مقالات

الحروب الفيروسية

حنّان مامد 

يواجه العالم في مضمونه تغييرات بنيوية في مجالات عديدة وخاصة بمتغيرات الصراع الدولي الذي وصل إلى أوج تناقضاته الجيوسياسية والاقتصادية والايدولوجية، لقد عرف العالم منذ فجر التاريخ صراعات عسكرية غيّرت مجرى الإنسانية جمعاء وطمست حضارات وأظهرت أُخرى بحكم القوة العسكرية للقوى المتصارعة.

إن النمط الكلاسيكي العسكري الذي انتهجته معظم الدول والامبراطوريات والممالك سابقاً والتي كانت تحسم بعض القرارات والمتغيرات الاستراتيجية قد تغير بشكل جزئي إلى حروب فيروسية وجرثومية وسيبرانية، إذ إن هذه الحروب تعتبر أشدُّ فتكاً وخطورة، وبأقل التكاليف مقارنة بالحروب العسكرية التي تُكلف الدول المتصارعة وتُرهق الاقتصادات وتستنزفها في حروب قد لا تكون لها نتائج استراتيجية تريدها الدولة الغازية، كما أنها عابرة للحدود من دون أيّة عوائق بروتوكولية تمس الحدود السيادية للدولة المستهدفة على عكس النمط التقليدي العسكري عندما حصول مواجهة بين دولتين واختراق للحدود أو اجتياح وغزو.

نرجع بالأحداث قليلاً وبتحليلٍ بسيط للوضع العالمي والصراعات المخفية الكبرى بين الدول العظمى كأمريكا وروسيا والصين والعديد من الدول الكبرى ، نجد إن فجوة الخلافات، والتناقضات الاستراتيجية في توسع فيما بينهم، وجلّ تناقضهم هو الاتساع في السيطرة والنفوذ العالمي على مجمل ساحات السياسة والاقتصاد والعسكرة لأن المفهوم الذي يتجلى في ذهنيات تلك الدول هو “عندما تَقُل سيطرتك واتساع نفوذك يعني ذلك موتاً بطيئاً وتحجماً وتقوقعاً على جغرافيتك المرسومة جَراء الافرازات الدولية بعد الحرب العالمية الأولى”.

لذلك تُعد الحروب الفيروسية احدى أهم أركان الحرب الشاملة بين تلك القوى، حيث أن الحرب الفيروسية تُحقق عدة أهداف تتشابه في تحقيقها مع الأهداف التي تُحققها الحروب العسكرية، فالحرب الجرثومية المفتعلة من قبل تلك القوى والتي يتم خلقها من قبل أهم اباطرة الطب والمختصين في علم المكروبات والأمراض والأوبئة وفي مختبرات شديدة السرية.

إن أول شيء يتضرر منه حال ظهور فيروس في دولة ما هو الاقتصاد الذي يعد أولاً الهدف المراد تدميره وهو هدف استراتيجي للدولة الهادفة ضد الدولة المستهدفة بحيث يتم تسليط الضوء واتجاه القبلة الإعلامية نحو مكان الفيروس وتعمل آلة الحرب الاعلامية وتعبئة الرأي العام ضد المجتمع المستهدف وبشكل دراماتيكي ينكمش الاقتصاد وتتراجع قدرة المجتمع في السيطرة على الفيروس وتقُل الزيارات الدولية وتتقلص القدرة الاقتصادية كَكُل متكامل للمجتمع إلى حين تحقيق الهدف المرجو منه في تحطيم وانهيار المجتمع المستهدف بعد نشر حالة الفوبيا والرعب من ذلك الوباء والفيروس إلى حين ايجاد اللقاح المناسب والذي يكون جاهز الصنع، لأن من صنع الوباء قادر أيضاً على صنع اللقاح المناسب له لأنه يعرف تركيبة الفيروس بخلاياه الدقيقة.

ولكي لاندخل في متاهات الأوبئة والفيروسات وكيفية خلقها وايجاد اللقاحات المناسبة لها لأنها من اختصاص العلماء والاطباء، فنحن كأشخاص في مجال السياسة نربط ذلك بالحرب البيولوجية الشاملة والتي تعتبر من الجيل الخامس للحروب بعد الحروب التقليدية وحروب الوكالة والحروب الباردة والتجسسية وحروب العصابات ونمط المظاهرات واشعال الثورات، حيث أن الحروب البيولوجية وهي المصطلح الشامل أو الموسع للحروب الجرثومية والفيروسية وكما اسلفت سابقا بأنها اشد فتكاً كونها مدمرة على البشر والطبيعة بنفس القدر وتُحدث خللاً في التوازن البيولوجي والسيكولوجي في المجتمعات لبرهة من الزمن، ولها ذات التأثير الكارثي على المدى البعيد لكينونة المجتمعات.

لعل ظهور الفيروس الجديد مثل كورونا وانتشاره حول العالم يعد من احدى الأهداف التي يحاول نظام الحداثة الرأسمالية تسخيرها في سبيل تحقيق بعض الاهداف سريعة التحقيق في تدمير اقتصادات دول معينة ولعل ظهورها أو مكان انتشارها في الصين ومؤخراً ايران بشكل مخيف يجعلنا نفكر كثيراً ونحلل العلاقة الشديدة التوتر بين تلك الدول مع نظام الهيمنة المركزية العالمية بحيث تم خسارة أكثر من ٢٢ مليار دولار وتراجعت نسب الاسهم وحركة الطيران والغاء التجمعات الاقتصادية والمجتمعية وحتى الدينية ! مما أدى إلى تتدهور الحركة الاقتصادية بشكل مرعب في العديد من دول العالم.

بالنسبة لنظام الحداثة الرأسمالية إن عدم وجود حروب يعني تدمير بنيانها وتعطيب تسلسل هرميتها المبنية على ايجاد مكامن الضعف والقوة في العديد من بقاع العالم، فهي تحاول بشتى الوسائل أن تجد صيغة متوازنة في اضعاف مجتمعات على حساب تقوية دول معينة تكون مسخرة لخدمتها المتشعبة في ارجاء العالم.

لذلك وجدت في الحروب الفيروسية أو البيولوجية ضالتها في تدمير المجتمعات وعرقلة عجلة الاقتصاد واخضاع الدول المستهدفة لسيطرتها ونفوذها بغية تحقيق أهداف عظمى تريدها للسيطرة على العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى