مقالات

إعلام الحقيقة تفقداً محطات من قطار التاريخ

فؤاد سعدي

 أمام المد والجذر الإعلامي المكثف بغليان حبر الأقلام وعدسات الكاميرات الثابتة والمتحركة وعضلات الألسنة المنتفخة بحثاً عن كتابة، والتقاط وقنص الحقيقة والسبق الإخباري مع ارتفاع مكبرات الصوت من هنا وهناك بين القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة لإعلاء كلمات الفصل بالحقيقة وإشهارها للرأي العام لكسب الشهرة وشارة الريادة الإعلامية – كما شارة الكابتن – والظفر بأكبر قدر من الجماهير الشعبية المتابعة والمؤيدة والمناصرة لها وخاصة حينما تبرز الوقائع والأحداث المحورية الاستراتيجية؛ فإن سباق التنافس يزداد بآفاق الشدة ليصل إلى أوج الذروة والنفير العام الإعلامي.

 وما نعيشه في هذه السنين بكل أيامها ومآلاتها وآلامها في سياق الحرب العالمية الثالثة يشهد على ذروة النفير العام في كافة الساحات المجتمعية يتصدرها الدفاع عن الكيان والوجود والأمن العام وفي خضم معمعة وجعجعة الحروب والأزمات والقضايا ومرور وتداخل القوى المحلية والإقليمية والدولية بأجنداتها ومخططاتها ومشاريعها بالتزامن مع القصف الإعلامي المستمر على مدار الساعة تبرز وتتوضح الأهمية المفصلية لوسائل الإعلام اللاعبة دور المجهر ومكبرات الصوت والصورة في تنقية الغمام والضبابية عن الوقائع والأحداث المتسارعة وإشعاع نورها لتكون الشمس الساطعة للحقيقة.

 وانطلاقا من نظرية المركز والأطراف ومدى التواؤم والتناغم التكاملي بينها فإن الأطراف المتطرفة عن مركزها تتبعثر في طريقها وتنحرف كما الأيدي والأرجل التي بدلاً من نموِّها الأمامي التصاعدي فأنها تخطو الخطوات الرجعية التنازلية نحو الهدم المستمر لكيانها ووجودها كمن يسير ويحفر قبره بيديه سواء تم ذلك بإرادته أم من عدمها؛ فامتلاك الأيدي والأرجل لا يعني السير في التقدم والتنمية والبناء كما إن امتلاك العين لا يعني بالضرورة الرؤية …. مهما تعددت الملاكات والامتلاكات و تنوعت فأنها وبجملة واحدة لن تعبِّر سوى عن اللاكيان  واللاإرادة مادامت هي بعيدة وغريبة وأجنبية عن التناغم والتكامل مع بوصلتها الموجهة والمحددة لقوة الوجود المتمثل بوعي الذهنية وطاقتها الكامنة بالحرية.

 بالاستناد والرجوع إلى الذاكرة المجتمعية التاريخية والنظر إليها ببصر وبصيرة عيون الحقيقة الإعلامية فستتوضح الصورة أكثر ويُزال الغمام و الضبابية من حولها وستدرك الدروس والعِبَر الإعلامية لمن يريد أن يعلم ويتعلم ويدرك ويعي من عِبر ودروس التاريخ والمجتمعات فهي أمُّ العلوم وإمامها، وهي المنبع والجذر والأُسُّ ليس فقط  للإعلاميين بل لعموم المؤرخين والعلماء والفلاسفة والحكماء  الباحثين والمنشغلين بالحقيقة.

 بالإسقاط الإعلامي واستحضار الصوت والصورة والصحافة الإعلامية للتاريخ القريب كردستانياً وطرح الاستفهام والسؤال العملاق لمجمل الإعلام المرئي والمسموع والقنوات والإذاعات والصحف والمجلات …. ومدى تمثيلها وخدمتها وإنارتها لحقيقة الكرد وكردستان من عدمها وممن فرض التعمية عليها بإرادته أو عدمها؛ فيقيناً إن الغالبية الساحقة للشعب الكردي متفق بأن الإعلام المُنشَأُ بأيدي الأنظمة الغاصبة لكردستان سواء بشكل مباشر أو خفية بشكل غير مباشر يطمس الحقيقة الكردية، وإنْ نطقت بالكردية، وتدوس عليها وبأقدام كردية تتصدرها القناة التركية للقروجيين الأتراك وقبلها القناة العراقية للجحوش …. وفي مثال هذه الثنائية التاريخية لذاكرة الإعلام الكردي تبرز الصورة المجسمة للحرب الخاصة في تضخيم الحرب الكلاسيكية من جهة، وشق صفوف الكرد ومغنطة ضعاف النفوس والانتهازيين المتسلقين ليساهموا في قطع الشجرة الكردية من تحتِهم لتقع على رؤوس الكرد متغافلين عن عِبَر التاريخ ودروسه وعِظاته وهنا لا بد للباحثِين عن الحقيقة وبالخصوص القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة أن يسألوا أنفسهم ويستفسروا مِراراً عن مصادر التمويل والتعبئة، وهل يمثلون قيم الحرية والكرامة و العدالة الانسانية من عدمها؟

وإذا ما بحثنا في الأسباب والغايات لبث القنوات المنشأة بأيدي الأنظمة الغاصبة لكردستان فإن الرجوع بالذاكرة إلى أول قناة فضائية كردية MED والتي جذبت الارادة و العيون الكردية فكانت بمثابة بلسم للآلام المتراكمة تاريخياً ونقطة انعطاف رئيسية لتصحيح مسارات التاريخ وكسر القيود و إزالة الغمام والضبابية المفروضة على احتكار الصوت والصورة من قبل الأنظمة الغاصبة لكردستان وبدأ تدريجياً التحرر من الاستعمار الذهني وتعملقت معها نفسياً وروحياً الطاقة والعزيمة الكردية بالإكثار من التقييمات والنقاشات الشعبية لتنظيم الذات المجتمعية والاقتراب أكثر من أي وقت مضى نحو حقيقة قيمها وثقافتها وميراثها وتاريخها مشكلة ذروة التاريخ السياسي نحو تقريب المسافات بين المواقف للتنظيمات الكردية وبجملة واحدة كانت بمثابة الربيع الإعلامي الكردي، وما أدراك ما هو الربيع الإعلامي؛ فهو وبجملة واحدة كذلك السبب والغاية الجوهرية لتوجه الفاشية التركية نحو فتح قناة ناطقة بالكردية إلا إنها سعت أسماً ومضموناً لفتح الأبواب على مصراعيها نحو الاغتراب و هجرة القضية الكردية وتعمية العيون عن الحقيقة وخاصة مع بروز ذروة حقوق الإنسان والفرد ومنظمات المجتمع المدني للحداثة الرأسمالية ولتتقرب من الحاضنة الأوروبية أكثر فأكثر وتكون بمثابة بوابة العبور والقبول ضمن الاتحاد الأوروبي.

 كما يجب ألا تفوتنا النقطة البالغة الأهمية لِمَكرِ وخِداع الفاشية التركية ومثيلاتها من الأنظمة المتفيئة تحت ظلال الحداثة الرأسمالية بدس أموالها وآمالها ضمن العديد من القنوات بما فيها بعض القنوات الكردية لشق الصفوف وفرض سياسات فَرِّقْ تَسُدْ كما يدس السم بالعسل؛ ولا يخفى على الكثيرين بث السموم ضمن نشرات العسل الإخبارية بأسلوب القوة الناعمة حينما لا تفي القوة الخشنة لفاشية السلطة والدولة بالظفر بمآربها باعتبار إن أقوى أسلحة القوة الناعمة تكمن في الإعلام كتوأم للعقل التحليلي الذكوري السلطوي السلبي والمؤدي عبر سياسات قطنية ناعمة لتهيئة أجواء و مناخ الاغتراب عن الذات المجتمعية أفراداً كانوا أمْ جماعات وتنظيمات.

والكل يعلم و لم يبقَ أحد ” حتى السلطان الأطرش ” إلا وسَمِعَ من تاريخ الإعلام الكردي عن شخصية حسن خيري الاسم المعبر عن المسمى إذ كان حسناً وخَيراً لمستعمري وغاصبي كردستان وجسراً لتأسيس الجمهورية التركية على جسد الكرد وكردستان فألبسوه الزى الكردي مرتين مرة لإنكار واغتصاب كردستان ومرة أخرى وهي الأخيرة، وفي قبة البرلمان ولترسيخ الجمهورية التركية كانت نهايته وتم إعدامه، ومن يومها وحتى تاريخه لم تبخل الدولة التركية ومثيلاتها من الأنظمة الغاصبة لكردستان بإقرار قرار إزالة الكرد وكردستان من صفحات التاريخ سواءً أكانوا فُرادى أم ثنائيين أم ثلاثيين فجميعهم  مثَّلوا مثلث برمودا الموت بالنسبة للكرد و كردستان.

وبتقريب واستحضار ملف حسن خيري راهناً للكثير من حسناوات الحاضر خدم النظام التركي المتظللين تحت شجرته والمتسممين بفاكهته وبدون إلباسهم الزي الكردي يريدون تعرية الكرد وكردستان ليس فقط من الزي الكردي بل ومن اللسان والثقافة الكردية وإلا بما يُفَسَّرْ إصرار الأنكسة ENKS على منهاج النظام؟ ألَمْ يكن هذا المنهاج السبب والنتيجة فيما آلت إليه سوريا بشكل عام وروج أفاي كردستان خاصة المجردين كلياً من الهوية؟ ( فحتى الحاصلين عليها وحامليها فرضت عليهم اسم الهوية العربية السورية) والاسم والثقافة والتاريخ و و و و

وتنتهي الواو دون نهاية خليط الانتهاكات بحق سوريا بشكل عام وروج افاي كردستان بشكل خاص خاصة، ولا يفوتنا هنا العودة مجدداً لمصطلح شبيحة النظام الذين كانوا ينعتوننا به وإعادة تعريفه فكما عرفناه ببدايات ثورة اللغة وإزالة احتكار منهاج النظام السلطوي المهيمن والمغرّب عن الذات فإن عيون الحقيقة ولسانها مازال محفوراً في الذاكرة الثورية لِسنِيِّ الثورة واستحضار بعض الفيديوهات بالصوت والصورة تُغْنِي عن التحليل السياسي وواضحة وضوح الشمس للعيان ولنترك الآن الشعب يفصل كلمته و يقول لهم بالفم الملآن بالحقيقة من هم شبيحة الأنظمة وليس النظام البعثي فقط.   

بالعموم الشرق أوسطي فالحقيقة العملاقة الأنصع أن هذه الأنظمة اتجهت أبعد من ذلك بكثير فلعبت طوال عقود سنينها المنصرمة دور حفَّار القبور للقوميات والديانات وبشكل عام لميراث وتاريخ الشرق الأوسط إذ تم تجييرهم من قبل الحداثة الرأسمالية عبر النفخ لموظفيهم البيروقراطيين من رؤساء وملوك وأمراء وسلاطين طيِّعين طواعية الببغاء ليلتزموا بتنفيذ أوامرها سواء بإرادتهم أم بعدمها والصورة الماثلة لعيون الحقيقة ولسانها الناطق ينطق بتاريخ الحقيقة لحظياً لهؤلاء الموظفين المأجورين وإلَّا بما يُقاس وبما يمكن تسميته القتل على الهوية الدينية والقومية والاثنية ولجميع المستويات وكافة اتجاهات المعمورة الشرق أوسطية وكأننا أمام تاريخ بحر الدم والدمار.

وبدلاً من السير وفق أمواجهم لابد من تحديهم وتحدي أسيادهم ولكن ليس بلغتهم ولسان أسيادهم في الدم والدمار وإنما بانتهاج الخط المجتمعي لإخوة الشعوب واتحادها وعيشها المشترك على قاعدة الوحدة في التنوع وهي ركيزة وجوهر الخط الثالث للارتقاء بحاضنة الحرية والانسانية على الدوام و من أجل تحقيقه يستلزم الفهم الواسع بأفضل الصور لمعادلتي ومبدأي الحل داخليا وخارجياً

فأما الأُولى فتتمثل داخلياً بالدولة + الديمقراطية

وأما الثانية فتتمثل خارجياً بالحداثة الرأسمالية + العصرانية الديمقراطية

بهذين المبدأين امتدت أيدينا ولازالت ممدودة وستستمر ممدودة للسلام والحرية والديمقراطية داخلياً وخارجياً محلياً وإقليمياً ودولياً وحتى إن ظلت معلقة في الهواء فان طاقة الحرية والديمقراطية لحركة الحرية أثبتت للعالم أجمع عبر قوة المقاومة والنضال وملاحمها البطولية بأنها قادرة على الاستمرارية والمواظبة وحتى إن تعرضت لمحاولات الكسر التي لم تهدأ البتة وستحافظ على قيم السلام والحرية والديمقراطية.

الحقيقة نسبية و التعددية للمجتمعات، والكمال لله  فلنسعَ لرفع نسبة الحقيقة عبر الاعتراف  المتبادل للتعدديات لنقترب أكثر وأكثر من كمال الله، وكما تقول الآية القرآنية ( إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وكما تَمُدُّنا وتعلمنا الطبيعة الكونية عبر تعدد وتنوع ألوانها وأصواتها وكما مازال نداء الحرية لخوالد البشرية ينبض في قلوبنا فلنصّر من جديد وجديد ونتمسك بهذه الحقائق والارتقاء بها ومعها نحو إحياء الانسانية والمجتمعات الحرة الكريمة ونستطيع أن نسترشد هنا من مقولة مفكر وفيلسوف الحقيقة عبدالله اوجلان عصارة ما سعت آلاف الكتب لتبيان الحقيقة والقائلة “الحقيقة عشق والعشق حياة حرة “.

زر الذهاب إلى الأعلى