مقالات

إيران ومجاراتها للنظام التركي ونقاط الاستعصاء

ينجلي الغبار عن المتناطحين على الأرض السورية؛ وترتسم السياسات الدولية من بوابة المصالح المتحوطة بجدران وخطوط حمراء؛ وحتمية عدم تجاوز هذه الخطوط والمسارات التي رَسَمَت بين بعضها البعض.

المغريات في الأرض السورية كثيرة جداً؛ كما الدهاء السياسي والتخطيط على المدى البعيد عميق جداً، والاصطفافات والتحالفات السياسية تبعاً للمشهد المصلحي آني وفوري وتنبت في التو واللحظة وحسب الرغبة والحاجة لممارسة أقصى درجات الضغوط السياسية والابتزازات الرخيصة لفريق معين على الأرض السورية التي يتبارى عليها المتنافسون والمتراهنون.

رهانات روسيا في السيطرة على أجزاء معينة من شرقي الفرات اصطدمت بِرَدِّ أمريكي عنيف وباءت كلها بالفشل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تربح هذه الرهانات وُفقَ المعطيات الحسيِّة على المدى المنظور؛ مما أدى إلى رسم قواعد اشتباك جديدة اُسقِطت كلها سياسياً وعسكرياً على مناطق معيَّنة في الشمال السوري من قِبل الروسي المتردي الحال والمتهالك في هذا الشمال.

مشهد الصِدَام هذا والتأزم البنيوي بين الدولتين العُظميين يؤشر إلى استعصاءٍ وَلّدَ جُملةً من المآزق بين الدولتين؛ وبالتالي تعطيل بل استحالة الحل في سوريا وفق رؤية الأفرقاء المتناحرين.

الأدهى من ذلك أن المواقف الروسية أخذت تبدو أكثر وضوحاً في اصطفافاتها المخفيَّة والمُقنَّعة مع الدولة التركية (المَطيَّة) في الحرب السورية؛ واطلاق يدها والمرتهنين لها في مدينة عفرين برؤية قاصرة وممسوخة تحاكي فجوراً سياسياً ليعلو صوت الدولة التركية ووعيدها وتهديدها واختلاق الذرائع بمعطيات ملفقة تؤشر إلى أنها خطوة استباقية لحماية حدودها.

إن التدقيق في الذرائع التركية ومصطلحات (نيرونها) أردوغان المُعلنة على المسارح الداخلية والمِنصَّات الدولية- من تجيير لهذه المنصات والاستنجاد بحلف الشمال الأطلسي (الناتو) في حربها على عفرين- والتي تفتقد للأدلة والقرائن؛ يفضي إلى استنتاج وحيد وهو أن الدولة التركية تعيش مأزقاً داخلياً متفاقماً قابلاً للانفجار في أية لحظة.

محرقة عفرين بأيدي (نيرون العصر) والمرتهنين له ليست بمنأى عن محرقة الغوطة في ظل هذا الفجور السياسي، ولا غرابة في أن الذين يُحرَقُونَ في الغوطة هم أنفسهم يَحرِقُونَ عفرين، وهذا المشهد لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لفهم الأبعاد والخفايا في ظل الاصطفافات اللحظية وتبديل المواقف الآنية.

الانزواء السوري بعيداً عن خطوط التماس والتسخين؛ مع قليل من الامتعاض الخجول، وإيران الدولة الساكتة عن الحق والتي تمارس التعويذات السياسية في الوقت بدل الضائع في تجارتها مع تركيا؛ هَتَكَتْ عَرْضِ السيادة السورية في عفرين، فيما جعلت روسيا من سوريا محطة تزويد للوقود في صراعاتها البينية واستعصاءاتها المزمنة.

وفق هذه المعطيات واحتدام المواقف المغلوطة والتعقيدات المتشابكة والحاصلة في المشهد السوري سقطت عفرين بأبعادها الجغرافية، إلا أن عجلة الافتراس وسياسة قضم أجزاء من الأرض السورية مازالت ظاهرة للعيان في خطابات (نيرون العصر).

ليس من الصدفة أن تنتهي معركة الغوطة واحتلال عفرين في نفس التوقيت؛ في ظل الاصطفافات المصلحية الآنية الزائلة بزوال المسببات، وليس عبثاً أن تبقى أيدي إيران الضاربة في الغوطة وعينها على ما يجري في عفرين ففي كلا الحالتين تجارتها رابحة في التخلص ممن لاذوا بالقارب التركي للنجاة؛ ففي المحصلة النهائية هم أصبحوا مجرد فرق حساب في الصراع القائم بنسخته الإقليمية والدولية الجديدة على حد سواء.

إيران الضاربة جذورها والمتغلغلة في السياسة التركية ممتعضة؛ وعوامل تمردها على الوصاية الروسية في سوريا والانعتاق من القيود المفروضة عليها باتت تعاني من فائض في المسببات والاحتمالات، فالتداعيات والمخاطر في التهديدات التركية باستكمال عدوانها نحو منبج وكامل الشمال السوري انتهاءً بشنكال خطيرة وثقيلة جداً على المسار المرسوم والطوق المعبَّدِ بالدم إيرانياً من طهران إلى دمشق إلى الضاحية الجنوبية؛ وهذا ما سيؤدي بتركيا إلى خسارة رهاناتها على الموقف الإيراني بالتتابع وإلى تبديل الإصطفافات السياسية تبعاً للمشهد القائم مما يشي بوقوع مواجهات مباشرة بين الدول المتحالفة مصلحياً والمتناقضة تاريخياً.

فهل التهور والرعونة التركية عامل لهذه المواجهات؟؟؟

وهل الصمت الأمريكي من مسبِّباتِ الصِدَام المباشر (في حال التمادي التركي) بين الحليفين المتناقضين إيران وتركيا؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى