مقالات

نافذة الحل في تركيا

خليل حسن

 تكمن الحقيقة في الاعتراف بأن القضية الكردية هي الأساس في التحوُّل العام نحو الديمقراطية في السياسة التركية، من هنا فإن استمرار العزلة المفروضة على قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان منذ 19عام من قبل النظام الفاشي في تركيا، لن تثمر في وضع أي حلٍ للقضايا والأزمات التي تعصف بتركيا، فمنذ اعتقال المفكر والفيلسوف وصاحب نظرية الأمة الديمقراطية وعزله عن العالم الخارجي لم تخِفَّ وتيرة العنف تجاه الشعب الكردي سواء في تركيا أو في سوريا والعراق وايران، ومنذ استلام حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا وإلى يومنا هذا وضع هذا الحزب في أولوياته القضاء على أي منبرٍ ديمقراطي وسدِّ كل المنافذ التي من شأنها أن تفسح المجال أمام مسار حل القضية الكردية وُفقَ الأسس والمبادئ الديمقراطية، كونها الأساس في حل مجمل القضايا والأزمات المستعصية منذ عقودٍ ليست في تركيا وحدها بل في عموم الشرق الأوسط، وبالرغم من أن الدولة التركية تعلم جيداً بأن القضية الكردية لا يمكن حلها من دون العودة إلى إمرالي حيث خارطة الطريق، من هنا كان الأجدر بالنظام التركي البحث عن سبل التواصل حول وضع صيغة مناسبة لمناقشة خريطة الحل بدلاً من أن يسير بالاتجاه المعاكس بفرض العزلة وتشديدها على المفكر الكردي عبدالله أوجلان.

تفاءل الجميع خيراً وبخاصة الكرد بالوعود التي أطلقها أردوغان وبصعود حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا بداية ” 2009″، لكن ما إن تشبث الحزب ورئيسه بالحكم حتى تحول مساره إلى الانتقام والتنكيل، وما كانت وعود وتحركات أردوغان وداوود أوغلو سوى شعارات لكسب الرأي الكردي العام وغطاء لتمرير سياسات السلطة واختار حزب العدالة والتنمية طريق سابقيه لتثبيت قوته، وبعدها أحكم قبضته على الدولة متخذاً الاستبداد الناعم في البداية لينتقل فيما بعد بنظامه نحو نظام ديكتاتوري قمعي أشد مكراً وخداعاً من سابقيه. لقد تبين بأنه -أي اردوغان- يعمل على إضعاف السيطرة العلمانية ــ العسكرية على البلاد منذ عقود، فالاعتقالات وتسريح ومحاكمة قواد الجيش وحتى انقلاب15 تموز 2016 كل ذلك هو جزء من سياسة بسط السلطة وتثبيت دعائم الديكتاتورية.

مع بداية المرحلة الجديدة من الفوضى التي سادت المنطقة؛ كان للدولة التركية الدور الأبرز فيها في وقت كان بمقدور النظام الحاكم النأي عن هذه الأزمة والفوضى العارمة بترتيب بيته وحل قضاياه الداخلية بالوسائل الديمقراطية لا أن يعمل على حبال الفوضى والأزمات الدولية والإقليمية وبالتالي فتح البلاد أمام وسائل الإرهاب والأزمات الاقتصادية والسياسية لدرجة لم يعد بمقدور النظام الحاكم التراجع، لا بل أقحم البلاد في عمق الأزمات التي تعصف بالمنطقة والعالم، والتي بدورها سيحدد مصير تركيا كدولة في المستقبل القريب خاصة وأنها تمر بمرحلة مفصلية.

على الحكومة التركية والعالم التيقن بفشل حكومة حزب «العدالة والتنمية» في سياساتها المتعلقة بالقضية الكردية لأسباب عديدة.

الحقيقة الجلية تكمن في عدم استطاعة أردوغان في التخلص من الذهنية الطورانية القوموية الاسلاموية التي تناوبت على حكم الجمهورية التركية منذ تأسيسها وحتى يومنا الراهن بكل بساطة.

إن عدم اعتراف حكومة العدالة والتنمية بفشلها وسوء إدارتها لمسار حل القضية الكردية عبر مسار السلام الذي انطلق من امرالي كان السبب الأبرز في التحول الاستبدادي كردة فعلٍ انتقامية على عجزها في التخلص من ذهنية الإنكار والإبادة المتجذرة في العقل التركي الطوراني.

بهذه العقلية اتّبع نظام العدالة والتنمية سياسات قومية وعسكرية لم تختلف عن تلك المتبعة خلال فترة العشرينات والستينيات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ويوهم ديكتاتور أنقرة العالم المدرك تماماً لعمق القضية الكردية في تركيا، بأن المشكلة هي مشكلة أمن قومي أو مشكلة إرهاب أو منح بعض الحقوق الثقافية.

ومن هنا إن فكرة بناء تركيا جديدة وديمقراطية تأتي حصراً عبر بوابة إمرالي حيث قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان، والتخلص من فوبيا الكرد المتلازمة والملاصقة للحكومات التركية المتعاقبة.

زر الذهاب إلى الأعلى