مقالات

التجديف وازدراء الأديان

محمد القادري

إن أثمن ما يعتز به الانسان هو معتقده وإيمانه بمجموعة أشياء مقدسة، ولا يقبل أبداً الاستهزاء والتجديف بها من قِبل غيره بحق هذه المقدسات، وهي أمور كثيرة تختلف باختلاف الأديان السماوية أو الوضعية، فكل فكرة مقدسة تُعتبر دين، وحتى دساتير الدول التي يحرص المواطنون والمسؤولون على الالتزام بها تدخل في دائرة الدين والتدين؛ لأن المواطن إذا خالفها يُدان ويحاسَب على ذلك، ومن أهم المقدسات التي نتفق على قدسيتها وخطورة الانتقاص منها والتجديف (السخرية) بالقول أو الفعل تجاهها هي قدسية الإله أياً كان شكله أو تصور وجوده لدى كل الأديان والمعتقدات، يأتي بعده في القدسية الكلمات التي تُنسب إلى الإله وتُسمى الكُتب المقدسة سواء كانت سماوية أو فلسفات آلهة بشرية، ثم في المرتبة الثالثة في القدسية تأتي الرُّسل والأنبياء الذين يبلِّغون هذه الكلمات وينطقون بها.

مع الأسف، في هذا العصر، عصر التطور العلمي والتواصل الاجتماعي اللامحدود نجد بين الفَينَةِ والأخرى من يقوم بازدراء المقدسات بالقول أو بالفعل، وتقوم قنوات التواصل الاجتماعي بنشر تلك الإساءات بحجة حرية التعبير؛ مع العلم أن المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والدينية تُلزِم البلدان باعتماد تدابير تشريعية ضد أي دعوة إلى الكراهية القومية والعرقية والدينية وتشكل تحريض على التمييز والعداء أو العنف، وهنا نحن نسأل الدول المتقدمة والتي تدَّعي الحضارة والديمقراطية: هل تسمحون لأحد من المواطنين أن يجدف (يسخر) ويحتقر ويسيء ويستهين بدساتير دولكم وهي دساتير وضعية تتغير عبر السنين المتعددة؟ فكيف تقبلون أن يُستهان أو يَسْتَهْزِئُ أحد بأعظم وأقدس ما يؤمن به المسلمون في العالم أجمع بعد قدسية الإله؟ وكيف تعتبرون تمزيق أو حرق أو رمي نُسَخْ من القرآن الكريم في الأرض وضربها بالأرجل حرية شخصية؟ فإذا كان الأمر كذلك فبكل تأكيد أن رد الفعل من كلمات وتصرفات ومقاطعة العلاقات التجارية أو السياسية أو غيرها هي أيضاً حرية تعبير فردية أو جماعية، وهذا يدخلنا في حلقة صراعات غير منتهية.

الأفضل، هو التوجه إلى الحكمة والعقلانية وإلى احترام مقدسات الشعوب والأديان والطوائف والمذاهب مهما كان عدد أتباعها قليلاً، فكيف بأتْباعِ دِينٍ يزيدون على مليار إنسان على وجه الأرض، يقدّسون إِلهَهُمْ وكتابهم القرآن الكريم الذي يقول لهم: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسب الله عدواً بغير علم كذلك زيّنا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون”. الآية 108 سورة الأنعام.

هكذا يوجه الله سبحانه وتعالى المسلمين وينهاهم عن سبّ غيرهم ومقدسات غيرهم حتى لا يسبوا الله ويسبوا دينهم بغير علم.

في الحقيقة إذا علِم هؤلاء الذين يدّعون الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان أن الإسلام يعترف بكرامة الانسان وقدسية ما يعتقد مهما كان حتى ولو كان كافراً ويتركه على دينه ولا يعتدي عليه، سوف يمنعون مثل هذه التصرفات اللاأخلاقية اللاإنسانية اللاعقلانية لأنها تدعو الى الاستفزاز وحقن مشاعر العداوة بين شعوب العالم، وهذا عَكْس ما يدعو إليه جميع المتعقلين ورواد الحضارة والإنسانية والفلسفات الخيرة التي تدعو إلى بناء المجتمعات بالكلمات الطيبة؛ لأن كلمة واحدة قد تبني مجتمعات سالمة وآمنة وكلمة أخرى قد تشعل نيران الحروب والتدمير وسفك الدماء والتشريد وكل ما هنالك من أنواع تخريب المجتمعات الانسانية، لذلك نحن في شمال وشرق سوريا موقفنا واضح وصريح تجاه الأديان، وهناك بنود في العقد الاجتماعي تبين احترام الأديان أياً كانت وأن لها الحقوق والواجبات نفسها ضمن إطار بناء المجتمع السليم وعدم النيل من أي طائفة أو مذهب أو دِين.

ندعو كافة المعنيين بالقوانين الدولية ودساتير الحكومات والدول إلى القيام بواجبهم وإصدار قوانين وبيانات تمنع الاستهزاء بالكُتب المقدسة والشخصيات المقدسة من آلهة وأنبياء، وحتى قادة الثورات أو الفلاسفة أو الحكومات أصبح لها قدسية تقارب قدسية الآلهة حيث أن اتباعهم قد يضحون في سبيلهم بحياتهم وأموالهم وأبنائهم وكل ما يملكون حين يشعرون بالانتقاص من قدسيتهم، وهناك أكثر من 25% من دول العالم فعلاً قد قاموا بوضع هذه البنود في دساتيرهم دفعاً ومنعاً منهم لمشاكل وخلافات وصراعات قد تحدث داخل دولها أو خارجها.

زر الذهاب إلى الأعلى