مقالات

ملحمة الخامس عشر من آب إتمامٌ لسيمفونية (المقاومة حياة )وتتويجٌ لها باوركسترا (أم النصر أو النصر)

ياسر خلف

يصادف في هذه الأيام  الذكرى السنوية للخامس عشر من آب (ملحمة الانبثاق والانبعاث ) أنَّ ملحمة 15 آب كانتْ مرحلة مفصلية بالنسبة للشعب الكردي وحركته التحررية وعموم شعوب الشرق الأوسط، حيث تحول من الشلل والعدم إلى الحركة والحياة والانبعاث وإثباتِ للوجود الكردي كمجتمع وأخلاق وثقافة، ذلك الوجود الذي تعرض للصهر والإنكار والمحو. حيث يمكننا القول بهذا الصدد إن الثورات التي تقوم بها الشعوب لنيل حقوقها ونيل حريتها هي وحدها الدالة على حقيقة وجودهم ونشوؤهم والذاكرة السياسية والأخلاقية التي تبني عليها حاضرها ومستقبلها ربما لم يحظى شعب على وجه الأرض من ذاكرة نضالية مديدة في التاريخ كما حظي بها الشعب الكردي، ليتحول هذا النضال الطويل في سبيل تحقيق وجوده إلى ملاحم لا يمكن فصلها عن الكينونة الطبيعية الأصيلة للشعب الكردي الناتج عن المآسي والألم والمخاضات التي ألمت به، ورغبته المتجددة في الخلاص والمثابرة على الوجود كشعب عريق يمتد جذوره في التاريخ  إلى آلاف السنين، حيث يقول قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان بهذا الصدد:( إن مسيرةُ نضالِ الأعوامِ الثلاثين الأخيرةِ متجسدةً في الـ PKK، قد جرى خوضُها – فقط وفقط – من أجلِ قضيةِ الوجودِ بالنسبةِ للكرد. أي أنّ هذا الكفاحَ كان بمعنى من المعاني بغيةَ حَسمِ سؤالِ: الكردُ موجودون أم لا؟. فبينما كان أحدُ الطرفَين يُلِحُّ بشكلٍ انتحاريٍّ أعمى على أنه موجود، كان الطرفُ الآخرُ ينكرُ وجودَه. بل والأنكى والباعثُ على الخجل، هو أنّ المسألةَ الأوليةَ على صعيدِ التنورِ والتثقفِ الكرديِّ خلال العقودِ الستةِ التي تَسبقُ الأعوامَ الثلاثين الأخيرة، كانت تتجسدُ أيضاً في الانهماكِ بإثباتِ وجودِ الكرد. ما من شائبةٍ في أنّ شروعَ فردٍ أو مجتمعٍ ما في الجدالِ بشأنِ وجودِه، يُعَبِّرُ عن خطرٍ فادحٍ ومنزلةٍ منحطة للغاية، مُشيراً بدورِه إلى الخطِّ الرفيعِ الفاصلِ بين الحياةِ والموت. وما من موجودٍ أو كيانٍ اجتماعيٍّ في التاريخِ أُسقِطَ في هذا الوضع، أو نادرٌ جداً عددُ الكياناتِ الاجتماعيةِ التي تَعَرَّضَت لهكذا وحشيةٍ فظيعة. بمعنى آخر، لَم يُسقَطْ أيُّ كيانٍ اجتماعيٍّ إلى حالةِ الخجلِ من الذاتِ والقبولِ بإنكارِ الذاتِ بقدرِ ما هم عليه الكرد، أو نادرةٌ جداً الكياناتُ الاجتماعيةُ التي شَهِدَت هكذا انحطاطاً وسفالة. من جانبٍ ثانٍ، فأنْ تَكُونَ كردياً، يعني أنْ تَكُونَ شيئاً أَشبَه بأنقاضِ حشدٍ أو تجمعٍ بلا مَوطِن، ولا يساوي قرشاً واحداً، بل يبقى خاليَ اليدَين من المال،وعاطلاً عن العملِ بكثافةٍ كبيرة، ويَعمَلُ مقابلَ أيَّما أَجر، ويصارعُ دوماً من أجلِ الحياة، وينسى احتياجاتِه الثقافية، ويَهرَعُ بدأبٍ حثيثٍ لتلبيةِ احتياجاتِه المادية، ويَبقى مع ذلك بلا نانNAN (بلا خبز) في موطنِ الـ”نان” (الوطن الأم لثورة الزراعةِ النيوليتية).

   لقد سعى المستعمرون والمحتلون عبر سياساتهم وبمختلف نظمهم التسلطية  إلى  تحويل  كردستان إلى ثكنات  عسكرية ومستوطنات اقتصادية ليتمركزوا في قلب الوجود الكردي، ويهددوا شرايين ونبضات حياته في كل لحظة وحين, من هنا فقد كانت قفزة 15 آب  التي بدأها حزب العمال الكردستاني بصرخة القائد عكيد ليقول  لكل هذه السياسات والهجمات الوحشية  كفى للعبودية والقمع والعنف واللا عدالة والظلم، كما بإمكاننا الذكر بأنه بقدر أهمية ودور قفزة 15 آب بالنسبة للشعب الكردي فإن له معنى وأهمية عظيمة بالنسبة لجميع شعوب الشرق الأوسط، وكافة الشعوب المضطهدة  خاصةً أن ما كان يعاش قبل حملة 15 آب كان إنكارٌ لثقافة وإرادة كافة الشعوب بما فيها الشعب الكردي  إلا أن الشعب الكردي تمرد على هذا الواقع البعيد عن الإنسانية والأخلاق مع هذه الحملة القيمة،  وكان قد حان الأوان ليقول لجميع العالم على أنه سوف لن يخنع من الآن وصاعداً أمام المستعمرين،  بل أنه سيقاوم رغم  كل ما تعرض  له من ظلم وإنكار واستعمار، تلك المقاومة التي أبداها الرعيل الأول لحركة التحرر الكردستانية بقيادة كاوى العصر مظلوم دوغان ورفاقه في سجون الاحتلال التركية، والتي  زرعت الخوف والذعر في كافة أنماط الفاشية والتي تعتبر من أعظم  حركات المقاومة في التاريخ. وليكون ملحمة الخامس عشر من آب إتماماً لسيمفونية (المقاومة حياة ) وتتويجا لها باوركسترا (أم النصر أو النصر) حيث يمكننا القول أنه ليس من قبيل المصادفة أن هذه الحركة الثورية العظيمة في نضالها ومقاومتها قد انبثقت من صرخة مقاومة أطلقها مظلوم وشرارة نصر أوقدها معصوم. والتي باتت نتائجها وثمارها واضحة في وقنا الراهن . فالمقاومة التي بدأها مظلومٌ في غياهب سجنه ومعصومٌ من الجبال التي استقرت عليها سفينة نوح لتنبثق وتعلن ميلاد البشرية وخلاصها من جديد ليس مصادفةً أطلاقاً لكنها تجديد وتجسيد وإعادة للقيم الإنسانية والمجتمعية الأصيلة  التي افتقرت إلى جذورها منذ ما يقارب الخمسة آلاف عام  بعد ظهور الهيمنات المركزية المتعاقبة. إن حركة الحرية الكردستانية وشعبنا اليوم في أجزاء كردستان الأربعة يناضل ويحقق الإنجازات بقوة وروح مقاومة الخامس عشر من آب، والتي لم تنقطع حلقاته منذ ما يقارب الـ 32 عاماً انطلاقاً من قفزة الخامس عشر من آب من على ذرى جبال كردستان، وصولاً إلى ملحمة كوباني وشنكال ومقاومة عفرين. فالانتصارات لتي حققها ويحققها وحدات حماية الشعب والمرأة المنضوية في صفوف قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا, وقربها من دحر الإرهاب في آخر معاقله في الرقة هو نتاج لإرادة النصر المتوارثة من قفزة الخامس عشرة آب، هذا ويمكننا القول بهذا الصدد أيضاً إن التقاربات التي نشهدها بين أعداء الشعب الكردي لهو نتيجة للخوف والفزع الذي بات تشكله الروح الثورية المتصاعدة في عموم كردستان وروج آفا خاصة، وما حققتها من مكتسبات وانجازات بفضل تضحيات قواتها على الأرض التي تستلهم عزيمته وقوة إرادته من ملحمة الخامس عشر من آب والتي باتت تؤرق مضجع هذه الدول المحتلة لكردستان وأدواتها، والتي بات واضحاً من خلال سعيها إلى إعادة إحياء مخططتها ومؤامراتها للوقوف في وجه هذه الروح والإرادة الثورية المقاومة التي لا تعرف الهزيمة, والحيلولة دون  تحقيق الشعوب لآمالها وتطلعاتها والإنعتاق من براثن استبداد وعنصرية هذه الدول المحتلة , فما تشهده مقاطعة آفرين ومناطق الشهباء من تحشدات لجيش الفاشية التركية ومرتزقتهم على حدودها وقصفها لقرى وبلدات آفرين ومناطق الشهباء؛ هي في حقيقة الأمر ناتجة من الخوف والفزع من أرادة الحرية والنصر المستمدة من روح الـ 15 عشر من آب التي يحققها قواتنا في جبهات القتال و دحرها لمرتزقتهم في آخر معاقلهم، وذلك من خلال قيام الطورانية التركية بإبرام صفقاتها ومخططاتها  القديمة الجديدة مع ملالي إيران والنظام الأسدي، ساعين إلى إعادة عجلة التاريخ إلى سابق عهدها ووئد الروح الثورية المقاومة في عموم كردستان وروج آفا والشمال السوري بشكل خاص، وهذا ما بات جلياً من تغيرٍ لخارطة التحالفات والمحاور، وخاصة بعد الأزمة الخليجية وانكشاف داعمي وممولي الإرهاب عالمياً وإقليمياً وخاصةً بعد قطع امريكا للدعم والتسليح لما تسمى بالمعارضة ومجاميعها المرتهنة ما جعلت هذه المحاور والدول  مكشوفة الأجندات والمخططات والانكفاء والعودة إلى اتفاقياتها القديمة أو احيائها من جديد  للحد من إرادة الشعوب والحيلولة دون تحقيق مشروعها الديمقراطي المدني التعددي الفدرالي ليس لروج آفا والشمال السوري فحسب بل لعموم سوريا. لكن ما لا يستطيع أن يدركه أعداء الشعوب ومحتلي كردستان أن مسيرة الحرية التي انبثقت من صرخة مقاومة أطلقها مظلوم  في غياهب السجون وشرارة أوقدها معصوم (عكيد) من على ذرى جبال جودي وكابار وزاغروس و…… بقيت متقدة ومتجددة في عموم كردستان في نصيبين وشرناخ وجزرة بوطان وواشو كاني وشنكال وكوباني……… وستسمر بصمود آفرين لأنها ببساطة تعتمد على إبداعات هؤلاء الشهداء العظماء المستمدة من الفكر التحرري لقائد الشعب الكردي عبد الله  آوجلان، وفلسفة الانبعاث المستمدة من فلسفة الخامس عشر من آب .فالمسيرة الثورية والنضالية التي تتقدمها قوافل الشهداء لن تقبل إلا بالنصر أو النصر ثمناً لتضحياتها.

زر الذهاب إلى الأعلى