مقالات

إدلب مقابل ماذا؟

دلبرين فارس

يستشف من الصراع الدولي والاقليمي الدائر في سوريا والعراق  بأن العلاقات الدولية والاقليمية مبنية على نظامٍ تقايضيٍّ ربحيٍّ لا يتقيد بشيءٍ من المبادئ السياسية والأخلاقية، ويمكن أن نُشَبِّهَ هذه العلاقات بعلاقات تجار المافيا في الأسواق السوداء، حيث لا معايير ولا قوانين  ولا رادعٌ أخلاقي، جميعهم يسعون لكسب المزيد من الربح.

 حقيقة  مباحثات آستانا بكل أرقامها تندرج في هذا الاطار، فالنظام التركي والذي لم يتحقق رغباته واجنداتها، ولم يجد تصريفاً لمنتجاته القذرة اتخذ منحاه الطبيعي في الفتك بحلفائه من المرتزقة الضعفاء والذين يحاولون اليوم التشبث بآخر بؤر الشر في شمال غرب سوريا.

انطلاقاً من هذا الأمر، فلم يعد هناك جدوى أو معنى لمحاولة  توصيف ما يجري في سوريا على المستوى الاقليمي لأن ما في الداخل يعبر حقيقة ما في الخارج.

 الصراع في سوريا بين القوى الإقليمية والدولية صراع حصصٍ و تقسيم، وعلى ما يبدو إن حرب الوكالة شارفت على الانتهاء من دون أن يحصل البعض من هؤلاء التجار الاقليمين على حصصهم في معمعة هذا السوق المفتوح، لذا تراهم اليوم يتسارعون إلى تثبيت موضع قدمٍ لهم  في مدينة إدلب التي وقعت تحت سيطرة  مرتزقة جيش الفتح في ربيع عام 2015.

من هنا فإن مباحثات آستانا لم تكن سوى عملية مقايضة وتوافق وتوزيعٍ  وتوقيعٍ لسندات الدفع الكاش (أس 400) مقابل حصة في إدلب وحماة وضمان صكوك جرابلس والباب، والحيلولة دون تمدد قوات سوريا الديمقراطية إلى تلك المناطق، ولعل الشرط الروسي كان سحب البساط من تحت جبهة النصرة؛ اقوى المجموعات الإرهابية المرتزقة المرتبطة بتركيا وقطر.

بالطبع فقد عادت مدينة إدلب إلى الواجهة من جديد كمنطقةٍ أخيرة لتقاسم النفوذ على ما يبدو، ولدرجة أصبحت بؤرة تكثيف الصراع والتي ستكون ربما الحلقة الأخيرة لهذا الصراع.

 فبعد عملية المقايضة النسبية في فرض التهدئة على بعض المناطق “مناطق  خفض التصعيد” الثلاثة في جنوب غرب سوريا والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، تتكثّف الاتصالات واللقاءات والمناقشات حول إدلب التي كانت المنطقة الرابعة المتضمنة بهذا الاتفاق التركي الروسي الايراني خلال عمليات المقايضة في آستانا، إلّا أنّ التطورات العسكرية الأخيرة المشبوهة في إدلب، والتي أسفرت عن عملية سيطرةٍ وانهيارٍ سريعٍ لحركة أحرار الشام الإرهابية أمام هيئة تحرير الشام الإرهابية (والتي تمثّل جبهة النصرة قوامها الأساسي) والتي سيطرت على معظم مساحة المدينة، وتوسعت جنوباً باتجاه مدينة حماة أربكت القوى التي كانت تعد لترتيباتها الجديدة في تلك المنطقة، وبعد أن تقوم بضم النصرة إلى صفوف أحرار الشام أو توجيهها صوب المناطق التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب أو القضاء عليها واجتثاثها.

 ويبدو إن الطرح الأخير هو المعمول به بعد رفض النصرة للاندماج والانصياع لنصائح النظام التركي الذي يتسابق على حجز موطىء قدم فيها أو مقايضتها بملّفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لبعض القوى المتنافسة عليها.

 والحراك الإقليمي الأخير المتمثّل بالتحالف التركي الإيراني، ولقاء اردوغان وقيادات نظامه في إيران  مع كبار المسؤولين الإيرانيين سيفضي إلى جملةٍ من المقايضات من ضمنها مدينة إدلب، والتي أشارت إليها بعض الوسائل الإعلامية  في وقتٍ قريب بأن تركيا أرسلت 500 جندي إليها في إطار عملية الاتفاق مع طهران وموسكو.

 لا شك بأن اللقاء التركي الإيراني الأخير في إيران يعكس تخوّف النظامين من إمكانية اتفاقٍ روسيٍّ – أمريكيٍّ لا يأخذ بالحسبان أجندات النظامين اللذين استثمرا في سوريا منذ اندلاع الأزمة في سوريا.

ففي حين تخشى تركيا من أن تقوم قوات سوريا الديمقراطية بشن هجوم مدعوم من التحالف الدولي على مدينة إدلب وتخلصها من تنظيم النصرة الإرهابي وبالتالي ستقطع الطريق أمام احتلالها وأجندتها وستحصرها هي ومرتزقتها في مدينة جرابلس الحدودية.

 تخشى إيران أيضاً من تكرار نموذج جنوب غرب سوريا الذي أفضي في إبعاد الميليشيات الموالية لإيران من المنطقة المشمولة باتفاقية “خفض التصعيد”، ولذلك تحاول الدولتان الإقليميتان اللتان تواجهان تراجعاً ملحوظاً  لنفوذهما ودورهما في سوريا والمنطقة عموماً أن تتوصلا إلى تفاهمات تحفظ لهما دوراً في أي ترتيبات مقبلة، كلّ هذا الصراع على إدلب ينبع من حقيقة أنّ حسم الأوضاع في هذه المنطقة سوف يوضّح الصورة الشبه النهائية لسوريا ما بعد داعش والنصرة، وبالتالي سوف تبدأ ترتيبات عملية سياسية محكومة بالوقائع الميدانية تفضي إلى حلٍ في نهاية المطاف.

زر الذهاب إلى الأعلى