مقالات

المرأة السورية الكردية

المرأة السورية شغلت العالم عبر التاريخ والمرأة الكردية شغلت السوريين خلال الأزمة، حيث رأينا –على هامش مؤتمر عين عيسى للحوار الوطني – أجزاء من أجساد مْن فجَّرنَ أجسادهن ضد تنظيم داعش الإرهابي، عبر عمليات فدائية لصد العدوان عن العرض والأرض والأهل والأبناء خارج السياسات والعصبيات ولكن تحت شعار الوطنية، حيث تنظيم الدولة الإسلامية لم يفرق بين عربي وكردي في تلك المناطق السورية، مع ملاحظة انتشار ظاهرة المد القومي الكردي مع بدء الأزمة السورية والحديث  السياسي عن نزعة الانفصال والتي تراجعت سريعاً مع وعي أهمية تشكيل وعي جديد تجاه الهوية السورية والالتفاف الشعبي حول فكرة صياغة عقد اجتماعي جديد يشمل كافة المكونات السورية وفق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والذهاب إلى التنمية المستدامة أي إعادة البناء والإعمار بما يتوافق مع قاعدة المواطنة المتساوية وتحديد العدو المشترك للوطن السوري والمواطن السوري.

هنا كانت المرأة الكردية موجودة وبقوة، وكما سابقت الرجل للدفاع عن أرضها وفيما بعد جاءت الوحدات العسكرية الخاصة بالمرأة  (YPJ)أيضاً سبقته في تحصيل حقها بالتشارك وقيادة المجتمع وأعتقد من هذا التسابق تشكلت الإدارة الذاتية بناءً على إرادة النساء المقاتلات في تلك المناطق في تحصين المواقف كما المواقع، وحتى الآن المرأة الكردية حاضرة في التخطيط والتنظيم وإدارة شمال وشرق سوريا ريثما يتم القضاء نهائياً على وجود الإرهاب التكفيري، ومن جهة ثانية تعمل النساء هناك على إيجاد سبل تواصل مع بقية النساء السوريات من عرب وشركس وتركمان وغيرهن، وكنا في الهيئة النسوية القيادية في سورية استضفنا عضوات مكتب المرأة من مجلس سورية الديموقراطية نوجين يوسف ولورين ابراهيم في اللاذقية تحت عنوان: “سوريات من أجل وحدة سورية” وتعرفنا على النظام الداخلي الذي كان قابلاً للتعديل آنذاك مع بدء تأسيس مكتب المرأة، وتم اللقاء النسائي مع تفاهم  كبير لتحسين وضع المرأة على كامل الأراضي السورية وتحصيل حقوقها كاملة غير منقوصة في جميع الميادين السياسية والتعليمية والثقافية والاقتصادية وفق المبدأ الدستوري في العدالة المجتمعية بلا تمييز وترسيخاً لشعار الهيئة النسوية نحو سوريا دولة علمانية ديموقراطية، ولكن بقي اللقاء يتيماً بالرغم من نشاطات متتابعة لمكتب المرأة لم نتمكن من فهم استراتيجيتهم تجاه الهوية الوطنية الجامعة حتى الآن مع أن يدنا لم تزل ممدودة للتلاقي والحوار.

على الصعيد القانوني وضبط حياة المجتمع اتخذت المرأة الكثير من الإجراءات التي أسهمت في الوصول إلى قوانين تضبط الأسرة مستمدة من روح العصر ومبدأ الحريات والحقوق كقانون الزواج المدني وحق الميراث مناصفة ومنع تعدد الزوجات والمساواة بالشهادة في المحاكم وإلغاء مهر الزواج واعتبار جريمة الشرف جريمة قتل، كما ألغت العديد من الأعراف التي كانت تحكم بديلاً عن القانون الموحد من أجل إنهاء حالة التمييز على أساس الجنس، والحد من السلطة الذكورية على المجتمع.

أما مدنياً وهو الوجه الظاهر لحركة التغيير الديموقراطي وقد عملت النساء في تنشيط دورهن فكان اتحاد ستار ومنظمة سارة وغيرها لتقوية المرأة ورد العنف والظلم والاغتصاب والاضطهاد عنها مع وعي صعوبة المرحلة ولعل أصدق تعبير ما ورد عن تقرير لسردار ملا درويش أن الناشطتين في المجتمع المدني السيدة ماريا عباس قالت: “أنها لا تخفي أن ما وصلت إليه المرأة في القامشلي رغم بساطته جاء نتيجة لجهود سنوات طويلة لعبت النساء خلالها أدواراً وأبدين إصراراً على ترسيخ وجودهن، ببذل التضحيات” وبما أن المجتمع يسمح للرجل بفرض رؤيته على المرأة فهو يستطيع منعها من الوصول إلى مراكز صنع القرار ليبقى هو المخطط والمشرِّع بما يتناسب مع معايير المجتمع الشرقي وأضيف السلطة الذكورية المستبدة التي تهين الرجال كما النساء في كثير من الحالات..

والسيدة مريم شمدين: “إن المرأة الكردية مازالت تلاقي صعوبة في ممارسة الحياة السياسية والحصول على حقوقها الثقافية والاجتماعية برغم المحاولات الحثيثة لفك طلاسم تلك التعقيدات وذلك بسبب قيود المجتمع”.

هذا ولا يخفى على مهتم بالشأن السوري العام والمرأة بشكل خاص أن النساء الكرديات تعرضن للاعتقال مثل الرجل تماماً

وعلى الصعيد الثقافي سادت مفاهيم جديدة لتؤطر الوعي النسوي الجديد المتشكل ضمن المؤسسات والكومونات النسائية تجلت في محاضرة في عامودا قدمت السيدة شيرين ولات خلالها شرحاً لمفهوم الجينولوجيا على أنه علم المرأة والحياة والحرية والمجتمع ككل، وأنه علم قائم على مبدأ علم الاجتماع السائد حالياً وليس على بيولوجيا المرأة مستندة في فكرها إلى مقولة السيد عبد الله أوجلان: “أن النضال الذي بدأناه مازال ناقصاً ويحتاج إلى إتمام، وهذا الإتمام يكون بتطوير الجينولوجيا”.

لنعترف أن المرأة السورية الكردية بالتحديد التي هي موضوع حديثنا الآن سبقت غيرها من النساء السوريات في الدخول في قلب المعارك العسكرية على التخوم والجبال مثال السيدة إلهام أحمد المقاتلة والسياسية، مع وجود المرأة السورية في الجيش والقوات المسلحة السورية منذ سنين طويلة، وأنا كنت واحدة منهن لما يقارب عشرين عاماً منذ عام 1989.

من هنا ليس مستغرباً على المرأة السورية التمسك بعرى الوطنية والتقدم للدفاع عن أرضها من أجل المحافظة على وحدة الجغرافيا السورية أينما تعرضت لتهديد بالخطر، سواء كان بالاحتلال العسكري أو التهديد السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى