ثقافة

اللباس عنوان ثقافة الإنسان  الأزياء بين التراث وتأثيرات النمط المُعاصِر

 

 يعيش عالمنا المتسارع اليوم صراعاً بين طرفين أو أيديولوجيتين، ايديولوجية تقاوم بشتى الوسائل للحفاظ على هويتها وثقافتها حتى في لباسها، وترى في التغيير والتقدم ضرورة وصيرورة طبيعية لكن دون تغييبٍ  للهوية والثقافة التي وُلِدَ وتربى عليها الإنسان ضمن بيئته، وبين ايديولوجية تحاول بشتى الوسائل فرض هيمنتها ونمطها الذي يخدم توجهها ورأسمالها بالشكل المباشر والغير مباشر على كافة نواحي الحياة،   وتتغلغل إلى داخل المجتمعات حتى في أدق مساماتها، وهذه الايدلوجية تعتمد بالشكل الأبرز على تكنولوجية المعلومات القائمة على الملاحظة والرؤية والاستهلاك المباشر عبر العشرات من وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تُدارُ من قِبَلِ أنظمة محددة لها أهدافها وسياستها وايديولوجيته الخاصة بها، والتأقلم مع هذا النمط العصري التكنولوجي من الحياة وفرت على أصحاب هذه الإيديولوجية الكثير من الجهد والوسائل، وعلى إثر ذلك  طوّرَ  غَيَّرَ وبَدَّلَ الكثير من أبناء المجتمعات  أنماط معيشتها حتى تغلب عليه طابع الايدولوجية والتي يمكن أن نسميها بأيديولوجية الحداثة، أو نمط الحياة الغربية المُعاصر الحداثوية، ولعل أبرز أو ما يسمى أحياناً بالغزو الثقافي الغربي للشرق، ولعل الجانب الذي سَنُسَلِّطُ عليه الضوء هو مدى أمكانية  الحفاظ على الزي التراثي والتقليدي أمام هذه الثقافة الغربية الغازية والتي تحاول شيئاً فشيء تعرية المجتمعات من ثقافتها وتراثها وزيها، لتُسْهِلَ عليها بث نمطها وايديولوجيتها إلى قلب هذه المجتمعات، وتمرير نمطها وتمييع واخضاع العقل الإنسانيِّ لقوانين ومعاييرٍ تتكيف مع الأهداف التي تصبو إليها المؤسسة الفكرية الرأسمالية الحاكمة على التكنولوجيا، والتي تسعى عبر هذه الوسائل للسيطرة على الكون.

والسؤال هنا، هل يؤثر “الزي العصري” على ثقافة الإنسان وهويته  والمحيط الذي يعيش فيه وعلى نمط حياته؟ وهل يُعْتَبَرُ الزيَّ التقليديَّ حقاً عائقاً للكثير ونمطاً للتخلف كما يشير إليه البعض من شباب وشابات اليوم، وهل ولى عصر الزي التراثي التقليدي وبقي استخدامه  ضمن قاعات المعارض والعروض الفنية، أو في بعض المناسبات الوطنية والحفلات الثقافية كما يقول البعض؟.

  التقينا نحن في صحيفة الاتحاد الديمقراطي مع عينة من الأشخاص وجمعنا بعض الآراء حول موضوع اللباس ثقافةٌ وتعبيرٌ عن الهوية.

جوان محمد: يعمل في بوتيك الألبسة

 بالطبع نحن في روج آفا نحب أن نلبس الأزياء الكردية؛ فهي تُعَبِّرُ عن ثقافتنا، لكن بعض الأزياء التراثية لم تعد تصلح لأن يلبسها المرء الذي يعمل في المدينة سواء أكان موظفاً أو طالباً، وهذا لا يعني بأننا لا نستطيع أن نلبس الزي الكردي في باقي الأوقات؛ فباستطاعتنا أن نلبس الزي الكردي أثناء المشاوير والتنزه وهي مريحة خاصة بالنسبة للباس الرجل، وأنا شخصياً ألبس السروال والبزة الكردية في الكثير من المناسبات ولا أخجل في لبسه أينما كان.

منال الحسين: طالبة في جامعة الفرات

أنا طالبة أدرس في الجامعة، والذهاب باللباس الكردية التقليدية أمرٌ غير مناسب، وأرى في اللباس الحالية المنتشرة راحة أكثر، وهي تناسب الطلاب ومريحة وعملية، كما إن الجميع في الجامعة يلبسون اللباس العصرية، أحب أن ألبس الزي الكردي في الحفلات  وعيد النوروز فقط.

  • صالح حيدو: كاتب وباحث ومهتم بالتراث الكردي

هناك ثلاث مقومات أساسية لأي شعب أولاً اللغة ثانياً الناحية الأنثربولوجية، أما المقوم الثالث فهو اللباس وهذا المقوم هو الأساسي كونه يلفت الانتباه من اللحظة الأولى، ومن خلاله يمكن معرفة ثقافة وهوية الشخص الذي يلبسه في أي مكان.

اللباس والزي التراثي كالعلم  رمزٌ هام من رموز الشعوب وقدسيته من قداسة عَلم ذاك الشعب، بالطبع للباس دلائل عدة ولكل زيٍّ مناسبته ومكانته واستخدامه فعلى سبيل المثال الزي الكردي الجبلي واسع وفضفاض وله ألوانه وتصميمه الخاص، ويختلف عن اللباس التي تلبس في المنطقة السهلية أن  التصميم وقطع الثياب متشابه في تصميمه، فلباس العمل أيضاً يختلف عن لباس المناسبات ولباس رعاة الغنم يختلف عن لباس الحداد.

كذلك بالنسبة للمرأة الكردية فلباسها متنوعٌ التصاميم وقطع الثياب متعددة، وتجسد اللباس بالنسبة للشعب الكردي الثقافة  والهوية الكردية، ويتميز الكرد بأن لكل عشيرة ومنطقة كردستانية لباسها الخاصة والتي تميزها عن بعضها البعض، أما فيما يتعلق باللباس والغزو الثقافي الغربي لمنطقتنا بشكلٍ عام؛ فهذا يشكل تهدياً لثقفتنا وتراثنا، ولاشك بأن اللباس التقليدية غير مريحة للكثير من الأعمال العصرية ، لكن هذا لا يعني بعدم أمكانية تطوير هذا الزي بالشكل الذي يناسب أي عمل، كذلك يمكن أن يرتدي الإنسان لباسه التراثية عندما يعود من عمله أو يخرج في نزهة.

الحفاظ على اللباس التراثية يعني صون الثقافة والتقاليد،  والدور الأبرز يقع على المثقفين والعائلة في تنشئة أولادهم على حب الزي التراثي والتمسك بثقافة آبائهم وأجدادهم، التراث الكردي غني، على الأنسان الكردي وأن لا يخجل من تراثه ولباسه وثقافته.

   للمحرر كلمة

لا شك أن اللباس التقليدي جزءٌ لا يتجزأ من التراث، والتراث واحد من أهم المقومات الثقافية والهوية وتشكل الصورة التي تُعَبِّرُ عن ثقافة وتاريخ وثراء وحضارة شعبٍ ما، ويعتبر غيابه مظهراً من مظاهر الذوبان والانصهار.

 وإن اللباس التقليدي أداةٌ لتعريف الشعوب ورمزً لتميزها وتفردها وهو خير شاهد على درجة وعيه ونظرته إلى الحياة، وظاهرة تشابه الزي التراثي ليست بظاهرة جديدة، فقد تأثرت الشعوب ببعضها البعض، وتعدد الحضارات المتعاقبة على نفس الجغرافية لدرجة تشابه فيها الأزياء، وكما أشرنا في تقريرنا  إن اللباس العصرية لباسٌ يحمل ثقافة غربية تندرج في إطار الموضة الرأسمالية، والتي تعمل على إذابة وصهر المجتمعات ضمن ثقافتها الخاصة، والتي تعتمد في أساسها على تعري الشعوب من ثقافتها وعادتها وقيمها، ليسهل عليها السيطرة على العقول واخضاعها بطريقة أو بأخرى لهيمنة فكره، وبالتالي توجيه المجتمعات حسب رغبتها.

 بالطبع الفئة المستهدفة هم الشباب وخاصة المرأة الشابة.

في النهاية يمكن القول أن على الإنسان أن لا يخجل من تراثه وثقافته، وأن لا يَنْجرَّ خلف الثقافة العصرية الهابطة فلباسه هويته وبطاقة تعريفه الأولى.

اعداد: دوست ميرخان

زر الذهاب إلى الأعلى