكرد

-اليبرق (أبراخ): وهو عبارة عن ورق عنب مقطوف حديثاً ومحشوّ بالأرز والّلحم والتّوابل.

-البرغل: يعتبر طعاماً أساسيّاً ويسلق بمرق الّلحم, أو يطبخ مع العدس والحمّص وهناك طرق أخرى لطبخه.

-مركة: أو (الحميس) وهو الّلحم المطبوخ مع المرقة على خبز الصّاج.

-طرشك: وهي أكلة كرديّة بامتياز وخاصّةً في الصّيف، نظراً لتوفّر البندورة التي هي أساس هذه الطّبخة, وموسم البندورة يكون في الصُّيف, ولهذه الطبخة عدّة أنواع مثل:(طرشكا بطاطا- جزمز- طرشكا فاصوليا –طرشكا باميا – طرشكا بازيلا)

-شامبورك: وهي عبارة عن عجين يُحشى بحشوة من الّلحم المفروم والبصل والبقدونس والتّوابل, وتُوضع في الفرن أو تُقلى بالزّيت.

-سر أو بي: وهي أكلة لذيذة جداً, تتكون من رؤوس وأقدام الغنم, ولكنّ طبخها يتطلّب جهداً وعنايةً كبيرين, ويتناولها الكرد في فتراتٍ متباعدةٍ مع الروفي.

-شوربة العدس: وهي شوربة عدس بلا قشر, وتعتبر أكلة أساسيّة في الشّتاء.

-مجدّرة: وهي تتكوّن من الأرز والعدس غير المقشور مع البصل المقلي, وهناك من يفضّلها بالبرغل بدل الأرز.

-كتلك (كبب): وهي أكلة مشهورة, وتتكوّن من عجين خاص لها مع حشوة من الّلحم والبصل والبقدونس والتوابل, وتطبخ إمّا سلقاً أو قلياً أو شوياً.

هذه كانت بعض مأكولات المطبخ الكرديّ وهناك بعض المقبّلات أو التّوابع التي تُوضع مع الوجبات الأساسيّة, وهي غالباً منزليّة الصّنع, ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

-المربّيات: كمربى المشمش والقرع والعنب والباذنجان مع الجوز.

-المخلّلات: كمخلّل الفليفلة والقتّة والخيار والملفوف والبندورة الفجّة.

المحمّرة: وهي تُصنع من الفليفلة الحمراء, وأساسيّة في صناعة المكدوس.

-دبس البندورة: وهو يُصنع منزليّاً من البندورة الحمراء الطريّة.

-المكدوس: ويُصنع من الباذنجان المحشيّ بالمحمّرة والجّوز.

أمّا بالنسبة للمشروبات الّتي يشربها الكرد بكثرة فهي:

-الشّاي الأسود: وهو المشروب الرّئيسي للكرد ولا يستغنون عنه.

-القهوة الثّقيلة المرّة: أيضاً هي مادّة لا يخلو منه المطبخ الكرديّ, وتُقدّم كضيافة.

-العصائر الطبيعية: كعصير الليمون والبرتقال الذي يتمّ حفظه مركّزاً بعد غليه, ويُقدّم بإضافة الماء إليه.

-الزهورات: وهي موجودة في كل بيت كرديّ, وتُستعمل في حالات الإصابة بالبرد.

العيران: وهو عبارة عن لبن مخلوط مع الملح والماء ويُقدّم مع وجبات الغداء الدّسمة وخاصّةً في الصّيف.

كما وتتميّز بعض المناطق الكرديّة بصناعة مشتقّات للحليب تميّزها عن غيرها, فمناطق ديريك وكوجرات وآليان تتميّز بصناعة المنتوجات التالية: -سيرك: وهو عبارة عن جبن ناعم مبشور مخلوط مع الثّوم البرّي.

-الجبن بالثوم: وهو جبن مصنوع مع ورق الثوم المفروم.

-لورك: وهو الماء الذي يبقى من تصنيع الجبن ويتميّز بطعم الحليب.

ويتميّز الكرد بصناعة خبز التنّور الذي يعدّ من أشهى أصناف الخبز, وهناك أكلات كرديّة تميّز كلّ منطقة عن أخرى, فعفرين تتميّز بالزيتون وزيته, وديريك تتميّز بالأجبان, وكوباني بالفستق الحلبي, وقامشلو بالكيمر وهي قشدة حليب الجاموس, وعامودا مشهورة بصناعة الخبز.

العشاء:

وهو يتكوّن عادةً من الحواضر الموجودة كاللبن والجّبن والمكدوس والبيض والمربّيات بالإضافة إلى الشاي الأسود كمشروب أساسي.

وفي الختام نجد أن تراث الشّعوب الذي يميّزها عن غيرها أصبح قانوناً تلتزم بها, و بحيث أنها بدون هذا التراث تجد نفسها وكأنّها فقدت شيئاً من وجودها, والكرد تاريخهم يمتدّ إلى أقصى العصور, واختلطوا مع شعوب وطوائف كثيرة, وبالرّغم من ذلك ظلّوا شعباً أصيلاً متمسّكاً بعاداته وتقاليده الحياتيّة التي توارثها من أجداده, بحيث أنّنا نعرف الكرديّ من خلال لباسه وعاداته وما يشربه ويأكله، وهو يعتزّ بهذه العادات التي يعتبرها كنزاً عظيماً أورثه له الأجداد.

زر الذهاب إلى الأعلى