مقالات

استفتاءٌ أو استقلالٌ … أم إطالة عمر

رياض يوسف

وإنْ كانَ استقلالاً فـ عنْ أيةِ دولةٍ يجبُ أنْ تُعْلِنَ استقلالك؟

جميعُ الكُرد دونَ تمييزٍ في جميعِ أجزاءِ كُردستان المقسمة تاريخياً بينَ أربعِ دولٍ ينظرونَ إلى هذهِ الخطوةِ على أنها بادرةٌ جيدةٌ، وخطوةٌ سليمةٌ في الاتجاهِ الصحيح، ولكنْ لا لتكونَ لتصديرِ الأزماتِ واللعبِ بعواطفِ الكُردِ لتمريرِ بعضِ المكتسبات.

فكلنا نسمعُ بينَ الفينةِ والأخرى؛ القيادةَ في إقليمِ كُردستانَ تقولُ وتنادي بأننا سنعلنُ الاستفتاءَ من أجلِ الاستقلالِ وإعلانِ باشوري كردستانَ دولةً مستقلةً عن العراق!

كلامٌ جيدٌ يدغدغُ العاطفةَ الكردية، ويوقفُ عقلهُ عن التفكيرِ المنطقيّ؛ ولكنْ؛ كيفَ يأتي الاستقلالُ وعَنْ مَنْ؟ ولما كلُّ هذهِ الوعود؟ أهوَّ استهتارٌ بعقولِ الرعيّة، أم أنها محاولاتٌ لنيلِ الاستقلالِ بالفعل؟؟!! أمْ أنهُ لمجردِ إطالةِ عُمرِ الزعامة، والتغطيةِ على الاتفاقاتِ المشبوهةِ التي ابرمتها الحكومةُ المنتهيةُ الصلاحية؟

ومنَّ الصلاحيةِ نبدأ … الحكومةُ في الإقليمِ منتهيةُ الصلاحية، والرئيسُ البارزاني منتهٍ صلاحياته، والبرلمانُ مُعطَّل، ورئيسُ البرلمانِ ممنوعٌ من الدخولِ إلى هولير، والعلاقاتُ بينَ الأحزابِ الكرديةِ في السليمانية وهولير لا تُنْذِرُ بالخير، وهناكَ قيادتين مختلفتين للقوى العسكرية في الإقليم، والإقليمُ منقسمٌ بينَ السليمانيةِ وهولير نتيجةَ التصرفاتِ اللامسؤولةِ من القيادةِ في هولير، وصفقاتِ النقطِ والغازِ المشبوهةِ الطويلةِ الأمدِ بينَ الإقليمِ ودولٍ مثلَ روسيا، ورواتبُ الموظفينَ وقواتِ البيشمركةِ لم تُسَلَّم لهم منذُ أشهر، والنظامُ التربويُّ مُعطلٌ لأكثرِ من سنة، والأزمةُ الاقتصاديةُ تفتك بالبلاد، والديونُ تزدادُ عبئها مع ازديادِ مبالغها، وهناكَ حربٌ دائرةٌ على الحدودِ العراقيةِ للتخلصِ من العدوِّ الذي يهددُ كلَّ العراقِ لا الإقليمَ فقط، والكثيرُ منَّ الرفضِ من تركيا؛ الحليفةُ والصديقةُ المزعومةُ، ناهيكَ عن الرفضِ منْ الحكومةِ العراقيةِ، والمشاكلُ حولَ كركوك.

كلما بدأَ البارزاني بالحديثِ عن الاستقلالِ أو الاستفتاءِ؛ أو سَمِّهِ ما شئتْ، تكونُ تركيا أولُّ الرافضينَ لهذهِ الفكرةِ بقولها “نحنُ معَ وحدةِ الأراضي العراقية”، ففي المرةِ الماضيةِ؛ وأثناءَ الحديثِ عن إعلانِ الاستقلالِ من قبلِ البارزاني، رفضتْ تركيا على لسانِ وزيرِ خارجيتها. وبعدَ أيامٍ قليلةٍ تحدثَ نيجرفان عبرَ إحدى قنواتِ الإقليمِ قائلاً بأنهم ليسوا جادينَ في هذهِ الخطوة، مبرراً مطلبهُ بأنها فقط للضغطِ على الحكومةِ المركزيةِ في بغدادَ لصرفِ رواتبِ الموظفينَ والبيشمركة في الإقليم.

كلُّ هذهِ القواعدُ التركيةُ في مناطقِ ومدنِ باشور، وكلُّ هذا الدعمُ والاستماتةُ من أجلِ بقاءِ القواتِ التركيةِ فيها، وكلُّ هذا التنسيقُ بينهم وبينَ القواتِ التركيةِ في مناطقِ شنكال، لمحاربةِ الأخوةِ الكرد الأيزيديين، والسيطرةُ على مناطقهم، والتحكمِ بمصيرهم من قِبَلِ الطورانيةِ التركيةِ التي حاولتْ مراراً وتكراراً إبادتهم عنْ بِكرةِ أبيهم، وللأسف هذهِ المرة بمشاركةً وبمماطلةٍ ومباركةٍ من القيادةِ وضباطَ كبارَ في الإقليم، كلُّ هذا الدعم، وكلُّ هذهِ الدعايةُ لتركيا؛ وتركيا أولُ المعارضينَ لفكرةِ الاستقلال! ناهيكَ عن الرفضِ الأمريكيِّ والروسيِّ والالمانيِّ هذهِ المرة.

 لماذا كلُّ هذا السكوتُ وعدمُ الاستماعِ لصوتِ العقلِ والصوتِ الكرديِّ المناديِّ بالابتعادِ عن العدوِ اللدودِ للكرد، وعن الغريمِ التقليديِّ للكردياتي, لماذا لا تحكمُ القياداتُ في هولير إلى الكردِ في مؤتمرٍ وطنيٍّ كرديٍّ يشاركُ فيهِ الكردُ من الأجزاءِ الأربعة ويكونوا الفَيْصَلَ والحَكَمْ، لماذا لا تنصتُ الحكومةُ وقيادتها في هولير إلى صوتِ القوى والأحزابِ السياسيةِ في باشورِ وباكور وروج هلات وروج آفا.

 إنْ كنتم أنتمْ وحدكم تعملونَ لصالحِ الكردِ وبقيةُ الأحزابِ الكرديةِ الثانيةِ هي أحزابٌ عميلةٌ تعملُ لصالحِ أجنداتِ الدولِ المعاديةِ للمصلحةِ الكردية (حسب زعمكم)، وإنْ كانتْ تركيا هي فعلاً الصديقةَ للشعبِ الكرديِّ كما تتدعون؛ حينها ستكونُ تركيا هي الدولةَ الأولى التي ستباركُ هذهِ الخطوةَ في الاستفتاءِ على استقلالِ باشورَ عن العراق، ولنْ تكونَ أولُ الرافضين، وإلا فلماذا تكونُ تركيا هي أولُ المبادرينَ بالرفضِ لهذا القرار؟ ولماذا هذا الخوفُ التركيُّ في أكثرِ من تصريحِ على وحدةِ الأراضي العراقية؟ وهل الخوفُ على وحدةِ أرضٍ ما لا تعني عدمَ السماحِ باقتصاصِ جزءٍ منها واستقلاله؟!!

أسئلةٌ يجبُ على كلِّ كرديٍّ أنْ يسألَ نفسهُ حينَ يستفردُ بها، لأنهُ لا يملكُ الحقَ ولا الشرعيةَ في طرحِ هكذا أسئلة في العلن؟ ويناقشُ بينهُ وبينَ نفسهِ بأجوبتها التي يجبُ أنْ تكونَ بعيداً عن العاطفةِ المصطنعةِ، وعن “الريبازي” التي ينادون بها ولو لمرةٍ واحدة، لعلَ وعسى أنْ يتمكنَ من إيجادِ الأسرارِ والخفايا التي باتتْ منْ البديهياتِ لكلِ المراقبينَ لهذه العلاقة، وأنْ يُدْرِكَ بينَ طياتِ فكرهِ لماذا هذا التقاربُ اللامعقول، وهذا التحالفُ المشبوهُ بينَ هولير وبينَ أولِ معارضٍ لفكرةِ الاستقلالِ وتشكيلِ دولةٍ كرديةٍ مستقلةٍ على حدودهِ الجنوبية، ليعيَّ هذا المراقبُ والسياسيُّ والمثقفُ، وكذلكَ هذا المواطنُ البسيطُ وقتها عنْ أيةِ دولةٍ لابدَ من الاستقلالِ للعودةِ إلى وحدةِ الصفِ الكرديِّ والعملِ على المصلحةِ الكرديةِ دونَ غيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى