مقالات

الثقافة والمثقف …

آلــدار آمــد

منذ الانفجار الكوني العظيم ونشوء الكواكب والمجرات وبداية تكوين الأرض ثم ظهور ملامح الحياة على الكرة الأرضية ومرورها بتحولات عملاقة عبر التاريخ الكوني وتطور الحياة البدائية البسيطة من وحيدات الخلايا إلى أشكال أكثر تعقيداً حتى ظهور الانسان البدائي الذي بدوره تأثر بشتى أشكال الحياة وتطورها رويداً رويداً حتى بدأت بعض خلايا دماغه بالعمل.

من المعلوم إن الانسان قد عاش ملايين السنين وهو في حالته القطعانية أو مجموعته الكلانية ونتيجة لذلك اكتسب خبرات ومعارف تجريبية عن كل شيء من حوله من الطبيعة بالإضافة إلى ما كان يحتاجه وخاصة الأفعال الغريزية مثل الجوع والتكاثر، إن اكتساب هذه المعارف والخبرات والحفاظ عليها وممارستها في حالات مشابهة أصبحت لديه عادة يعود إليها كلما كانت الحاجة إليها ومع مرور الزمن تشكلت لدى كل مجموعة أو كلان أو عدة مجموعات أو كلانات مجموعة من العادات والمعارف التي تراكمت وسميت في مراحل لاحقة بثقافة كل مجموعة أو قوم أو أمة.

إذا نظرنا إلى كل تلك الثقافات أو المجموعات البشرية التي مثلتها عبر التاريخ نجد إن هناك شيئا مشتركاً فيما بينها، أولاً إنها تأتي بالدرجة الأولى من أجل خدمة هذه المجموعات من الناحية الاقتصادية والحفاظ على ديمومتها وتكاثر هذه المجموعات أي عملية الحفاظ على وجودها وأمنها وقد دامت هذه الثقافة الجماعية لفترات طويلة من عمر الإنسان.

ومع بداية ظهور البذرة الأولى للاستغلال واستملاك خيرات الطبيعة من قبل الرجل القوي والماكر ومن أجل إخضاع الناس له كان يحتاج إلى: أولاً حكر الاقتصاد بيده وثانيها القوة العضلية التي تحولت فيما بعد إلى جيوش وثالثها كانت قوة الإقناع أي الفكر بهذه العملية اكتملت عملية السطو على البشر ونشوء الرأسمالية والاحتكار وانقسام الانسان لأول مرة في التاريخ إلى مالك ومملوك _وسيد وقن_ عابد ومعبود وعندها ينقسم الفكر

الإنساني إلى قسمين أساسيين كما ينقسم المجتمع إلى فئتين متصارعتين ويبدأ التناقض الفكري وتناقض الثقافات فكل فئة تدافع عن مصالحها، فئة تدافع عن الرأسمال والاحتكار وأصحابها وتؤكد شرعنتهم وأن هذا هو القدر المحتوم للإنسان وعليهم أن يخضعوا لذلك وهؤلاء من شرعنوا الملوك والفراعنة والنماردة الذين سلطوا سيوفهم على رقاب البشر في كل بقعة جغرافية عاشوا فيها وعاثوا فيها فساداً ودماراً وارتكبوا الإبادات والمجازر بحق البشر حتى يومنا هذا وقد تطورت أساليبهم كثيراً في هذا المجال.

أما الطرف الآخر المستعبد والكادح فقد ظهر من يدافع عنه وعن القيم والعادات والخبرات الانسانية التي اكتسبها على إنها دائماً وأبداً هي لمصلحة الإنسانية جمعاء وإنها نشأت على هذا الأساس وهكذا يستمر الصراع الفكري بين هاتين الثقافتين.

هكذا هو الحال فأما أن تكون معبراً ومدافعاً عن مآسي البشر ومعاناتهم وتصبح فكراً نيراً تخدمها وتعبر عن إرادتها وتمثل طموحها بالعيش الكريم أو تكون معبراً لفئة قليلة حكمت واستغلت الإنسان وتدمر الطبيعة والمناخ والكون وهؤلاء من يبحثون عن فتات الخبز من بين أيدي الطغاة من الرأسماليين الاحتكاريين وهؤلاء لا يمكن تصنيفهم بين المثقفين فالمثقف من يلتزم بمصلحة وطموح وإرادة مجتمعه.

إن روج آفا كردستان وخلال ثورته الديمقراطية ومقاومته البطولية في وجه المؤامرات الخارجية والداخلية وإن عمليات المقاومة ـالفداءـ التحدي ـ التحررـ المرآةـ لهي جديرة بإنشاء آلاف القصائد والاشعار والروايات والقصص والرسوم والمسرحيات ولكن؟ إذا كان البعض قد قام بدورهم في ذلك فهذا واجبهم وهم شاكرين أما الذين وضعوا أنفسهم في الطابور الخامس ويبثون سمومهم عبر القنوات التلفزيونية وينسجون خيوط مؤامراتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي مدعين بالثقافة والتثقيف التي هي براء منهم إن ثورة روج آفا التي ستكون دم شهداؤها شعلة منيرة تضيء الطريق لشعبها وستكون مقبرة لأولئك المتسولين في العواصم العالمية وستلعنهم الثقافة.

وتساؤلنا الأخير هل كان مثقفنا بمستوى ثورة روج آفا؟ سؤال قيد التحفظ.

زر الذهاب إلى الأعلى