تقارير

الكُردُ تاريخٌ ونضال

شخصيّاتٌ كُرديّةٌ ساهمتْ في مُقارعة الاستعمار الفرنسي، وتحرير سوريا الحديثة:

إنّ مشاركةَ الكُرد في بناء سوريا، من الأزل وحتى اليوم، لم تكن بغريبةً، وخاصةً أنّ من بين أبنائها مَن حرّر الوطنَ وشاركَ في الاستقلال. وفي إطار عرض تاريخ بعض الشخصيات الكردية التي لعبتْ دوراً هاماً في تاريخ سوريا وتاريخ المنطقة، نستعرضُ بعضاً منهم.

 المُجاهد الكبير إبراهيم هنانو:

لا يوجدُ شخصٌ في سوريا أو في العالم العربي لم يسمع بإبراهيم هنانو، إنهُ كبيرُ المُجاهدين في الثورة السوريّة، والزعيمُ الوطني الكبير، الذي تصدّى للاستعمار وقاومَهُ في مطلع القرن العشرين، ويأتي في طليعة الأبطال الذي تفخرُ بهم سوريا اليومَ.

ولدَ في بلدة” كفر حارم” الواقعةِ غربي حلبَ عام 1869م،  وهو ينحدرُ من عائلة هنانو العريقة، ذات الزعامة والوجاهة، التي تنتمي إلى عشيرة البرازي الكُردية المعروفة. تقلّدَ وظائفَ إداريّة في العهد العثمانيّ، ثمّ عادَ إلى بلاده سنةَ 1908م، واُنتخبَ عضواً في المجلس العُمومي بحلبَ. عندما دخلَ جيشُ الأمير فيصل بن الحسين مدينةَ حلبَ فاتحاً(1918)عادَ إليها، واُنتخبَ عضواً في( المؤتمر السوريّ) بدمشقَ، وعضواً في( جمعيّة العربية الفتاة) السريّة، ثمّ احتلّ الفرنسيونَ مدينةَ أنطاكية، فانتدبَ لتأليف مجموعاتٍ عربيةٍ تُشاغلهم، وجعلَ مقرّهُ في حلبَ، وفوجئتْ سوريا بنكبة” ميسلون”1920 واحتلال الفرنسيين دمشقَ وحلبَ، فامتنعَ في بلاد بيلان( شمالي حلب) بقوّةٍ من المتطوّعين الوطنيين، وقاتلهُ الفرنسيون، وألّفَ حكومةً وطنيةً، ولُقّبَ ب” المتوكّل على الله” وكثرتْ جموعُهُ، واتّسعَ نطاقُ نفوذهِ، وخاضَ سبعاً وعشرينَ معركةً لم يُصَب فيها بهزيمةٍ، واستمرّ عاماً كاملاً يُنفقُ مما بجيبهِ في الجهاتِ التي انبسطَ فيها سلطانهُ.

اطّلعَ على بيان إذاعة الأمير عبد الله بن الحسين في عمّانَ، يقولُ فيه إنهُ جاءَ من الحجاز” لتحرير سوريا”، فكاتبَهُ إبراهيم هنانو، ثمّ قصدَهُ إلى عمّانَ عاصمة الأردنّ، فلم يجدْ فيها ما أملَ، وزارَ فلسطينَ، فاعتقلهُ البريطانيونَ في القدس وسلّموهُ إلى الفرنسيين، وسيقَ إلى حلبَ، فحوكمَ محاكمةً انتهت باعتبار ثورتهِ” سياسية مشروعة”.

تحوّلَ إلى الميدان السياسيّ، يحاربُ الدولةَ الفرنسيّةَ المُنتدِبة، فاجتمعتْ على زعامته سوريا كلّها، وقادها فأحسنَ قيادتها، وكان منهاجهُ: ” لا أعترفُ بدولة فرنسا المُنتدبة، ولا تعاونَ معها”، ولمّ دُعيتِ البلادُ عامَ 1928م لانتخاب الجمعيّة التأسيسيّة ووضع الدستور السوريّ، انتخبَ إبراهيم هنانو عن حلبَ، واُختيرَ رئيساً للجنةِ الدستور في الجمعية التأسيسية، فأتمّ وضع دستور عام 1930م.

قالَ المؤرّخ اللبناني يوسف إبراهيم يزبك: إنّ الزعيمَ السوفييتي( لينين) كتبَ أربعَ رسائلَ بخطّه سنةَ 1919م إلى إبراهيم هنانو يدعوهُ فيها إلى التعاون مع حركات التحرّر الوطنية في المنطقة، والاعتماد على مساعدة الاتّحاد  السوفييتي في الصراع العادل ضدّ الاستعمار.

وهناك الضابطُ خليل بكر ظاظا، توفي عام 1938م، وهو من مواليد دمشق، خدمَ ضابطاً في الجيش السوري أيامَ الحُكم الفيصلي1918-1920، وقائد سريّة خيّالة المتطوعين في حمص وحماة. وقاومَ الفرنسيين، وبعد انهيار الحُكم الفيصلي في سوريا 1920 لجأ إلى شرقي الأردن بعد أن حكمَ عليه الفرنسيون بالإعدام.

الرئيس أديب الشيشكلي:

ولدَ في تشرين الثاني عام 1909م في مدينة حماة، وهو ابن السيّد حسن آغا الشيشكلي وهو من أصلٍ كرديّ، تزوّجَ من السيدة فطينة بنت مصطفى آغا الفنري عام 1928م. بعد تخرّجه من مدرسة التجهيز في محافظة حماة، التحقَ بالمدرسة الحربية بدمشقَ في تشرين الأول 1929، وتخرّج منها برتبة ضابط.

بدأ حياتهُ العسكرية ضابطاً، فكانَ قائداً للموقع العسكريّ في البوكمال، ثم انتقلَ إلى دمشقَ في أثناء الحرب العالمية الثانية، ويومَ محاصرة الديغوليين لسوريا نُقلَ إلى حامية الرقّة،  وفي حركة العدوان الفرنسي عام 1945م كان ممن أعلنوا المقاومةَ، وقادَ كتائبَ المجاهدين، كما التحقَ بالمجاهدين العرب في فلسطينَ ضدّ العدوان الصهيونيّ.

وعندما حدثَ الانقلابُ السوريّ الأوّلُ والثاني، كان هو الموجّهُ الفعليّ لهذه التحرّكات، ثمّ كانَ هو القائدُ والزعيمُ للانقلاب الثالث. تولّى رئاسةَ الأركان العامّة في نيسانَ 1955م. واُنتخبَ رئيساً للجمهورية السورية في 11 حزيران عام 1953م، وظلّ بهذا المنصب حتى المُكالمة الهاتفية الأخيرة من الزعيم محمود شوكت آلا رشّي الذي تآمرَ عليه لصالح شركة النفط البريطانية بواسطة رجل الأعمال اللبنانيّ” إميل البستاني”، ونصحهُ مُخادعةً بتركِ البلاد والسفر إلى الخارج، فأجابهُ الشيشكلي: أنا حريصٌ على هذا الوطن وعلى أبنائهِ.

تمّ اغتياله غدراً من قبل المغترب ” نواف أبو غزالة” في منفاه في البرازيل عام 1964.

محمّد علي عابد:

وهو أوّلُ مَن سُمّيَ رئيساً للجمهورية السوريّة، ولدَ في دمشقَ سنة1867م، تعلّمَ بها وتابعَ دراستهُ بالآستانة ودرسَ الحقوقَ في باريسَ، وهو من عائلةٍ كرديّةٍ نزحتْ من منطقة” بالو” بجنوب شرق الأناضول إلى سوريا بسبب الخلافات السياسيّة بين أجدادهِ والسُلطة العثمانيّة، وقدّمَ والدهُ دعماً كبيراً بالمال والسّلاح لثورة إحسان باشا التي اندلعت في مُدن ديار بكر وسيرت وأورفا ضدّ العثمانيين.

وفي عهد الانتداب الفرنسيّ للبلاد السوريّة عُيّنَ وزيراً للمالية، وبعدها رئيساً للجمهورية فيها، سنة 1932 وحتى 1936، ثمّ استقالَ وسافرَ إلى باريسَ والتقى مع النحّاس باشا رئيس وزراء مصر الأسبق وتوطّدتِ العلاقةُ بينهما. وتوفّي في باريس سنة 1939م ودُفنَ في دمشق.

يوسف العظمة:

وهو من كبار الشّهداء والمناضلين في سبيل استقلال سوريا الحديثة. هو من مواليد دمشقَ عام1884م، خدمَ ضابطاً في الجيش العثمانيّ، وعُيّنَ رئيساً لأركان حرب الفرقة العثمانيّة في بلغاريا ورومانيا، ثمّ رئيساً لأركان حرب الجيش العثمانيّ المُرابط في قفقاسيا، فرئيساً لأركان حرب الجيش الأول بالآستانة.

 ولمّا انتهتِ الحربُ العالميّةُ الأولى عادَ إلى موطنهِ في دمشقَ، فاختارهُ الأمير فيصل بن الحسين مُرافقاً لهُ، فرئيساً لأركان الحرب العامّة برتبة قائم مقام في سوريا، ثمّ ولاّهُ وزارةَ الحربيّة سنةَ1920، فنظّمَ الجيشَ الوطنيّ الذي ناهزَ عددهُ عشرةَ آلاف جنديّ. استمرَّ في عملهِ إلى أن تلقّى الملك فيصل إنذارَ غورو الفرنسيّ بوجوب تسريح الجيش، وبينما كانَ الجيشُ المُرابطُ على الحدود مُنفضّاً، كانَ الجيشُ الفرنسيّ يتقدّمُ بأمر الجنرال غورو، فعادَ الملكُ فيصل يستنجدُ بالوطنيين السوريين لتأليفِ جيشٍ أهليّ يقومُ بالدّفاع عن البلاد، وتسارعَ شبابُ دمشقَ وشيوخها إلى ساحة القتال ومعهم بعضُ الجنود ويتقدّمهم يوسفُ العظمة، وعندما سُئلَ: هل تستطيعُ إيقافَ الزحف الفرنسيّ؟ أجابَ: لن أدعَ التاريخَ يُسجّلُ أنّهم دخلوا سوريا بدون مُقاومة.

وكانَ قد جعلَ على رأس وادي القرن في طريق المُهاجمين ألغاماً خفيّةً، فلمّا بلغَ ميسلونَ ورأى العدوَّ مقبلاً أمرَ بإطلاقها، فلم تنفجرْ، فأسرعَ إليها يبحثُ فإذا بأسلاكها قد قُطعتْ، فعلمَ أنّ القضاءَ قد نفّذ، فلم يسعهُ إلاّ أن ارتقى ذروةً ينظرُ إلى دبابات الفرنسيين زاحفةً نحوهُ، وجماهيرُ الوطنيين من أبناء البلاد بين قتيلٍ وشريد، فعمدَ إلى بندقيّتهِ فلم يزل يطلقُ نيرانها على العدوّ، حتى أصابتهُ قنبلةٌ تلقّاها بصدرٍ رحبٍ وكأنهُ ينتظرها، ففاضتْ روحهُ في أشرفِ معركةٍ، ودُفنَ في المكان الذي اُستشهدَ فيهِ، يوم 24 تموز 1920.

 وقبرهُ اليومَ يُعدُّ رمزاً للتضحية الوطنية الخالدة، فقد دافعَ عن شرفِ سوريا أمامَ المُستعمرين.

فوزي السلو:

هو قائدٌ عسكريّ سوريّ، وسياسيّ مُخضرَم، وهو كرديّ الأصل.

ولدَ في دمشقَ عام 1905م، درسَ في الكليّة الحربية في حمصَ، والتحقَ بالقوات الخاصّة الفرنسيّة، والتي أُنشئتْ عندما فرضتْ فرنسا انتدابها على سوريا في 1920.

تخرّج برتبة ملازم 1924، ثمّ تمّ ترقيتهُ إلى ملازم أوّل 1929، وتعيّنَ أستاذاً للتدريب في المدرسة الحربية.

سافرَ إلى فرنسا 1936 ورجعَ لاتبّاع دورة أركان الحرب وبقي في المدرسة الحربية حتى1939، وارتقى إلى رتبة مقدّم ثمّ عقيد 1944م.

حاربَ في فلسطينَ 1948، وكان من الوفد المُفاوض للهدنة السوريّة الإسرائيلية عام1949.

كان مُقرّباً من العقيد أديب الشيشكلي الذي عيّنهُ وزيراً للدفاع في جميع الحكومات المدنية ما بين(1949-1951). قامَ الشيشكلي بانقلابٍ عسكريّ في 1951 على حكومة الرئيس معروف الدواليبي، مما أدّى إلى استقالة رئيس البلاد هاشم الأتاسي، فعيّنَ الشيشكلي صديقَهُ فوزي سلو رئيساً للدولة ورئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع والداخلية، وحكمَ الرجُلان سوريا حتى عام 1953م، عندما استقالَ سلو وأصبحَ الشيشكلي رئيساً حتى عام1954.

اعتزلَ فوزي سلو العملَ السياسي، وتوفيّ عن عمرٍ يناهزُ 67 عاماً وذلك سنةَ 1972.

البطل محمد إيبو شاشو:

يُعدُ المُجاهدُ الكردي محمد إيبو شاشو من الوجوه البارزة في قيادة نضال الشعب السوري ضدّ الاحتلال الفرنسي،  ويقولُ عنهُ المؤرخون: بأنهُ أولُ مَن أطلقَ الرصاص على الفرنسيين في سوريا. فهو من مواليد قرية( باسكا) عام 1881م، الواقعة على سهل(ليجة) على الحدود السورية التركية، اجتمعَ محو ورجالٌ آخرين في حيّ(آغيول)  بمدينة حلبَ، وقرروا مُحاربةَ الفرنسيين، واتّخذوا من سهل( العُمق) ليبدأ نشاطاتهم ضدّ الفرنسيين.

وعن فترةِ نضاله يقولُ الكاتبُ” أدهم آل جندي” في كتابه( تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي)، 1960م: إنّ المجاهدَ البطلَ( محو إيبو شاشو الكرديّ) أطلقَ الرصاصةَ الأولى في وجه الفرنسيين المُستعمرين، وكانت مجموعتهُ نواةَ المجموعات السوريّة، وقد أرسلتِ الحكومةُ المحليّةُ في” حارم” قوّةً من الدركِ لمُلاحقتهِ فتوارى عن الأنظار، ولكنّ الجنودَ ساقوا زوجتَهُ أمامهم عائدين إلى حارم، فثارَ محو واستأسدَ في سبيل الكرامة والشّرف، وتبعَ رجالَ الدركِ حيثُ دارتْ بينهم معركةٌ أسفرتْ عن مصرع بعض الجنود الفرنسيين، وهربَ الباقون،  عاد محو مع زوجته.

بعد هذه الحادث أُمدَّ محو بكميّةٍ من البنادق والقذائف والعتاد وانضمّ إليه أفرادٌ آخرون، فجرّدَ الفرنسيون قوّةً مؤلفةً من أربعين جنديّاً لمُطاردته مع رفاقهِ لكنهم تصدّوا لهم ببسالةٍ، فانسحبَ الجنودُ هاربين، واتّخذَ من جبل( خاستيا وقازقلي)في منطقة عفرين مخبأً لهُ ولرفاقهِ، وتجمّعَ حولهُ أكثرُ من أربعين مجاهداً، ثمّ قادَ هجوماً على قافلةِ نقلٍ عسكرية كانتْ تجتازُ سهلَ العمق، انتهتْ بالحرق الكاملِ، وبالتحالفِ مع مُجاهدينَ هاجموا من منطقتَي عفرينَ وحارم بتاريخ22/1/1920 هاجموا مخفرَ قرية” الحمام” في منطقة عفرين، وفي النهاية استولوا على المخفر بعدَ مقتلِ قائد الحامية والمُلازم دولونلاي، ثمّ أرسلتْ القيادةُ الفرنسيةُ قوّةً بقيادة الكابتن” دروهيل” لمُطاردة المُجاهدين، لكنّ المُجاهدينَ البالغ عددهم ستمائة ومعهم” محو إيبو شاشو” هجموا على القوة الفرنسيّة المُتمركزة في القرية بالرشّاشات، فسقطَ منهم50 شهيداًو17 أسيراً.

ويُقالُ إنّ الطائراتِ الفرنسيةَ شاركتْ في إحدى المعارك ضدّ مُجاهدي محو، وفي منتصف ليلة23/1/1939 هاجموا منزلَ المُستشار الفرنسي في “إعزاز” ودارتْ بينهم معركةٌ حامية امتدّتْ حتى الفجر، وبسبب شراسة المجاهدين في القتال اضطّرتِ القواتُ الفرنسيّةُ الاستنجادَ بحاميتها المتمركزة في “حلبَ” بقيادة الكولونيل” دوشى ليون”، وكذلكَ بقواتها المتمركزة في قرى” قطمة” المجاورة، وفي هذه الأثناء شاركتِ الطائراتُ الفرنسيّةُ في الهجوم على مُقاتلي” محو” الذينَ استطاعوا إسقاطَ طائرةٍ منها.

 ونتيجةً لتواطؤ أحد أقربائهِ وبعض الأغوات، أُغتيلَ محمد غدراً في باب مغارةٍ كانَ قد اتّخذها مقرّاً له قُربَ قرية( تتران) في منطقة عفرين، بعد أن استبسلَ في مقاومة الفرنسيين، وكان النواةَ الأولى للثورة السوريّة فيما بعدُ.

أحمد بارافي:

ينحدرُ أحمد بارافي من عشيرة البارافيّة الكُرديّة، التي تقطنُ في(دشتا بارافيا)، في مدينتي خانك وخضّور بين نهري دجلةَ والفرات. وإنّ كلمةَ البارافية تعني( بجانب المياه)

ونتيجةً لتلك الضغوط العثمانيّة هاجرتْ عائلتهُ واستقرّتْ في مدينة دمشقَ، وتحديداً في حيّ الأكراد( ركن الدّين)، واختارتْ عائلةُ البارافي سوريا موطناً دائماً لها.

أمّا نشأتهُ فقد تربّى في جوّ وطنيّ مُفعَمٍ بالثوريّة، حيثُ كان سبباً مباشراً لحماس البارافي في مقاومة الوجود الفرنسي في سوريا ولبنانَ بكلّ قوّةٍ. لم يتخّذ مكاناً محدّداً للمقاومة، بل تحوّلَ من منطقةٍ إلى أخرى. الثّابتُ في تنقّلاته هو هدفٌ واحدٌ: ضرب تواجُد الجيوش الفرنسيّة على الأراضي السوريّة، لذلكَ وعندما أصدرتِ السُلطاتُ الفرنسيّةُ في دمشقَ العفوَ عن جميع الثوّار، استثنتِ البارافيّ، لكنّهُ غامرَ وقدمَ إلى دمشقَ برفقة سلطان باشا الأطرش.

كانَ رفيقاً ولصيقاً لسلطان باشا الأطرش وللشيخ مصطفى الخليلي زعيم ثورة حوران، ومحمد سعيد داري وسعيد العاص وغيرهم. هو بطلٌ من أبطال الثورة السوريّة الذينَ ضحّوا بكلّ ما يملكون لأجل دحر الاستعمار وإجلائه عن أرض الوطن الذي طالما بقيَ هاجساً لكلّ أبنائه.

ولدَ في حيّ الأكراد 1898، والتحقَ بسلك الشرطة( أو الدرك كما أطلقَ عليه الفرنسيون) في وقتٍ كان الاتراكُ لا يزالون مُسيطرين فيه على دمشقَ، وتخرّجَ كصفّ ضابط، وعُيّنَ في مخفر الغزلانيّة.

وبعد أن نجحتِ العشائرُ العربيةُ والثوّارُ الذين كان يقودهم فيصل الحسين في طرد العثمانيين من دمشقَ، سارعَ البارافي( وهو كان في العشرين من عمره مُرتدياً زيّ الدرك وبرتبة عريف) فسبقَ جميع الناس وصعدَ إلى سطح سراي الحكومة فأنزلَ العلم التركيّ ورفعَ مكانهُ العلمَ العربيّ على سارية سراي دار الحكومة في دمشقَ. وعندما تشكّلت حكومةٌ وطنية، عُيّنَ العريف أحمد البارافي رئيساً لمخفر الدرك في قطنا.

وبعد أن احتلّ الفرنسيون لبنانَ وانتشرَ جيشهم في أرجائهِ، تركَ البارافيُّ سلكَ الدركِ وانضمّ هو وأخوه  عبد القادر، ومعهم 50 فارساً كرديّاً من قوميته إلى قافلة الوطنيين الذين بلغَ عددهم 1000 فارسٍ من العرب والكُرد والشّركس وغيرهم مثل الأمير محمود فاعور والمجاهد أحمد مريود والذين يعدّون العدّةَ لمُقارعة الفرنسيين في داخل الأراضي اللبنانيّة.

حيثُ احتلّ الفرسانُ منطقةَ مرجعيونَ وواجهوا القوى الفرنسيةَ في مناطقَ لبنانيّة أخرى مثل راشيا والصويرة وشتورا وأنحاء البقاع اللبناني، وألحقوا خسائرَ فادحة بالفرنسيين، إلى أن أصدرَ الملكُ فيصل أمراً برجوعهم إلى مراكز تجمّعهم في قطنا بعد شهرين من مقاومتهم في لبنانَ، وذلكَ انتظاراً لما سيقومُ به الملك فيصل من تفاهمٍ مع الفرنسيين. وخطّطَ لاغتيال الجنرال الفرنسي غورو في قطنا أثناءَ قيامهِ بزيارة قطنا. وساعدَ الثوّارَ بسلاحٍ وأعمالٍ لوجستيّة وقامَ بمُلاحقة الجواسيس وعُملاء الجيش الفرنسيّ، وشاركَ في ثورة قطنا وثورة جبل العرب، لكنّ أكبرَ معركةٍ خاضها ضدّ الجيش الفرنسيّ كانت في بيته الواقع في ركن الدّين، القابع على سفوح جبل قاسيون المُطلّ على مدينة دمشقَ،  وكانتِ المعركةُ التي خاضها من بيتهِ والمُحاصَر بالقوّات الفرنسية من المعارك البطولية المُشرّفة التي تُذكَرُ باعتزازٍ، فقد استبسلَ فيها رغمَ عدم التكافؤ، واستطاعَ أن يقتلَ عدداً من المهاجمين بينهم ضابطٌ فرنسيّ.

ثمّ نزحَ إلى شرق الأردن ومن هناكَ سافرَ إلى فلسطينَ من أجل أن يتصّلَ ببعض الشخصيّات الوطنية فيها، وعاد ثانيةً إلى عمّانَ إلى أن اجتمعَ المجاهدونَ، واتّخذوا خيارَ الرجوع ثانيةً إلى دمشقَ بعد أن استكملوا تجهيزَ العدد المطلوب من الثوّار، والتقوا جميعاً في منزل زعيم جبل العرب سلطان باشا الأطرش، وقرّروا مُهاجمة محطة الدبر، بعدَ أن علموا بأنّ مندوبَ المفوّض السّامي يستقلّ القطارَ من درعا باتّجاه دمشقَ.

وبعدَ معركةِ عين ترما التجأ ثانيةً إلى شرقي الأردن، وبقرارٍ من الأمير عبد الله تمّ توظيف عددٍ من هؤلاء في دوائر حكومتهِ رغمَ اعتراض المستعمر الإنكليزيّ على القرار، وعُيّن بارافي في سلك الدرك، إلاّ أنّ قرارَ العفو الذي أصدرهُ المفوّض الساميّ الفرنسي في دمشقَ بحقّ الثوّار، ورغمَ أنهُ استثنى بارافي من العفو، غير أنهُ عادَ إلى بلدهِ دمشقَ وبرفقة سلطان باشا الأطرش دخلَ إلى دمشقَ، الأمر الذي أحرجَ الفرنسيينَ، وأُعفيَ عنهُ أيضاً.

تحقيق: سليمان محمود

زر الذهاب إلى الأعلى