ثقافة

يوسف كلو تاريخٌ غيرُ مدونٍ من النضال

حاوره:

مصطفى عبدو- دلبرين خلو

لديهِ القدرةُ المدهشةُ على زحزحةِ الهمِّ بعيداً، وقتلِ الوقتِ في دردشةٍ ممتعةٍ تريدُ للوقتِ أن يتوقفَ لكي لا تنتهي. صادقٌ لا يخفي حقيقتهُ وصورته, كلماتهُ عذبةٌ سلسةٌ، تجدهُ يتحدثُ عن العلاقاتِ الإنسانيةِ التي تباعدتْ، وعن تفككِ الأسرةِ وغدرِ الأصحابِ. يرتاحُ المستمعُ لكلماتهِ المُنتقاةِ بعنايةٍ فائقةٍ كأنها حباتُ المسبحةِ في تسلسلها وسردها. وبمجردِ أنْ تتحدثَ عن أولادهِ تتسابقُ حباتُ اللؤلؤِ بالخروجِ من مقلتيهِ رغمَ محاولاتهِ البائسة بإخفائِها.

قامتهُ الفارعةُ تنتصبُ شامخةَ وما أنْ تغوصَ في قعرِ ذاتهِ لنْ ترى سوى مَنْفَذٍ تُعبرُ منْ خلالهِ إلى العالمِ الفسيح.

كمْ منَّ السنواتِ مضتْ دونَ أن تتركَ أثراً في هذا الشخص؟ أيها الصامدُ ماذا تتنظرُ بعدَ كلِّ هذا العمرِ وهذا الشقاءِ بعدَ أن أكلتْ منكَ السنواتُ أحلى ما تملك !!؟ أنتَ وحدكَ تعرفُ الجوابَ مثلما تعرفُ الأسئلةَ وكلَّ الأسئلةِ وحدكَ تعرفُ الحقيقة.

كانتْ أيامَ عمرهِ تجري مثلَ غيومٍ لا تتركُ خلفها سوى بقعٍ ملونةٍ من الأوجاعِ والمآسي والآلام.. وبعضُ الذكريات, يتكئ بندقيته، وواضعاً علبةَ التبغِ البلديِّ أمامهُ معتنياً بها، رافضاً التخليَّ عنها, أية علاقة بينهم، كم من الأيام والليالي أمضوها وحيداً. تجدهُ يحبو أمامَ صورٍ لخالدينَ افتقدهم بحرارةٍ ويتأملُ ذلكَ الرجلَ الذي صورتهُ تتوسطُ الجدارَ بحواجبهِ الكثيفةِ وشاربهِ العريض، يظلُ مُحَدِّقاً في مرايا أحلامهِ محاولاً الإبقاءَ على بعضٍ من ارتياحه.

أما زوجتهُ (سعده)؛ فالحديثُ عنها يتميزُ بنكهةٍ أخرى، فمنذُ زواجهما ومركبُ العمرِ يسيرُ بهما سيراً دافئاً هادئاً حنوناً، أصبحتْ في وقتٍ وجيزٍ الزوجةَ والصديقةَ ورفيقةَ الدرب، تمتثلُ لنصائحهِ وتشدُ من ازره, بدأ حبهما يكبرُ ويرتقي كشجرِ اللبلابِ يتابعُ النموَ في شوقٍ إلى المزيد. تجلسُ قبالتهُ تشاركهُ الحديث، تتابعُ معهُ الأحداث، ولا تنسى أن تذكرهُ بما فاته كلما خانتهُ الذاكرة، وتظل ملازمة له. يتذكرُ أنهُ ذاتَ يومٍ شدها من ضفيرتها فشعرَ بالندم، تأسفَ لها في حينها، لكنه ومازالَ يشعرُ بالندمِ على تصرفهِ ذاك. كيفَ فعلَ ذلكَ وهي الرفيقةُ والحبيبة.

ارتأت صحيفةُ الاتحادِ الديمقراطيِّ أن تكونَ ضيفةً على “يوسف كُلو” أحدُ أبرزِ الشخصياتِ الوطنيةِ والثوريةِ في تاريخنا المعاصرِ على المستوى الإنسانيِّ والكردايتي.

منْ هو يوسف كُلو هذا الشخص الكردي والكردستاني ؟

وماذا  عن مسيرتهِ على الصعيدِ الشخصيِّ والسياسيِّ والثوريّ  طيلةَ 70عاماً من الكدحِ والنضال؟

 نَدَعُ يوسف كُلو يتحدثُ لنا عن أحداثٍ وحقبةٍ من المقاومةِ والكفاحِ ربما لن يسعها صفحاتُ جريدتنا، ليفتحَ لنا الأبوابَ على مصراعيها، الحِراكُ السياسيُّ الكرديُّ والواقعُ الاجتماعيُّ للكُرد.

تحدثَ كلو قائلاً: “في نهايةِ الخمسيناتِ من القرنِ العشرين، انتشرَ الفكرُ الشيوعيُّ في عمومِ أرجاءِ الشرقِ الأوسطِ كما تأثرَ الكثيرُ من الكُردِ بهذا الفكرِ الجديدِ عليهم.

مرحلة الطفولة والمشاكسة

كنتُ من المُجدّينَ في مدرسةِ قريةِ (سادان) حيثُ كنّا نقطنُ إلى جانبِ بعضٍ من المشاكسةِ التي كنتُ اتمتعُ بها حينذاك، وبعد فترةٍ قليلةٍ انتقلتْ المدرسةُ إلى القرية المجاورة (دودان) ولوجودِ بعضِ المشاكلِ لم اتمكنْ منْ متابعةِ التعليمِ في القريةِ المذكورة.

تركتُ الدراسةَ وأنا في الصفِ الثاني، لكنْ تعلقي بالعلمِ دفعني إلى التتلمذ على يد الملا شيخموس عبدالله، رحمهُ الله، وخلالَ فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ ختمتُ القرآن، الأمرُ الذي أدهشَ الملا. رغبتي بالأكثر دفعتني بالذهابِ إلى قرية (جولدارا )لدراسةِ علومِ الدينِ هناك؛ حيثُ العديدُ من الكتب،  كنتُ في الرابعةِ عشر من عمري آنذاك، تأثرتُ كثيراً بالعالمِ الدينيِّ المعروفِ “حاج موسى” الذي لم يكنْ يرفضُ مناقشةَ الأمورِ السياسةِ كغيره، وتعلقتُ بهِ لدرجةِ إنني كنتُ استشيرهُ في أغلبِ الأمور.

العملُ مع الحزبِ الشيوعيّ

تعرفتُ في تلكَ الفترةِ على الحِراكِ الشيوعيِّ من خلالِ “نوري فرحان” الذي كانَ من أعضاءِ ومؤسسي الحزبِ الشيوعيِّ الأوائل في المنطقة، وعلى رائدِ الحركةِ الكرديةِ السياسيةِ سيداي جكرخوين، الذي كانَ أيضاً من روادِ الحِراكِ الشيوعيّ، ويعملُ على تنويرِ المجتمعِ الذي كانَ قابعاً تحتَ الفكرِ الدينيِّ الأعمى، وتسلطِ رجالِ الاقطاعِ، واستبدادِ سلطةِ الدولة.

 كانَ يجالسُ الكبيرَ والصغير، يتحدثُ إليهم، يدعوهم إلى العلمِ والكفاحِ والتخلصِ من الجهلِ وسلطةِ رجالِ الدين.

 كنتُ ضمنَ خليةِ المؤازرةِ للحزبِ الشيوعي، وشاركتُ في عدةِ نشاطاتٍ للحزبِ كالمسيراتِ وبعضِ الاجتماعات، حيثُ لم يكن هنالكَ أيُّ حزبٍ كرديٍّ في تللكَ الفترة.

الحياةُ في المدينة

بعدَ فترةٍ انتقلتُ وعائلتي إلى مدينةِ قامشلو، وسكنتُ حيَّ الهلالية والذي كانَ يضمُ حوالي 100 منزلٍ تقريباً، وكانَ لا يفصلُ الحيَّ عن مركزِ المدينةِ  سوى النهر ، سعيتُ بالتعرفِ على بعضِ الشخصياتِ الوطنية، لم أُخْذَل بذلكَ؛ فتعرفتُ على “محمود نيو” أحدُ مؤسسي الحزبِ الديمقراطيّ، وعن طريقهِ تعرفتُ على العديدِ من الشخصياتِ الوطنيةِ والسياسيةِ الكردية، من بينهم “سيداي كلش”، هنا أودُّ أنْ أُشيرَ إلى أمرٍ؛ وهو أنني وقبلَ انضمامي إلى الحزبِ المذكورِ لم أنسى الذهابَ إلى “سيداي حاج موسى” لأخذِ مشورتهَ في ذلك، طبعاً وافقَ سيداي حج موسى بانضمامي إلى  الحزبِ ومزاولةِ الكفاحِ السياسيِّ والنضاليّ، لكنهُ طلبَ مني أنْ أكونَ حذراً، وأن أكونَ دوماً في الوسط، وأكدَ لي أنًّ ما أقومُ بهِ هو واجبٌ شريفُ وعلى كلِّ أنسانٍ أنْ يناضلَ في سبيلِ قضيتهِ وكرامته.

العملُ ضمنَ صفوفِ الحزبِ الديمقراطيّ

خلالَ سنةٍ من انضمام إلى صفوفِ الحزبِ أصبحتُ مسؤولاً عن اللجنةِ الفرعيةِ للحزبِ في قامشلو، وبعدَ العملِ كعضوٍ مسؤولٍ في الحزبِ رغبتُ بالالتحاقِ بثورةِ البارزاني في باشور كردستان في بداية الستينات، إلا أنَّ هذا الحلمَ لم يتحقق مع محاولاتي العديدة، ونتيجةً لنشاطي الحزبيِّ تعرفتُ على نورِ الدين ظاظا، وكانَ رئيساً للحزبِ آنذاك، وتناقشنا حولَ أمورٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ عديدة؛ اعجبَ بأفكاري وشدَّ على يدي.

وهكذا لم اعمل بنصيحةِ سيداي حاج موسى في التوسطِ في الحياة، بل أخذتُ مركزَ الصدارةِ في النضالِ والكفاح، واخترتُ الخطوطَ الأمامية، لم أنظر للخلفِ أبداً، كنتُ دائمَ المسيرِ نحوَ الأمام.

حادثةُ الجسر:

لم يكنْ هناكَ طريقٌ سالكٌ بينَ حيِّ الهلاليةِ ومركزِ المدنية، الطريقُ الوحيدُ كانَ عِبارةٌ عن دربٍ سالكٍ عبرَ الأحراش، وكانَ على سكانِ الحيِّ أن يقطعوا النهرَ الفاصلَ بينَ الحيِّ ومركزِ المدينة، طلبتُ من صديقٍ لي كانَ اسمهُ “فريد”، كانَ مهندساً في البلديةِ بأنْ يقومَ بإنشاءِ طريقٍ وجسرٍ بسببِ الظلمِ والإهانةِ التي كانَ يتعرضُ لها سكانُ الحيِّ عند ذهابهم إلى مركزِ المدينة، وخاصةً النساءَ منهم، استطعتُ نيلَ الموافقة؛ وبادرتُ ومجموعةٌ من السكانِ بإنشاءِ ممرٍ بينَ الطرفين، لكنْ لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى قامت السلطاتُ الحكوميةُ بهدمِ الجسرِ بحجةِ إنَّ البيشمركة يعبرونَ من على هذا الجسر، وعلى أثرِ ذلكَ بادرَ رجالُ السلطةِ بضربِ المواطنين، لم يتحمل أخي “محمد” العنيد ذلك، فأمسكَ رئيسَ المخفر و أوسعهُ ضرباً، ونتيجةً لذلكَ قامتْ السلطاتُ بالهجومِ على منازلنا، وحدث اضطرابٌ محليٌّ شاركَ فيهِ نساءُ ورجالُ الحي، وأعتُقِلَ على أثرِ ذلكَ الكثير، لكنْ بعدَ حوالي 45 يوم من الجهودِ في سبيلِ أطلاقِ صراحِ المعتقلين؛ تمَّ لنا ذلك، لكنَّ أخي “محمد” بقيَّ متوارياً عن الأنظار ومُلاحقاً. لقد كانَ رئيسُ المخفرِ مُقرباً من ميشيلِ عفلق المعروفُ بكراهيتهِ للكرد. من هنا كانَ إصرارهُ على اعتقالِ أخي محمد، عشنا حالةَ الهروبِ والتواريِّ عن الأنظار، وذاتَ يومٍ كنتُ أنا وأخي إبراهيم في الطريقِ بالقربِ من ” آشي بوزي” وإذ  بضابطٍ  يظهرُ فجأة؛ طلبَ مني أخي أبراهيم الهروبَ والتخفي،  لكني رفضتُ ذلكَ وانتظرتُ ما يطلبهُ منّا هذا الضابط، المفاجأةُ أنهُ طلبَ منّا العملَ في بناءِ منزلهِ الذي يحتاجُ إلى بعضِ الصيانة،  وبالفعلِ عملنا لمدةِ سبعةِ أيامٍ في منزله، لقد كانَ يُعاملنا بكلِّ تقديرٍ واحترام، وأصبحَ بيننا علاقةُ صداقة، وعلى أثرِ ذلكَ وبعدَ ترددِ شرحتُ لهُ موضوعَ أخي المُلاحق، وبالفعلِ لم يخب هذا الشخصُ

أملي؛ فقد طلبَ مني أن أجلبهُ إليه، وخلالَ فترةٍ قصيرةٍ أصبحَ محمد حراً، لكنْ محمد وبمرورنا منْ أمامِ بابِ المختارِ هددَ المختارَ بالقتل، ومرةً أخرى عادَ محمد إلى الملاحقةِ ثمَّ السجنِ والتعذيب. مرةً أخرى عدتُ إلى ذلكَ الضابط  (أبو حسين) وطلبتُ منهُ أنْ يساعدني في أطلاقِ سراحِ “محمد”، وبالفعل لبى هذا الشخصُ طلبي مرةً ثانية، وطلبَ من قيادةِ الأمنِ الكفَّ عن ملاحقةِ هذا الشخص، لا أعرفُ لماذا قَدًّمَ لنا هذا الشخص هذهِ الخدمات، لكنْ كانَ يبدو عليهِ أنهُ شخصٌ مطلعٌ على ثقافةِ المجتمعِ الكرديِّ  ومتعلقٌ بها. بدوري وفي اليومِ التالي قدمتُ لهُ صحيفةَ صوتِ كُردستان، وطلب مني أنْ احضرَ لهُ مجموعةً من الكاسيتاتِ للأغاني الفلكلوريةِ الكُردية.

وعلى أثرِ هذهِ الصداقةِ مع أبو حسين؛ تَقَرَّبَ العديدُ من القياداتِ والشخصياتِ المحليةِ الكرديةِ إليّ.

في 1983قمتُ أنا وأخوتي بأحياءِ أولِ نوروزً في روج آفا، وجاءَ العديدُ من الشخصياتِ الكرديةِ من أوروبا ومن عفرينَ وكوباني وحلب.

لحظةَ الاعتقال في باكور

منْ أجلِ توسيعِ نشاطِ الحزب؛ قررتُ الذهابَ إلى باكورِ كُردستان،  هناكَ ألتقيتُ بعددٍ من الشخصياتِ الوطنيةِ الكرديةِ البارزةِ في تللكَ الفترةِ كـ (موسى عنتر)، والعديدُ من الأحزابِ وفي قرية (جالي ). بينما كنتُ جالساً في منزلِ جديّ استمعُ لبعضِ الأغاني الفلكلوريةِ الكرديةِ جاءت مجموعةٌ من الجندرمة، وقاموا باعتقالي؛ وجاؤوا بالمختارِ ليثبتَ لهم بأنني لستُ من أهالي القرية، تخاذلَ معهم المختار، وأثناءَ سوقي للسجنِ ألتقى بنا أستاذُ المدرسةِ وطلبَ منْ رئيسِ الجندرمة إطلاقَ سراحي بعدَ أنْ تعرَّفَ عَلَيّ، وقد امتثلت الجندرمةُ ورئيسهم لأوامرِ ذاك الأستاذ، وبعدَ أن كُشِفَ أمري كناشطٍ سياسيٍّ طلبَ مني العودةَ إلى قامشلو. اجتمعتُ بأهلِ قريةِ جالي، وأطلعتهم على أمرٍ هامٍ مفادهُ أنَّ اتاتورك أرسلَ العديدَ من مخابراتهِ بصفاتٍ عِدة على المناطقِ الكرديةِ لمعرفةِ الواقعِ السياسيِّ الكرديّ، ويبدو أنَّ ذاكَ الأستاذ كانَ واحداً منهم.

كلو وآبو اوصمان

عدتُ إلى المنزل، وألتقيتُ “آبو أوصمان صبري” الذي احبني كثيراً؛ اتذكرُ أنهُ سألني ذاتَ مرة كيفَ انخرطتَ في السياسة، لقد كانَ جوابي لهُ بأنني استشرت في هذا الأمر مع سيداي حاج موسى والذي قال لي:” أنَّ طريقَ الكردايتي هو عملٌ وطنيٌّ لكنهُ صعبٌ وشاق، وإنْ اخترتَ السيرَ فيه فلا تكنْ في المقدمة، كن دوماً في الوسط”.

اللقاءُ مع أوجلان لأولِ مرة

بعد عودتي زارني مجموعةٌ من أعضاءِ الحركة التحررية  ” طلبة”  إلى منزلي، وهكذا فقد تأثرتُ كثيراً بأفكارهم، زيارتي الأولى للقائد آبو كان في عام 1986 في مدينة دمشق، لقد أثَّرَ القائد بشكلٍ مباشرٍ على مسيرتي في الكِفاحِ والنضال، وعلى إثرِ ذلكَ أصبحتُ أحدَ أعضاءِ هذهِ الحركة، وتعلقتُ بها، وناضلتُ في سبيلها بكلِّ ما أملك.

بزوغُ الحركةِ التحرريةِ في روج أفاي كُردستان

تأثرَ “يوسف” بفكرِ الحزبِ بعدما توجهَ القائد عبد الله أوجلان إلى ذلكَ القسم، وقامَ بتنظيمِ الشعبِ بكافةِ فئاتهِ وشرائحهِ وطبقاته، وكانَ لهُ الأثرُ الأكبر بتغييرِ الواقعِ الموجودِ هناك، وهو ينشرُ الفكرَ التحرريَّ بينَ أبناءِ الشعبِ الكردي، وينيرُ الأفكارَ والعقول.

تعلقَ بهِ الكثيرُ حتى من المكوناتِ الأخرى، وبعدَ وضعِ اللبناتِ الأولى لثورةِ الشعبِ أنتشرَ الفكرُ الثوريُّ بينَ الجماهيرِ المناضلةِ في غربي كردستان، مساهماً في بناءِ الشخصيةِ المناضلةِ والحرةِ القادرةِ على بناءِ مجتمعٍ ثوريٍّ يقودُ المجتمعَ نحوَ الديمقراطيةِ والحرية.

 ففي تلكَ السنواتِ التي كانتْ فيها أفكارُ وفلسفةُ وأيديولوجيةُ الحزبِ تنتشرُ في ذلكَ القسمِ منْ كُردستان، وخاصةً تحتَ تأثيرِ المقاومةِ التي أبداها كلٌّ من الرفاق “مظلوم دوغان” ورفاقهِ في السجونِ التركية، أنخرطَ المئاتُ من أبناءِ روج آفا إلى صفوفِ الحركةِ التحررية، وكانَ من بينهم “يوسف كلو” وعائلتهُ حتى أصبحتْ هذهِ العائلةُ كلها ملكٌ للحركةِ التحرريةِ الكردية. ولعبتْ دوراً ريادياً في توعيةِ وتنظيمِ المجتمعِ الكرديِّ والسيرِ على نهجِ قائدِ الحركةِ ومبادئهِ الثوريةِ والانخراطِ في صفوفِ الثورة.

لعبتْ الحركةُ التحرريةُ الكردستانيةُ دوراً كبيراً في نموِ الوعيِّ  الثوريِّ والقوميِّ الكرديّ، وكانَ لها تأثيرٌ كبيرٌ في تغييرِ وتحويلِ الفردِ ليصبحَ لهُ دورٌ في عمليةِ تجديدِ المجتمع، والنهوضِ بهِ وليصلَ بهِ إلى حالةٍ اجتماعيةٍ تتمتعُ بالقيمِ الأخلاقيةِ والإرادةِ السياسية.

و على النقيضِ منْ ذلكَ ظهرتْ الأفكارُ المضادةُ من بينِ المجتمعِ الكرديِّ والتي عملتْ على تبديدِ هذا الحِراكِ الصاعد، والوقوفِ بوجهِ وغالبيةِ هؤلاءِ الذينَ كانوا ممنْ يتمسكونَ بالمفاهيمِ العشائريةِ  والإقطاعيةِ الارستقراطية، حيثُ كانوا يميلونَ إلى روحِ القوميةِ البدائيةِ المناهضةِ للتغييرِ الثوريِّ الاجتماعيِّ في كُردستان، وآخرونَ ممن سلكوا دربَ التخاذلِ والخنوعِ وربما العمالة.

ما يمكنُ قولهُ عن يوسف كلو

يوسف كلو من الذينَ اختارَ طريقَ الثورةِ والتغييرِ والالتحاقِ بالنضالِ بعدما سخًّرَ كلَّ إمكانياتهِ وعلاقاتهِ المعنويةِ والماديةِ في خدمةِ الثورة، ومن ثمَّ الانخراطُ في فعالياتِ جبهةِ التحريرِ الوطنيِّ الكردستانيِّ بشكلٍ محترف، والتحولِ إلى كادرٍ ناضجٍ خلالَ فترةٍ قصيرة, كانَ ناضجاً في أسلوبهِ وتصرفاتهِ وعلاقاتهِ مع محيطهِ الاجتماعي، بالإضافةِ إلى قوةِ الذكاءِ وتأثيرهِ الواسعِ في الوسطِ الذي يعيشه, اتصفَ بالتواضعِ ومساعدة الآخرين، ويسعى إلى تمثيلِ روحِ التقشفِ الثوريِّ بوعيهِ وإرادته.

أهتمَّ “كلو” بتطويرِ نفسهِ من الناحيةِ الفكريةِ عبرَ البحثِ والدراسة، وعبرَ مسيرتهِ النضاليةِ الطويلة. ولقائُهُ مع القائد “آبو ” كانَ لهُ التأثيرُ المباشرُ والعميقُ في مسيرته. لقد تمكنَ من فرضِ احترامهِ على جميعِ أبناءِ العائلةِ والمجتمعِ المحيطِ به، كما تمكنَ منْ كسبِ ثقتهم وثقةَ جميعِ الذينَ كافحوا معه، بتواضعهِ وأخلاقهِ وشخصيتهِ الناضجة، والتي مُزِجَتْ فيما بينَ القيمِ المجتمعيةِ والإنسانيةِ وبينَ الروحِ الوطنيةِ العالية, لذا وبسببِ كلِّ هذهِ الصفاتِ التي كانَ يتصفُ بها، كانَ موضعَ حبٍّ واحترامٍ وتقديرٍ من قِبَلِ المجتمعِ بكلِّ فئاتهِ ومكوناته. بالإضافةِ إلى مواقفهِ النبيلة، وامتلاكهِ لأسلوبٍ  وطريقةٍ مميزةٍ في التعاملِ مع المجتمعِ ابتداء” من العائلةِ وكلِّ أبناءِ المجتمعِ الكرديِّ الذي كانَ يناضلُ بينهم، كانَ يسعى إلى تمثيلِ قيمِ والمبادئِ الوطنيةِ الكرديةِ بكلِّ حذافيرها، ويسعى لترسيخها بينَ الشعب. لقد انسجمَ بشكلٍ جوهريٍّ مع فلسفةِ الحركةِ التحرريةِ الكردستانيةِ وقائدها، تلكَ الفلسفةُ التي منحتهُ شخصيةٌ قلَّ نظيرها،  قادرةٌ على تحملِ المسؤوليةِ التي حملها على عاتقه، وأمضى بها قُدُمَاً في كافةِ الميادينِ الحياتية. ومنْ خلالِ الاجتماعاتِ التي كانَ يعقدها مع الشعب، والتي كانَ يظهرُ  فيها بوضوحٍ حقيقةَ تلكَ الشخصيةِ التي تُعطي الثقةَ والأيمانَ للشعب، ويختارها كقوةٍ وقدوة… هذا هو “يوسف كلو” وباختصارٍ شديد.

زر الذهاب إلى الأعلى