مقالات

الحصار الاقتصادي على مناطق الإدارة الذاتية من المستفيد؟!

ياسر خلف      

هناك الكثير من الأحداث التي يمكن مقاربتها وتقييمها في مجال الاقتصاد، وخاصة أن هناك أزمة اقتصادية تكاد تكون عالمية وتحديداً في السنوات الأخيرة التي شهدت ركودا اقتصادياً عالمياً لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا، وقد تكون لجائحة كورونا والصراع على الهيمنة العالمية النصيب الأكبر المسبب لهذه الأزمة. أما على صعيد الشرق الأوسط فبالإضافة الى جائحة كورونا؛ هناك العديد من الأزمات البنيوية التي تستهدف بنيانها الاقتصادي والتي تسببت في شلل شبه تام من الناحية الاقتصادية كلبنان وإيران وتركيا والعراق وسوريا. بطبيعة الحال قد يكون هذه الشلل الاقتصادي انعكاسا للتفاهمات والتناقضات والمواقف التي خرجت من كواليس السياسة الدولية الى النور والتي تشابه إرهاصات الحرب الباردة أو الناعمة بين أقطاب الهيمنة العالمية على منابع ومصادر الاقتصاد والتجارة العالمية وإعادة فرز وحلحلة الاحلاف والتكتلات القديمة وخاصة مع اقترابنا من انتهاء مئوية المعاهدات الدولية كـ “سايكس بيكو ولوزان”  وهذا ما يتطلب تقييمها وقراءتها بشكل معمق والإلمام التام بكافة مخرجاتها وتأثيراتها على مناطق الصراع والأزمة الموجودة في عموم الشرق الأوسط وعدم النظر إليها بشكل مرتجل ومختزل ومنفردة عن محيطها الإقليمي والدولي وبشكل أكثر تحديداً الصراع الموجود على الساحة السورية وسعي كافة الأطراف المتداخلة فيها لكسب الوقت لخلق واقع وفرض أجنداتها خدمة لمصالحها وبسط وتوسيع نفوذها كإيران ونظام البعث في دمشق من جهة والاحتلال التركي وأدواته ومجاميعه الإرهابية والتي يبدو أنهم متفقون فيما بينهم لمحاربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ومحاولة عزلها بشكل تام وخنقها اقتصاديا مترافقا باستهدافها معنوياً عبر الحرب النفسية والدعائية والاستخباراتية لإثارة الفوضى عبر العملاء والخلايا النائمة وتشويهها من النواحي الإدارية والمؤسساتية وخاصة عبر استغلال النواحي الاقتصادية واحتياجات السوق المحلية لبعض السلع التي فقدت نتيجة الحصار الاقتصادي الخانق على مناطق الإدارة الذاتية.

 فكما هو معلوم يُعدُّ الحصار الاقتصادي من أشد أسلحة الحروب الاقتصادية فتكاً وذلك من خلال منع دخول وخروج السلع للمنطقة المحاصرة اقتصاديا بفرض حصار ممنهج براً وجواً وبحراً وما يترتب عليه من نقص في الأدوية والغذاء، وبالتالي نتائج اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى مثل المجاعات والأمراض، ومن ثم يليها الضغط السياسي لفرض أجنداتها وشروطها لخلق واقع جديد من بوابة الحرب والحصار الاقتصادي بعد الفشل في فرضها بالحرب المباشرة وهنا ينبغي التنويه إلى أن هذا الحصار الخانق جرى الترتيب والتمهيد له في أقبية الاستخبارات واللقاءات البينية التي جرت مؤخراً في مدينة العقبة الأردنية والتي شارك فيها معنيّون من قاعدة حميميم ومن لبنان والعراق ومنطقة درع الفرات على مستوى العسكريين وضباط الأمن والمسؤولين، ورغم نفيها من قبل الأردن لكن ما تمخض من لقاء أستانا الأخير يؤكد وبدون مجال للشك أن هذه التفاهمات الأمنية والاستخباراتية قد تم التمهيد لها مسبقاً وخاصة أن مخرجاتها كانت تنص بشكل صريح على استهداف مناطق الإدارة الذاتية، وهذا ما تم فعلياً عبر فرض الحصار الاقتصادي من قبل النظام السوري بالتزامن مع إغلاق المعابر مع العراق وإقليم كردستان “معبر فيش خابور والوليد” علماً أن هجمات المجاميع الإرهابية والخلايا الداعشية لم تتوقف لحظة واحدة من استهدافها لمناطق شمال وشرق سوريا؛ بل على العكس فقد تم اسناد هذه الهجمات باستهداف مباشر للطائرات المسيرة التركية للمدنيين في كل من كوباني وقامشلو والذي تسبب باستشهاد وإصابة العديد من المدنيين بينهم نساء وأطفال وكل هذا يتم أمام أنظار الضامِنَين الروسي والأمريكي فرغم بعض المواقف الصادرة عنهما بشأن الحل السياسي وضرورة مشاركة قوى الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في الحل النهائي للأزمة السورية “التصريح الأخير لوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بخصوص إيجاد فيدرالية مماثلة لإقليم كردستان والتصريحات الأمريكية المتكررة بالشراكة مع قوات قسد لمحاربة الإرهاب وتقديم الدعم لها ” ولكنها تبقى مجرد تصريحات ما لم يتم إيقاف العدوان الإرهابي والاستخباراتي لكل من تركيا والنظام السوري وإيران. إن ما يمكن التنويه إليه في هذه الفترة هو أن هذه النظم الاستبدادية آنفة الذكر ستستخدم كافة أوراقها للحيلولة دون حصول مكونات شمال وشرق سوريا على شرعية سياسية وحقوقية، وإبعادهم عن الحل النهائي للأزمة السورية، وقد تُقدِم على استخدام جميع الأساليب القذرة لنمع أي مقاربة دولية تكون قوى الإدارة الذاتية جزء منها، وهنا ينغي التأكيد أن الصمود أمام كل هذه الهجمات الإرهابية والحصار والحرب الاقتصادية يبقى الخيار الأنسب والأكثر قرباً لترسيخ دعائم الإدارة الذاتية وذلك عبر حملات التوعية وتمتين أواصر وقيَم العيش المشترك واتخاذ التدابير الاحترازية لمواجهة أساليب الحرب القذرة وأدواتها والعمل على تقوية الجبهة الداخلية عبر الحوار مع جميع القوى التي تؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية والثقافية من خلال تنظيم العديد من الندوات والمؤتمرات لقوى المعارضة الوطنية.

كما أن الاعتماد على الاقتصاد المجتمعي ينبغي أن يكون في سلَّم الأولويات لمواجهة الحصار والحرب الاقتصادية المعلنة من قبل ثالوث الإرهاب وتوابعهم، والقيام بتأمين المواد الأساسية عبر البيئة المحلية في ظل توفر الشروط والإمكانات اللازمة لإنتاجها، وهنا نظام الإدارة الذاتية والخيرات المتوفرة عاملان مهمان في تطوير هذه الناحية حتى يمكن سد الحاجة لبعض المواد وتبادلها مع ما هو غير ممكن وغير متوفر لتكون العملية صحيحة بشكل تام عبر جعل مبادئ الاقتصاد المجتمعي هي الأساس في تأمين الحاجات التموينية على وجه الخصوص لتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي الذي يتطلب تضافر جميع الجهود لتطويره وإنجاحه كنموذج للتنمية المستدامة واستراتيجية اقتصادية طويلة الأمد.

زر الذهاب إلى الأعلى