المجتمع

من هنا سنبدأ . . .

رودي رشيد

    هذا ما يمكنُ أن تراه في عيني محمود ومحمد أمين، مُعلمَي اللغة الكردية في مدرستي ليلان وخربة الذيب التابعتين لمدينة تربسبيا ( القحطانية ). عندما رأيتهم في ذلك اليوم حيث كانوا يقومون بتدريب التلاميذ على الغناء والتمثيل لعمل حفل مشترك بين أربعة مدارس، بغيةَ رفع الروح المعنوية للطلبة وإخراجهم من جوّ الكآبة المحيط بهم ودمجهم في فصل الربيع الذي يعيشون فيه.

 محمد أمين، معلم اللغة الكردية في مدرسة خربة الذيب الريفية: شاركتُ بالتنسيق بين أربع مدارس لإقامة هذا الحفل الربيعي في مدرسة القرية(خربة الذيب)، وذلك بغية بثّ جوّ الفرح والسعادة بين الطلبة، وتعليمهم الفنّ والفلكلور الكردي الذي طالما كان غائباً عنهم في المدارس.

أمّا محمود، معلم اللغة الكردية في مدرسة ليلان: أنا من مدينة تربسبيا وأدرّس في مدرسة ليلان، وقد ساهمتُ في التنسيق مع زملائي لعمل حفل مشترك بين أربع مدارس. مساهمتي أيضاً كانت في تأليف بعض الأناشيد ومسرحية تحكي عن الأخوّة واللغة والربيع والغد المشرق. وأنا أساهم حالياً في تدريبهم ليتمّ الحفل بنجاح واحترافية. وقد ساعدتنا (جاند وهونر ) مشكورتين في تأمين الآلات الموسيقية.

الأطفال بدورهم كانوا مندمجين بالنشاط بشكل إيجابي، فالابتسامات كانت تملأُ شفاههم. وقد أبدى الأطفالُ سعادتهم بمثل هذه النشاطات وخاصة مع وجود آلتي العود و الدفّ. مبدين رغبتهم في تشكيل فرقة للمدرسة خاصة بالغناء والرقص المدرسي ومقترحين أن تكون هناك منافسة في هذا المجال بين جميع مدارس الكانتون.

” مديرية التربية هي التي تشجعنا لعمل هذه النشاطات “. هذا ما قالته لي سوسن مديرة المدرسة، بابتسامة تملأ وجهها ومسترسلة في القول: ” الطلبة لم يكن لديهم حكايات إلا حكايات الحرب و القصف فقد فقدوا معنى الطفولة. وقد أرتأينا إن مثل هذه النشاطات هي تحفيز لهم لتغير منظورهم للحياة وتعزيز الأخوة والصداقة بينهم. علماً بأن هذا النشاطَ ليس النشاطَ الأول ولن يكون الأخير تبعاً لفوائده النفسية المكتسبة من قبل الطلبة. نشاطنا هذا مشترك بين أربع مدارس هي: مدرستنا خربة الذيب و ليلان وحماره وسيحه صغيره. حيث سيتم تقديم أغنيتين ومسرحية من قبل كل مدرسة”. ثم أكملتْ مبتسمة: “هذه الأنشطة لن تؤثر على مستوى التعليم لدينا، لأن لها وقتاً مخصصاً لدينا. أمّا تقبّل الأهالي لنشاطاتنا هذه فهو تدريجي وإيجابي”.

 ” كنا متوجّسين في البداية من تأثير هذه النشاطات على الوقت المخصّص للدراسة . لكن بعد ما رأيناه من تأثير إيجابي على الطلبة ونفسيتهم. فسابقاً كان يأتي الأولاد من المدرسة متأففين ويشكون من نقص الكتب وعدم وجود أي مواد ترفيهية عدا الرسم والرياضة. أما الآن فقد تحول الطلاب إلى الالتحاق بالمدرسة بشكل تدريجي. وحتى لا يقال إن الكلامَ فيه نفاق فإن كل شيء في بدايته يعدّ صعباً لكن دور الأهالي مكمّل للكادر التدريسي ومشجع لهم”.  هذا ما قالته لي أم أحمد عن نظرتها للمدرسة والنشاط المقام بها.

ختاماً أخبرني محمود عن بعض طلبته بحماس شديد، حيث أنّ لهم مواهب عديدة ، معبراً عن رغبته في تنمية هذه المواهب لتصبح شموعاً منيرة في أرض روج آفا. وهذا سيكون بالتنسيق مع مديرية التربية التي لا تنفك تتعاون معنا في شتى المجالات.

لا أخفيك عزيزي القارئ بأنّ من قرأ ليس كمن رأى، فقد استقيت من شفاه وحماسة أولئك الأطفال المستقبلَ المشرقَ الذي يتوعدنا به معلموهم.

بعد مغادرتي للمدرسة رأيت الحقولَ التي كانت يابسة فيما مضى وقد دبت فيها الحياة نتيجة للأمطار ولاهتمام المزارعين بها، فطوبى لمن زرع ليحصد غيره، وطوبى لمن يؤسّس الإنسانَ لكي يحيا بعلم وسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى