تقارير

الشائعات- حرب نفسية تهدد المجتمعات

121تحقيق مصطفى عبدو

بين الحين والآخر نسمع إشاعات تبث وتنشر أكاذيب تتسبب في إشعال نار الفتن بين الأفراد والمجتمعات على حدٍ سواء, فالشائعات واحدة من أخطر وسائل الحرب النفسية وأقواها تأثيراً, لأنها تستهدف الروح المعنوية للإنسان, وهي على الأغلب تطلق في ظروف قابلة للتصديق, إلا أنها لا تحمل طابع التأكيد ولا يعرف مصدرها الحقيقي, ولكن ضحاياها قد يتلقونها من أصدقائهم أو معارفهم الذين ينتقلون ويصورون الشائعة على صورة الخبر الصادق.

يقول البعض بأن الشائعات عبارةٌ عن مثيرٍ مباشرٍ لأفكار الناس ومشاعرهم وعواطفهم وانفعالاتهم وسلوكياتهم سلباً أو إيجاباً تجاه حدثٍ معين, أو روايات تناقلها الناس وتفاعلوا معها نفسياً دون التأكد من صحتها. ويقول آخرين: الإشاعة ظاهرة غامضة فهي تطير وتزحف وتركض وتنطلق متعرجة وهذا ما يجعلها أشبه بحيوانٍ مفترسٍ سريع الحركة من المتعذر أسره أو حتى تعيين انتمائه لفصيلة معينة. بينما آخرون يرون بأن الشائعات أبعد ما تكون عن الغموض إذ أنها تخضع لمنطقٍ صارمٍ من الممكن تفكيك آلياته وبالتالي القضاء عليه.

الشائعات الحرب المعنوية والنفسية

هذا وتعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة التي تهدد المجتمعات, حتى إن بعض الدول تستخدمها كسلاحٍ فتاك له مفعولٌ كبيرٌ في الحروب المعنوية أو النفسية التي تسبق الآلة العسكرية, ولا يتوقف خطرها عند هذا الحد فحسب بل تتعدى ذلك لتصل إلى الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية. وهي ليست ظاهرة حديثة فكثيراً ما استخدمها الإنسان لزعزعة الأمن والاستقرار على مر العصور بأشكال وألوان وملامح كل زمان.

أهداف الشائعات:

تستهدف الشائعات أموراً كثيرةً، لذلك يمكن تسميتها بـ (بلسم الحرب المعنوية والنفسية)، وتكمن خطورتها أنها تستخدم ضد أشخاصٍ وأفرادٍ معينين فتجذبهم إليها ليصبحوا أدوات لانتشارها دون أن يدركوا مدى خطورتها، ويمكن تلخيص أهداف الشائعات كالآتي: إضعاف الروح المعنوية للمجتمع المدني أو العسكري وإشعال الفكر الإنساني أو تعطيله عن التعامل مع حقائق الأمور وذلك بالتفاعل مع الشائعات وتصديقها والترويج لها.

إضافة إلى زرع الريبة والشك في نفوس أفراد المجتمع الواحد, مع التشكيك في رموز وقيادات المجتمع والسعي لزعزعة الثقة بين فئات المجتمع المتعايشة, كما أنها تهدف إلى زرع الفتنة وبث الفرقة وتعميق الفجوة بين مكونات المجتمع، ونشر القلق والخوف في نفوس الناس, مع بث روح الهزيمة النفسية بين الأفراد ليسهل بعد ذلك اختراقها والتحكم فيها، كما أنها تهدف إلى نشر الأفكار المنحرفة والمعتقدات الفاسدة والأخبار الكاذبة في أوساط المجتمع المفكك.

مصادر الشائعات:

الكل يعرف بأن سوق الشائعات في منطقتنا وخاصة في الفترة الراهنة يمتاز بالمزيد من الرواج حيث تتنوع الشائعات, فقد تكون شخصية أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها. إلا أن تأثيرها يصيب الناس بالقلق مهما كان، كما أن مصدر الشائعات غالباً ما يكون مجهولاً فحينما يُرَّوِجُ شخص شائعة ما وتسأله عن مصدرها يقول لك سمعتها، أو هكذا يقولون.

علماً أن الشخص المروج للشائعة أما أن يكون حاقداً أو جاهلاً أو مستفيداً أو له غاياتٌ أخرى, وخير دليل على ذلك ما نعيشه اليوم وما نراه في هذه الفترة العصيبة من حياتنا حيث يستغل البعض الأخبار لإثارة الشائعات عمداً وذلك لإحداث حالة من الخوف والقلق عند الناس ليشعروا بالفوضى وعدم الأمان. لذا نجد بعض الناس يقولون:” إن النظام السابق كان أفضل فعلى الأقل كان كل شيء متوفر”, وهذا هو مطلب الثورة المضادة.

وتنتشر الشائعات وينشط مروجوها في أوقات توقع الخطر, وهي أوقات الحروب والأزمات لأن الناس يتوقعون كل شيء خلال هذه الأوقات, وهذا هو سبب انتشار الشائعة لأن الناس في هذا الوقت عندما يسمعون أية معلومة يتناقلونها فيما بينهم دون التحقق من صحتها.

ماهية الشائعة وكيف تُنْشَّر؟

الشائعة خبرٌ لا أساسَ له من الصحة, أو خبرٌ صحيحٌ تم إضافة معلومات مغلوطة له، أو خبر صحيح تم التهويل فيه، أو خبر صحيح تم الحذف منه، أو خبر صحيح وتم التعليق عليه بطريقة مغايرة لحقيقته.

تخرج الشائعة بأسلوب التشويق, ويستغل صانعها ومروجها قلق الناس وأزماتهم، وكلما كان الاتصال أسهل كلما انتقلت الشائعة لمسافة أبعد, وهي تنتشر أكثر عند وجودِ فراغٍ نفسيٍ يجعل الناس يسرعون في تقبلها, وكذلك عند عدم وجود مصادر موثوقة عن موضوع الشائعة. وهنا يأتي دور الإعلام، كما أن ووسائل الاتصالات الحديثة تساعد على انتشارها بشكلٍ أكبرٍ إلى جانب انخفاض مستوى ثقافة المجتمع ودرجة تفسيره للشائعة قد تساهم في انتشارها بشكلٍ أكبر.

مراحل انتشار الشائعة

الاستقبال ثم التأثر بها, ثم الاستيعاب والتذكر, يليها التفاعل والنقل والوصول إلى الغاية.

أساليب مقاومة الشائعات:

يجب عدم إذاعة الأخبار والمعلومات وخاصة المعلومات العسكرية منها, ونفي الشائعة المسموعة بالاستناد إلى الحقائق, وهنا يأتي دور التثقيف (ثقافة المجتمع) عن طريق عقد الندوات والمحاضرات في التوعية والإرشاد النفسي, ويجب إيلاء موضوع الشائعة أهمية أكبر وخاصة في روج آفا، وتنمية شعور الثقة بالنفس, والمصارحة بين المواطن والمسؤول وغرس القيم الخلقية لرد المبادئ الانهزامية إلى جانب كل ذلك يجب تلافي النقص في المادة الإعلامية المضادة للشائعة, وتقوية العلاقات بين جميع مكونات المجتمع, وتوظيف الإعلام في مهمة توعية الأفراد والمجتمعات, وضرورة التيقظ للشائعات التخريبية الهدامة وخاصة في أوقاتنا هذه حيث نعيش أزمات عدة.

الإشاعة يؤلفها الحاقد وينشرها الأحمق ويصدقها الغبي

رياض يوسف- إعلامي:

“لا تصدق الشائعات وبلغ عن مروجيها؛ من تدابير أمن الأفراد” عبارةٌ لا زالت عالقة في ذاكرتي مذ كنت في خدمة العلم (الجيش) حيثُ كانوا يحذروننا بشكل دائم من الشائعات وتأثيرها السلبي على الفرد والمجتمع ككل.

لإثارة الشائعة أهدافٌ ومآربَ كثيرة تتنوع تماشياً مع مبتغات مثيريها, وكوننا نمر بمرحلةِ أزمةٍ سياسيةٍ وعسكرية وأمنية في منطقتنا, فالشائعة ذات الأهداف والخلفية السياسية هي التي تأخذ الحيز الأهم في هذه الفترة, حيث تهدف إلى خلقِ إرباكٍ في الطرف المعني بالإشاعة.

والشائعة السياسية يصنعها الحاقد على الطرف السياسي الآخر, بقصد تشويه سمعته وضرب منجزاته ليخسر بالنتيجة الجمهور والمؤيدين من حوله، والمجتمع الغير متعلم والغير واعي والذي لا يتابع الأحداث جيداً يكون بيئةً جيدةً خصبةً ومناسبة لترويج الشائعات, كما أن عدم وجود طرف مخول بالرد على شائعة معينة يزيد من لهيبها ويبعد عنها الشكوك والأقاويل. ونحن في روج آفا نتعرض لأبشع أنواع الشائعات وأكثرها دراسةً وتوفراً للأرضية الخصبة التي تعتمد على بعض الشخصيات والأحزاب المنطوية في الائتلاف الوطني السوري, ومن ضمنهم بقايا المجلس الكردي, حيث يقومون بتسخير بعض ضعيفي النفوس في روج آفا، ويقومون بدعمهم مادياً ومعنوياً ويسخرون لهم وسائل الإعلام المتنوعة ووسائل التواصل الاجتماعي, كما يوفرون الأهمية للشائعة وكذلك الغموض وذلك ليتمكنوا من إقناع أكبر عددٍ ممكنٍ من أبناء البلد بهذه الشائعة, وبذلك يكونوا قد بذلوا جهداً ليضيفوا نقطةً سلبيةً على سجل المقصود بالإشاعة.

لا أحد ينكر أن للشائعة أثارٌ نفسيةٌ وحسيةٌ بالغة, وهي بمقدورها القضاء على مجتمعاتٍ كاملة إذا لم تواجه من قِبَلِ أطرافٍ واعية. وتزداد خطورتها إذا كانت هناك جهة تزيد إسعار نار الشائعة طلباً لمبتغياتها وما أكثرهم في مجتمعنا, فهي التي تجعل من الخطأ صواباً ومن الصواب خطأ, وبانتشارها وسيطرتها على عقول بعض المصدقين قد تغير في سلوكياتهم وفي التعاطي مع أمور معينة، فبالنهاية الشائعة أو الإشاعة يؤلفها الحاقد وينشرها الأحمق ويصدقها الغبي وعليك أيها القارئ ألا تكون من هؤلاء الثلاثة.

الإشاعةُ سلاحٌ هزيلٌ أمام المقاتل الذي يصنع من الموت حياة.

الأستاذ نذير خلف:

للشائعات بمختلف أنواعها أخطارٌ جسيمةٌ, وتكون فترة الحروب والأزمات تربة خصبة ملائمة لترويج الإشاعات المغرضة لتدمير معنويات المقاتلين وغيرهم. وخاصةً إذا طالت فترة الحرب أو الأزمة وبقيت الأحداث محاطة بهالة من الغموض، فتبدأ الهجرة إلى خارج أسوار الوطن، ويبدأ البحث عن ملاذٍ آمنٍ في بلاد الشتات والقسوة, وتحقيق حلم الراحة وحلم الخلاص والطمأنينة, وهذا طبعاً يؤدي في نهاية المطاف إلى تفشي الروح الانهزامية لدى الأفراد, وقد حصل من هذا الأمر الكثير في أغلب بلدان هذه الكوكب لتمزيق وحدة الصف, وزع روح الاستسلام وتشويه الحقائق التاريخية “الطابور الخامس في اسبانيا مثلاً”.

فالإشاعة سلاحٌ فتاكٌ لكنه في نفس الوقت هزيلٌ أمام المواطن الواعي المثقف, والعسكري المحارب الذي خاض الحروب القاسية وتغلب عليها في ظروفٍ سيئةٍ كونه يعرف تماماً المعنى العميق للحياة والموت في سبيل الوطن.

مع كثرة الشائعات لم تعد الحياة تطاق

مازن شابو- مغترب

الشائعة تدخل في نطاق الكلام الذي ينقل ولا أصل له, ولكنها تثارُ لأغراضٍ يهدف إليها مروجوها، ومعظم الشائعات التي تثار في هذه الآونة ليست ذات قيمة وخاصة تلك التي تُثار على مواقع التواصل الاجتماعي “التويتر والفيسبوك وغيرها” وتنال أو تحاول النيل من بعض الرموز السياسية أو الوطنية أو ترويج شائعة تمس المجتمع أو مؤسساته. وإن كان تأثير بعضها ضعيفاً إلا أن هناك نوعاً من الشائعات له خطورة كبيرة في التأثير على المجتمع.

كما أن الشائعات شأنها شأن الدعاية فهما أسلوبان هدامان يحدثان أضراراً سلبية داخل المجتمعات عن طريق إثارة الغرائز واستغلال العواطف لإحداث فتنة داخل المجتمع, والغرض منها أن تصل المعلومة التي يريد مروجوها أن تنتشر بين الناس بأسلوبٍ فعّال, وبذلك تكون النتيجة إيجابية لديهم وسلبية على المجتمع، فالشائعة غالباً ما تكون هامة لأنها تلعب على وتر احتياجات الناس في محاولةٍ لإحداث التأثير الإيجابي لمروجيها خاصةً في أوقات الأزمات. فلو تُرِكَ المجال لكل من شاء أن يقول ما شاء وفي أي وقت شاء لأصبحت الحياة لا تطاق.

رأي الاخصائيين الاجتماعيين حول الشائعات

يرى بعض الاخصائيين الاجتماعيين أن الشائعات سلوكٌ اجتماعيٌ يمارسُ لتسليط الضوء على مشكلاتنا, وإبراز الجوانب السلبية فيها، وأشار الاخصائيين إلى أن الإقبال الكبير للمواطنين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يكشف بجلاء تأثيرها في انتشار الشائعات. واقترح الاخصائيين الاجتماعيين أن يكون الدواء من أصل الداء أي أن يتم انتهاج الرد الفوري على الإشاعة, وتقديم الأدلة والاثباتات على عدم مصداقيتها. واليوم كل هيئات ومؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية لديها حسابات, أو بدأت في إنشاء حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن بعض الوزراء لديهم صفحات شخصية وبعض المتحدثين الرسميين لهم حسابات عبر هذه الوسائل.

 ولا ينكر نجاح بعض الهيئات في هذا المجال حيث يتم نشر جميع النشاطات التي قامت بها مع النواقص وقلة الإمكانات، ولفت بعض الإخصائيين على أهمية الحرص على قياس نوع الشائعة وتحديدها لمعرفة كيفية التعامل معها سواءً بتجاهلها لعدم أهميتها أو تتبع مصدرها, أو الرد بتصريحٍ رسميٍ يحدده المسؤول. وشدد الاخصائيون على الدور الكبير لوسائل الإعلام في إيضاح المعلومات وإيصالها بالشكل الصحيح، ووجوب تخصيص ناطقين إعلاميين يعملون على إيضاح ما قد يتم الاستفسار عنه.

رأي المحرر

لقد كانت الشائعة قديماً تنتشر وتأتي بمفعولها وتصل إلى أعداد من الناس بعد فتراتٍ طويلةٍ, وكانت تتأثر بالبيئة والمكان وأعداد الناس الذين سمعوها وتناقلوها, أما اليوم فالشائعات تنتشرُ بسرعةٍ تفوقُ سرعةَ الصوت وسرعة الضوء حتى. ويكون انتشارها على مدى واسع وفي وقتٍ قصيرٍ جداً, وذلك بسبب الاتصالات الحديثة كالإنترنت والهاتف الجوال والفضائيات والصحف والمجلات, فكم من أخبارٍ كاذبةٍ ومعلوماتٍ خاطئةٍ أو اتهاماتٍ باطلةٍ وشائعاتٍ مغرضةٍ تنشر في هذه الوسائل. ودون أن نتأكد من صدقها نقوم بالمشاركة في نقلها, ودون أن ندرك مالها من تأثيرٍ هدامٍ على الأفراد والمجتمعات لذلك ينبغي أن ندرك خطورتها، وأن نحسن الظن بالآخرين وأن لا نتحدث بكل ما نسمعه ونقوم بنشره، نعم؛ قد تكون بعض الشائعات حقائق وربما أخطاء وقع فيها أفرادٌ أو جماعات أو مؤسسة ما, وهنا يظهر الروح الوطنية لدى المواطن الحق الذي ينظر إلى المصالح والمفاسد ويرد الأمر ويسأل أصحاب الرأي والمشورة وأصحاب القرار. فيجب أن لا ترهبنا الشائعات ولا تخيفنا الأقاويل ولا تضعفنا الافتراءات والأكاذيب.

زر الذهاب إلى الأعلى