مقالات

المصالح الاقتصادية الألمانية التركية تغتال حقوق الانسان

محسن احمد

رغم هامش الحرية والديمقراطية الواسع والكبير الذي يتمتع به المواطن في الدول الغربية ، ومن بينها ألمانيا والتي تعتبر من النماذج التي يحتذى بها عالمياً ، إلا أن هذا الهامش يصطدم كثيراً بصخرة الفائدة والرأسمال لتخرج حقوق الانسان والحريّات أو الديمقراطية التي ينادون بها ويمارسونها مدمى الرأس وخاسرة غالباً في أي معركة لصالح رأس المال التي تتحكم بالسلطات وليس العكس ، وهذا الامر يكرره دائماً المواطن دون الخوض في شرح التفاصيل .
بدايةً نحن هنا لسنا بصدد المقارنة بين الديمقراطية والحريّة في الدول الغربية وبين ما هو موجود فِي بلادنا لأن الفرق شاسع وكبير بإتجاه ما يتلمسه المتابع العادي وما يتصوره دون الغوص في التفاصيل التخصصية.
المادة الاولى من الحقوق الاساسية في الدستور الألماني تنص على “إلتزام الدولة بالحقوق الاساسية” في ألمانيا ومنها اعتبار كرامة الانسان مصانة وغير قابلة للمس ، واحترام هذه الكرامة واجب إلزامي على جميع سلطات الدولة ، وكما يؤمن الشعب الألماني بحقوق الانسان ، وهي غير قابلة للإنتهاك والمتاجرة بها ، كأساس للسلم والعدالة في العالم .
أما المادة الثالثة والتي تنص على المساواة أمام القانون “جميع الناس متساوون امام القانون “، فلا يسمح بالإساءة أو التمييز بحق اَي شخص بسبب نسبه أو جنسه أو عرقه أو لغته أو موطنه أو رؤاه السياسية أو الدينية .
لا يخفى على احد بأن العلاقات الألمانية والتركية توترت كثيراً في الفترة الماضية بعد محاولة الانقلاب المشكوكة في أمرها ، ووصلت هذه الخلافات ذروتها في الفترة التى سبقت الانتخابات الألمانية في الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي ، فأنقرة تتهم ألمانيا بالتدخل في شؤونها ، وترفض برلين إغلاق المؤسسات التي تشك تركيا بها ، وترفض تسليم جنود ومواطنين أتراك قدموا اللجوء في ألمانيا على خلفية إتهام انقرة لهم بالتمويل والضلوع في الإنقلاب المزعوم والذي إستهدف أردوغان وحزبه بالدرجة الاولى ومنعت ألمانيا أردوغان وجميع مسؤولي حزبه لممارسة الدعاية الإنتخابية لهم على الاراضي الألمانية ، ومن الجانب الألماني فالذي أثار غضبها ونتج عنها هذه الخلافات هي اعتقال مواطنيين ألمان تتهمهم تركيا بالإنتماء الى منظمات إرهابية أو دعم الإرهابين ومن بينهم صحفيين ونشطاء حقوق إنسان ، كما ورفضت تركيا السماح للسياسيين الألمان بزيارة الجنود الألمان في قاعدة أنجرليك ، مما أجبر الحكومة الألمانية على نقل جنودها ، ولأن العلاقات الألمانية التركية في غالبها مصالح اقتصادية وفوائد مادية متبادلة ، وخاصة من الجانب الألماني .

ولأن رأس المال جبان” كما هو معلوم” فإن الحكومة الألمانية فتحت قنوات إتصال غير رسمية مع أردوغان عن طريق المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر (SPD) حسب ما ذكرته صحيفة زود دويتش تسايتونغ والذي تربطه مع أردوغان علاقة شخصية جيدة وهذه الإتصالات أتت بأولى نتائجها وهو الإفراج عن الناشط الحقوقي وعضو منظمة العفو الدولية بيتر شتويدنتر الشهر الماضي ، وهذا الموضوع لاقى انتقادات عديدة في الإعلام الألماني من بينها صحيفة زود دويتش في 26.09.2017 ، ورغم ترحيبها بالافراج عن الحقوقي شتويدنتر فإنها رأت أن قرار الإعتقال سياسي ، وأن حقوق الإنسان لا زالت تنتهك في تركيا ، وهذه الوساطة أفضت إلى الإفراج عن شخص متهم بالارهاب حسب الادعاء التركي ، والإفراج عنه يؤكد أن القضاء التركي أيضاً مسيس ويتبع لأردوغان بشكل مباشر، وهذه أيضاً نقطة خلاف مضافة تحسب عليهم وليس لهم ،وعليه فإن العلاقات المتدهورة أمر طبيعي ،

ورغم نفي تركيا لأي وساطة من قبل المستشار السابق فإن لوزير الخارجية كابرئيل رأي اخر والذي شكر شرودر في تصريح سابق حسب صحيفة دي فلت وقناة N24 الإخبارية على جهوده التي افضت إلى الافراج عن بيتر ، وحسب مجلة دير شبيغل الألمانية فإن صاحب فكرة المهمة السرية وتوكيل شرودر بالقيام بهذه الوساطة هو وزير الخارجية الألماني سيغما كابرئيل (SPD) والذي رتب لقاء بين المستشار السابق والمستشارة الحالية ميركل ببرلين في الاول من سبتمبر الماضي ، ورغم أن العلاقة بين المستشارين ليست جيدة ويسودها التوتر بسبب علاقة شرودر مع الروس لكن المصالح جعلتهم يتفقون ويجلسون معاً ، ومن نتائج تدخل شرودر أيضاً والوساطة التي قام بها بين الألمان والأتراك لقاء جمع بين وزيرا خارجية الدولتين كابريئيل واوغلو أمس السبت ورغم إن اللقاء كان غير معلن سابقاً وغير رسمي أيضاً حسب بيان تم إصداره في مدينة أنطاليا التركية بذلك الصدد .
الأسباب التي أفضت إلى الخلافات بين البلدين لا تزال قائمة ، وتركيا لا تزال تنتهك حقوق الانسان بكل بساطة ودون رادع ، وتهدد شعبها وجيرانها وتتدخل في شؤون الغير وتحتل أراضي سورية وعراقية وهذه الدولة المارقة حسب القوانين والدساتير الدولية هي نفسها بل وأكثر إجراماً من السابق ، ورغم ذلك فإن ألمانيا الديمقراطية والمدافعة عن حقوق الانسان وحريته تحاول إصلاح العلاقات بين البلدين و تسعى للتعامل مع نظام دكتاتوري مجرم وإرجاع العلاقات إلى سابق عهدها ضاربة بعرض الحائط المبادئ التي أسست عليها هذه الدولة ، والتي تأملنا الخير بها الفترة الماضية .
أمس في الوقت الذي كان وزيرا خارجية الدولتين يلتقيان في المنتجع السياحي كانت السلطات الألمانية تمنع متابعة سير المظاهرة الكردية السلمية في دوسلدورف و المطالبة بمعرفة أوضاع القائد الكردي عبدالله أوج آلان الصحية والجسدية ، والذي تمنع السلطات التركية اَي زيارات له سواء من قبل عائلته أو محاميه أو حقوقيين دوليين ، فما حجة الدولة الألمانية لعدم السماح لتكملة سير المسيرة السلمية و رفع صور سجين يطالب الكورد بحريته ، كما يطالب الألمان بحرية مواطنيهم والإفراح عنهم رغم أن ما يطالب به الكرد وما يطالب به الألمان من معتقلين هم لدى نفس سلطات الاٍرهاب التركية ، وهنا يتأكد لنا وللأسف أن المصالح والمال هو الذي يسير الحكومات ، ويحدد مدى الإلتزام بمبادئ الدستور والقوانين التي ينادي بها كل طرف وكلٌ حسب الفائدة التي يجنيها على حساب الحريات والديمقراطية ، ولا بد من الإشارة هنا إن العلاقة الألمانية التركية تدخل في هذا الإطار في الوقت الراهن رغم أن الصفات المشتركة بين الحكومتين متباعدة لدرجة كبيرة ، وما يفرقهما اكثر مما يجمعهما .

زر الذهاب إلى الأعلى