مقالات

الامم المتحدة.. مظلة حقوقية أمْ غطاء لشرعنة الإبادة

إدريس حنان _

الإبادةالعرقية؛ وفقاً للتعريف العام السائد هي ممارسة العنف والإكراه والتخويف والترهيب والاستغلال وإفراغ مناطق جغرافية والقتل والنفي على اساس عنصري وديني وانشاء مناطق جغرافية اخرى ـ محميات ـ ذات طابع ولون واحد. لا تقتصر هذه الممارسات والأساليب على النواحي المادية للمجتمعات فقط، إنما هي ضد كل القيم والمعتقدات المجتمعية التي تمثل جوهر خصوصيتها المستقلة والتي تهدف الى ابعادها وقطع أوصالها وتدمير للأديان واللغات والعادات والمعتقدات الفكرية وسلب للوعي الانساني والحالة المجتمعية المتقدمة.

الابادة الجماعية؛ و حسب المادة الثالثة من معاهدة عام 1948 الخاصة بمنع جريمة الابادة الجماعية، هي الجرائم التي تتم بهدف التدمير الكلي او الجزئي ضد مجموعة عرقية وقومية، عنصرية ودينية. وبحسب المواد المدرجة تحت بند هذه المعاهدة، فإن منع الانجاب يصنف من ضمن جرائم الابادة الجماعية ايضاً!

فإذا لم يكن بناء المستوطنات وكل عمليات توطيد وترسيخ الاحتلال ابادة جماعية وعرقية، اذاً، ما الاسم الذي يمكننا ان نطلقه على ما يحدث في عفرين والاماكن المحتلة الاخرى في سوريا من قبل الدولة التركية حسب معاهدة 1948 التي تبنتها هيئة الأمم المتحدة عام 1951؟ هل لكم ان تتكرموا على هذا الشعب الذي يتعرض يومياً لعمليات الابادة الجماعية والعرقية، وتطلقوا اسماً على ما تقوم به دولة الاحتلال التركي ضده في سوريا؟

تحدث وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في وقت سابق من شهر نيسان المنصرم ان بلاده تعمل على مشروع اعادة اللاجئين الى مناطق شمال سوريا وذلك بالتعاون مع عدة دول لم يسمها. كما ادعى صويلو انهم ينون بناء 250 الف منزل في شمال سوريا وسيوفرون امكانية العودة الطوعية للاجئين الراغبين بالعودة.

تركيا في المناطق التي تحتلها مع مرتزقتها، حسب صويلو، تعد 13 مشروعاً تتضمن 250 الف شقة سكنية بقياسات متعددة تناسب حجم العوائل. طبعاً مشاريع “فاعلة الخير” تركيا كلها ستنفذ في راس العين، تل ابيض وعفرين، وجرابلس والباب. وستقوم بعض الجهات “الخيرية” وبعض دول الخليج من امثال قطر والكويت بتمويل هذه المشاريع. طبعا ما يقال عنها منظمات خيرية هي واجهات لدول شريكة في المشروع الاستيطاني التركي في الشمال السوري. وحسب الوزير التركي الذي يتنافس زبانيته على السرقة في بلدية آمد، يمكن للاجئين السوريين الاستفادة من “التقدمة” التركية من 5 الى 10 سنوات.

ولتدفعها السوريين المقيمين عندها الى تلك المستوطنات، تستخدم العنف والضغط ضدهم وتعتقلهم وتطردهم بالقوة الى خارج حدودها. حتى الذين يمتلكون الثبوتيات وما يسمى “الكيملك”، ما يعني انهم يتمتعون بالإقامة الشرعية، تطردهم ايضاً. ولتعطي مشروعها الاستيطاني نوعاً من الشرعية تهجرهم الى شمال سوريا.

هذا هو وجه تركيا الحقيقي الذي تمنّع جزء كبير من السوريين، للأسف، من رؤيته والتعامل معه. حيث انهم بعدما افرغوا كل ما في جوفهم واحشاءهم من بيض في سلة التركي المستعمر، اصبحوا يندبون حالهم المزرية التي وصلوا اليها. وأما الباقون ممن هم في غيهم وارتزاقهم مستمرون، فما زالوا كالحمير التي تقتحم تركيا بهم حقول الألغام، و أضحوا عاراً على بني جلدتهم وعبئاَ اضافياً على الهوية السورية،فهم تعدوا الوان الثور “الاحمر والابيض والاسود” أُكلوا وشرب التركي عليهم اكواباً من لبن الحمير وبول البعير. فأضحوا بلا لون. فتركيا تريد من السوريين الذين تستجمعهم في تلك المستوطنات بعيداً عن ديارهم الحق، ان يكونوا بلا لون ولا طعم ولا رائحة. وتحرمهم من كل ما يعزز انسانيتهم ضمن “محميات طبيعية” خارج حدودها تجعل منهم دفاعات متقدمة ليوم انهيار وشيك يقضي عليها وعلى حلفائها وعلى مشاريعها التي يتبجح بها مقامروها من امثال اردوغان وصويلو والمنحرف اكار.

إذا كان حسب المعاهدة التي ذكرناها اعلاه والتي تبنتها الأمم المتحدة، منع انجاب الاطفال جريمة إبادة جماعية، عندها ماذا تسمى ما تجريه وتعلنه يومياً الدولة التركية من مشاريع خارج اراضيها من تقسيم وسلب وقضم وضم؟ فيا ايتها الأمم المتحدة، اذا لم يكن ما تفعله تركيا ابادة جماعية وعرقية، فماذا تدعين ذلك؟

فبحسب المرتزقة المأجورة التي سبق ان وصفناها “بحمير حقول الألغام” تقدم الدولة التركية بعض المغريات لسوق السوريين الى الانتقال الى تلك المستوطنات. تعدهم بالفرش والاكساء، وعدم سحب “الكيملك” منهم وبأربع زيارات سنوية الى تركيا. وتتعهد بمتابعة اولادهم للتعلم باللغة التركية وتقديم الدعم المالي للبدء في المشاريع الصغيرة في تلك المستوطنات. يعني حتى المغريات عبارة عن عملية تغيير ديموغرافي وابادة ثقافية وعرقية وجماعية. تسكنهم بالقوة في الشمال السوري وتغريهم بميزات تركية؟! اي انها تقول، انها مصرة في اجراء التغيير الديموغرافي بما يناسب طموحاتها التوسعية وبناء عثمانيتها الجديدة في المنطقة. وما موضوع المستوطنات إلا باب آخر للابتزاز والسرقة ومحاولة لتصدير ازمة اقحمت نفسها فيها في الشمالين السوري والعراقي. فهي تتلقى يومياً الضربات التي تقسم ظهرها في مناطق الدفاع المشروع عكس توقعاتها بنصر عاجل.

فما اسمته بـ “قفل المفتاح” اغلق عليها ابواب النجاة هذه المرة، واضحت كما وصفها احد قادة الدفاع المشروع، كمن علق مفتاحها في القفل، لا يخرج ولا يفتح. واليوم تحاول فك ما اقفلته على نفسها في الشمال السوري منذ عام 2016 لحظة اتخاذها قرار الحرب رفقة البارزاني وبايدن، فحالها مثل من علق في مستنقع من رمل، كلما تحركت غاصت وغرقت أكثر، فهي عكس ما تعلنه، لذلك تُنعت بالكاذبة.

على الرغم من كل ما ذكر اعلاه، حسب المؤسسة التي تعتبر مظلة عالمية والتي تغطي على ممارسات تركيا وتختار اسماء لأفعالها تناسب معاييرها وتتماشى مع ماهيتها والمؤسسات التابعة لها واصحاب القرار والنفوذ فيها، اذا كان ما تقوم به تركيا لا يعتبر ابادة جماعية وعرقية، حينها من هو الشريك الفعلي لتركيا ومن يدير مشاريعها الاستيطانية ؟.

زر الذهاب إلى الأعلى