مقالات

أطماع أردوغان فى سوريا والدور المصري المأمول

لاشك أنه منذ الأحداث التي جرى تسميتها بثورات الربيع العربي, والتي عصفت بمنطقة الشرق الاوسط، والمشهد السياسي في المنطقة العربية يأخذ مساراً يتسم تارةً بالهدوء، وبالضوضاء تارةً أخرى؛ ما بين مَطالِبٍ لِقومياتٍ وأقلياتٍ سَعَت لنيلِ حريَّتها أو لشعوبٍ طالما آثرت أن تحصل على حريات كثيراً ما سُلبت منها في ظل أنظمةٍ سادت أو تلك التي قُدِّرَ لها أن تتغير بقت أو بقدر محدود ولاسيما في المنطقة العربية، والتي تزخر بأطماع استعمارية لكلٍ من تركيا وإيران بدعم كل من الولايات المتحدة وروسيا.

والمتتبع للأحداث في المنطقة يلاحظ أنها تزخر بنوع من الصراع بين ثلاثة مشروعات – سوق أردوغان سلطان الإرهاب المُتأسلم لأولاهما, تتناحر فيما بينها؛ بين مشروع رجعي يرتدي عباءة دينية قُدِّرَ له أن يفشل في مصر على أيدي جماعة الاخوان المسلمين وليس له الآن سوى امتداد فكري بين تركيا أردوغان  وملالى إيران, وبين مشروع قومي اتسم اتباعه في يومنا هذا بالخطابات الرنانة دون الفكرة التي ربما يتكسب منها جلُّ المنتمين إليه في هذا المشروع القومي, وبين مشروع ثالث يهتم بالضرورة بالحقوق والمصلحة المشتركة بين دول المنطقة ونبذ العنف من أجل بناء دولة وطنية تؤمن بالمشاركة والتوافق بين جميع أركان المنطقة, والتي مثلت مصر والإدارة الذاتية في روجافا السورية نموذجان رائدان في ذلك في ظل قيادتهما الحكيمة ومؤسساتهما الوطنية ولا سيما منذ ثورة 30 يونيه 2013م وحتى الآن, وسرعان ما دار صراع خسرته تركيا في مصر فتوجه نظام اردوغان القمعي إلى ممارسة إرهابه في سوريا الحبيبة بدعم ذراع إرهابي “داعش” الذي هي بالفعل من ميليشيات أردوغان؛ فقد سبق أن أسس شركة سادات للام كَسِتَارٍ لهم؛ بل واستخدمهم لتوجيه أطماعه إلى شمال وشرق سوريا مستغلاً مكانته كعضو في الناتو خاصة وأن على أراضيه أكثر من 26 قاعدة عسكرية أمريكية – سبق أن قامت بحمايته من الانقلاب المزعوم ــ, ثم احتُلتْ عفرين بصفقة دولية مَقِيتة ومُريبة تم تنفيذها بين الجانب الروسي والتركي وغضّ الطرف الأمريكي وصمت النظام البعثي السوري المدعوم من إيران وروسيا.

رغم تنديد مصر بالاحتلال التركي وإصدار الخارجية المصرية بياناً رسمياً في هذا الشأن ونادت مصر بأهمية التوافق على المسألة السورية في ضوء القوى الوطنية السورية والتي مثل الكُرد فيها عنصراً هاماً من عناصر القوى الوطنية السورية خاصة بعد أن نجحت قوات قسد في التصدي للعمليات الإرهابية من قبل القوات التركية في عفرين وغيرها واستغلال أردوغان داعش كفزاعة في هذا الشأن ومن ثم نجحت قوات سوريا الديمقراطية من تحقيق انتصارات على مشروع أردوغان التوسعي في المنطقة وتَوَاكَبَ ذلك مع نجاحات الدولة المصرية في القضاء على البؤر الإرهابية وفى بسط النفوذ المصري على شرقي البحر المتوسط, لذا فقد حان الوقت إلى قيام مصر بدورٍ فعالٍ لتوطيدِ أواصر العلاقات بين الشعبين العربي والكُردي وخاصة في سوريا لِمَا لنا من ارتباط بين تاريخنا العربي والكُردي معاً، ولاشكَّ أن هذه الخطوة تُعَدُّ من الخطوات المهمة الأساسية لفهم الآخر، وبناءِ السلامِ والتعايش الأخَويِّ بين كل القوميات ومكونات الطيف العربي والكُردي قومياً ودينياً وفكرياً وفق اُسسِ التسامح واحترام الآخر، وبصورة متساوية ومتكافئة، و الحوار المطلوب هو حوارُ الأخوَةِ، والقائم على حُسنِ النَوَايا، لأن الجميع، وبخاصة شعب كُردستان في شتى مناطقه وفى سوريا على وجه الخصوص، تعرَّضوا إلى أبشع صورِ الاضطهاد، والآن يُمارس عَليهِم من قبل الدولة التركية التي تدعم الارهاب في ظل صمتٍ دوليٍّ مُشين.

لذلك  تقع على المثقفين العرب مسؤولية أخلاقية وإنسانية في فضح هذه الادعاءات الزائفة، وعدم السماح مطلقاً لكل ما يُسيء إلى الإخوَّة العربية – الكُردية، كما إن مستقبل العلاقات بين أكبر شريكين في وطن واحد، و هما: (الكُرد و العرب)، يُوجِبُ على مصر لِمَا لها من ريادة عربية توحيد الجهود لبناء دولة المؤسسات الدستورية والوقوف ضد الأطماع التركية في المنطقة بل واحترام الحقوق المشروعة للكرد، وكذلك الاعتراف بحقوق جميع الأقليات الأخرى، وتطبيق القانون بصورة عادلة بما يحقق المساواة، وفي احترام حقوق المرأة، وتعديل وضعها الحقوقي، وفي إطلاق الحريات العامة، ومعاقبة كل من ارتكب ويرتكب جرائم ضد الكُرد والقوميات الأخرى، وفقاً للقانون، وبضرورة تعويض كل الأشخاص الذين تضرروا من الجرائم الدولية التي ارتُكبت ضدهم من طردٍ وتهجير، ومصادرة الأملاك، وقتل وغيرها، وإعادة المهجرين، وفي ضرورة وضع سياسة تعليمية جديدة، من المراحل الدراسية الأولى، تشِيع ثقافة حقوق الإنسان ونبذ العنف، وترسيخ التسامح وقيم الفضيلة، وفي تعليم اللغة الكردية في المناطق العربية، وتدريس اللغة العربية في المناطق الكردية، وفي فتح قنوات تلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى، ناطقة باللغة الكردية في المناطق العربية؛ ففي شمال سوريا, في روجافا ذات الأغلبية الكردية شرفتُ بأن أزور هذا المكان ودون أن أردد ما يقال بشأن رغبة الكرد في شمال وشرق سوريا في الانفصال عن سوريا أيقنت أن روجافا هي وحدةُ سوريا كاملة دون انفصال؛ وسط مشروع يحمل في طيَّاته الأخوَّة والتسامح والانتماء للوطن السوري أجمع، والوقوف أمام الاحتلال التركي وإرهاب أردوغان الذي لم تكن عفرين سوى بداية في تحقيق حلم امبراطورية لن تتحقق رغم مساندة قوى دولية لنظام اردوغان الداعم للإرهاب والمحرك له, و في نفس الوقت فإن القوى الاستعمارية ومنها تركيا وإيران تحاول أن تستغل تلك الأوضاع لتحقيق نوع من النفوذ على حساب العرب والكرد في المنطقة ولاسيما في ظل فتور الادارة الامريكية الجديدة والتي لازالت حتى الآن تبشر بنتائج سلبية على الخريطة السياسية في الشرق الاوسط على وجه التحديد، ومن الممكن بعد هذا الطرح الواقعي الذى يبتعد عن الخطب الجوفاء ويعتمد على العقل وما هو متاح وفقاً للمشهد الحالي أن يكون للدولة المصرية دور في الوقوف أمام الأطماع التركية من قبل فاشية اردوغان وإرهابه الذي انتهك كافة القوانين الدولية بل وأن يكون للإدارة المصرية الحكيمة دوراً في رأب الصدع في المنطقة بالاعتماد على تقريب وجهات النظر بين دول الجوار شركاء المنطقة مما يُبعد شبح الحرب التي حاولت بعض الأطراف الدولية ذات المصلحة والتي استقطبها كل من تركيا وإيران إذكائها على أساس تحرريِّ تارة وطائفيٍّ تارةً أخرى، مما يجعلنا أمام مسؤولية تاريخية للأجيال القادمة للإعمار وليس الفتن وإبعاداً في نفس الوقت للأطماع التركية والإيرانية في المنطقة  والتي نثق في قدرة الدولة المصرية على تبني حق الكُرد في سوريا في دعم الدولة السورية المُوَحَّدة ولا سيما أن الهدف واحد والعدو مشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى