تقارير

مدارسُ الإدارة الذاتيّة بين النظريّة والتطبيق     

 تحقيق: رودي رشيد

قال أحدُ الحكماء: إذا أردتَ أن تبني مجتمعاً سليمَ القوام فعليك برفع مستوى التعليم وتعميق دور الأسرة وتسليط الضوء على القدوة.

ولعلّ القارئ الكريم يرى الترابطَ الوثيقَ بين ما سلف من العناصر والتي تجتمع في محورٍ واحد ألا وهو التربية والتعليم من جهة والأسرة من جهة أخرى. وبناءً عليه فقد ارتأت صحيفة الاتحاد الديمقراطي أن تقوم بعمل تحقيق ومقارنة بين النظرية والتطبيق العملي في مدارس الإدارة الذاتية الديمقراطية لتسلط الضوء على ما تم إنجازه من مهام تربوية وتحليل نقاط الضعف ومحاولة تجاوزها.

الواقع الميداني:

حتى يتأكد قارئنا الكريمُ من مهنية عملنا، فقد قمنا بجولتنا دون موعد مسبق إلى إحدى المدارس الريفية، حيث كان الجو ربيعياً والسماء صافية. كان الباب الخارجي مغلقاً وبعد برهة من الانتظار فتحتْ لنا مديرة المدرسة  (سوسن) البابَ الخارجي للبناء واستقبلتنا بحفاوة بعد أن علمت ما جئنا من أجله. كان كل شيء نظيفاً في المدرسة وتميّزت الصفوفُ بالهدوء النسبي، فيما عدا بعض الطلبة الذين كانوا يلعبون كرة القدم تحت إشراف معلمهم الخاص بمادة الرياضة. كان تفاعلُ الطلاب ممتازاً مع معلميهم. أخبرنا الكادرُ التعليمي في المدرسة بأنه ستقام حفلة ترفيهية بمناسبة الربيع , حيث ستجتمع لديهم عدة مدارس ليحظى الطلاب ببعض الفرحة وليخرجوا من قفص الحرب والمآسي التي يعيشها أقرانهم في عموم سوريا. ولكن كما هي الحال فحتى في المدينة الفاضلة يوجد خلل ما ولو حتى نظريا.

الكادر التدريسي:

  أخبرنا محمد أمين (معلم اللغة الكردية) بأنّ التعليمَ في ظلّ ظروف الحرب هذه أمرٌ يحتاج إلى الكثير من الدقة والتعامل الحساس. وبغية إخراج الطلبة من جو الحرب والأزمة والصراع الطائفي فنحن نتجنب إي أقاويل أو شعارات طائفية، بل نلجأ إلى الفعاليات الاحتفالية لإشباع روح الأخوة والمساواة بين الطلبة. وبناءً عليه سنقوم بحفلة مشتركة بين أربع مدارس هي : خربة الذيب وحمارة وسيحة صغيرة وليلان , علماً بأن هذه الفعاليات كلها تأتي بدعم وتنسيق مسبق مع التربية. و سيتم حضور الأهالي والطلبة وأعضاء من المجلس المحلي والكومين. وقد أبدى الطلبة فرحتهم بمثل هذه الفعاليات. يشار إلى أن مثلَ هذه الفعاليات تسهم في رفع الروح المعنوية للطلبة ونشر الفرح وتنمية المواهب وترسيخ الأخوة بين جميع فئات المجتمع.  في ختام حديثه أبدى محمد أمين تفاؤله بالمستقبل، لأن العملَ الذي يقومون به حالياً لا تستطيع أن تقوم به كبرى الدول في ظل الظروف الحرجة التي تمرّ بها منطقتنا.

محمود (معلم اللغة الكردية في مدرسة سيحة صغيرة) أبدى عزيمة كبيرة في نظرته للمستقبل , حيث قال : رغم كلّ التحديات والصعوبات التي نواجهها فنحن مصممون ليس فقط على متابعة رسالتنا وإثبات مهنيتنا، بل أيضاً سنقوم بتسليط الضوء على مواهب الطلبة ومحاولة تنميتها وتبنّيها في المستقبل. فيوجد الكثير من الخامات الرائعة التي يمتلكها صغارنا سواء في مجال الغناء أو في مجال التمثيل , وسيظهر هذا جلياً لكم في يوم الاحتفال.

تحديات الطلبة:

   الطلبة أبدوا سعادتهم بالتعليم وخاصة تعلم لغتهم الأم إلى جانب اللغتين العربية والإنكليزية. لكنهم عبّروا عن صعوبة تلقي اللغة خاصة من الناحية الكتابية وذلك بسبب عدم معرفة نسبة كبيرة من الأهالي للكتابة باللغة الكردية. وعبّر الطلبة عن رغبتهم بأن توزّع الكتب في وقتها المحدد، فقد اشتكوا من تأخر التوزيع في هذا العام. كما لم يخلو الأمر من تذمر بعض الطلبة من صعوبة بعض المواد وعدم قدرتهم على الفهم الصحيح، نتيجة ضعف الكادر التعليمي في بعض الجوانب.

رأي أولياء الأمور:

ديا جانو (زوجة أحد الشهداء) عبّرت عن فرحتها بتعلم أبنائها للغة الكردية والتي طالما حُرموا منها لوقت طويل. فقد استشهد زوجُها لكي يدافع عن الأرض وليرسخ مع زملائه قيم العدالة والمساواة في كل جوانب الحياة. وانطلاقاً من هذا المبدأ فإن تعلمَ اللغة الكردية لا يعدّ حقاً لنا، بل يعتبر واجباً علينا التقيد به جميعا. لكن كان لها بعض المخاوف  من المستقبل، وذلك بسبب شكوتها من الكادر التعليمي غير المؤهل جيداً (حسب تعبيرها). علاوة على ذلك فإن بعضَ الأهالي لا يرسلون أبناءهم إلى المدارس (الخاصة بالإدارة الذاتية) وهذا السؤال يوجه للقائمين لكي يجدوا له حلاً مناسباً.

أحمد  ولي أحدُ الطلبة أفادَ بأن المعلمين مؤهلون للقيام بهذا الواجب. ولديه ثلاثة أطفال في المدرسة وهم يتلقون العلم بشكل منتظم. وهم متعاونون مع الإدارة المدرسية لتصحيح وتلافي أي خطأ يمكن أن يحدث. ولدى سؤالنا له عن أهلية الكادر التعليمي لتعليم أبنائه, قال بثقة إن المعلمين معظمهم من الجامعين وهم متعاونون مع الأهالي بشكل لا محدود.

  بناء على ما سلف فإنه يظهر لنا بوضوح تضارب الآراء حول ما يستطيع المعلمون تقدميه عملياً وبين ما يتطلب منهم نظرياً. يشار إلى إن هذه الآراء تعد نسبية ولا يمكن اعتمادها كمقياس لتقييم المؤسسة التعليمية في روج آفا.

اليوم المنتظر والتفاعل مع الحدث:

في يوم الثلاثاء الموافق ل  18/ 4 / 2017 قمنا بزيارة قرية خربة الذيب الريفية، حيث أقامت المدرسة بالتعاون مع ثلاث مدارس أخرى حفلة مشتركة احتفالاً بالربيع، وهذا الحدث كان له دورٌ كبير في ترسيخ قيم الأخوة بين مكونات المجتمع كافة , هذا كله بدعم وتنسيق من مديرية التربية في مدينة تربسبية (القحطانية). يشار إلى إن القرية المذكورة هي خليط من الكرد والعرب , حيث يقيمون في ودّ وسلام دون أن تظهر أي مشكلة طائفية أو عرقية بينهم. عند دخولنا المدرسة تميّز الجوُّ بالفرح الربيعي البادي على وجوه الكبار والصغار , فقد استقبلنا المعلمون وهم واقفون في صف واحد أنيق، والطلبة كذلك التزموا بالهدوء والرتابة التي تعلموها من معلميهم. الأهالي كانوا حاضرين والكثير منهم كانوا مرتدين الزيّ الكردي. والملفت للنظر إن بعضَ اللابسين للزي الكردي كانوا من المكوّن العربي , وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على ترسخ مبادئ الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب بين جميع فئات الشعب. وتم حضور الحفل من قبل أعضاء من المجلس المحلي والكومين وعناصر من الحماية الجوهرية. اُفتتح الحفل بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء على أنغام النشيد الوطني ( أي رقيب ) , تلا ذلك تقديم الأغاني الوطنية من قبل فرقة كل مدرسة وكذلك قدمت عروض مسرحية ترسّخ قيم الأخوة والعدالة التي لم تخلو من بعض الطرافة بأسلوب هزلي هادف. وألقيت العديد من الكلمات من قبل عدة شخصيات وهذه الكلمات كانت تحضّ في معظمها على العلم والعمل من أجل غدٍ مشرق لجميع مكوّنات روج آفا.

وجهة النظر الرسمية وردّها حول الاتهامات:

 بعد انتهاء الحفل أفادنا السيد فند حسين ( المشرف التربوي على مدارس تلك المنطقة ) بالمعلومات التالية:

  • هل الأهالي متجاوبون معكم من ناحية إرسال أبنائهم إلى المدارس؟
  • فند: في البداية كان هناك تخوّف من أن يكون التدريس اعتباطياً أو أن تُقصفَ المدارسُ . حيث كان هناك توتر بيننا وبين بعض الأطراف الأخرى. لكن بشكل تدريجي تجاوب الأهالي معنا، وخاصة عندما رأوا نتائج العمل الحثيث الذي قمنا ولا زلنا نقوم به لجذب الأطفال إلى المدرسة وتعليمهم قيم الحياة المدنية والتآخي.
  • كيفية التفاعل مع أنشطتكم خاصة الحفلات التي تعتبر إعادة دمج للطلبة في المجتمع؟
  • فند: بداية كان هذا الأمر غريباً على الأهل بسبب عدم وجود مثل هذه الأنشطة في المدارس السابقة. لكن بعد رؤيتهم لنتائجها الإيجابية على نفسية الطلبة، فقد شكرَنا الأهالي على هذه النشاطات وقاموا بحضورها معنا , بل حتى إن البعض منهم مدّ لنا يد العون والمساعدة.
  • ما رأيك بالأقاويل بأنكم تسيّسون المناهج لتجنيد الطلبة لصالح تيار أو حزب معين؟
  • فند: كثيراً ما نسمع مثل هذه الأقاويل من بعض وسائل الإعلام المغرضة. لكن من يريد معرفة الحقيقة فليأتي وليرَ المنهج الدراسي على أرض الواقع. ولعلّ من الطرافة أخذ مثل هذه الأقاويل على محمل الجدّ , فكيف يمكننا أن نسيّس أو أن نؤدلج مادة الرياضيات أو مادة اللغة الكردية أو حتى مادة اللغة الإنكليزية. فالأدلجة أو التسيس كما يحبُّ البعضُ أن يسميها بعيدة كلّ البعد عن مبادئنا المهنية وأخلاقنا التي نشأنا عليها. وتتنافى مع مبدأ الأمة الديمقراطية الذي نطبقه ونرسخ قواعده يوماً بعد يوم.
  • الأهالي يشتكون من مستوى المعلمين وعدم كفاءتهم المهنية؟
  • فند: لا ننكر وجود بعضَ التقصير أو ضعف بعض كوادرنا التعليمية في بداية استلامنا للمدارس , لكننا تجاوزنا هذا الأمر، فقد قمنا بتعميق الدورات التدريبية لمعلمينا بل حتى قمنا بتأهيلهم نفسياً لكي يستطيعوا التعامل مع كافة الحالات بكل مهنية وسلاسة.
  • كيف تربطون التعليم بالأسرة؟
  • فند: الأسرة لها دور أساسي في تفاعل الطفل مع المدرسة، وللمدرسة دورٌ أساسي في تفاعل الطفل مع أقرانه وحتى في تعامله مع أفراد أسرته. وقد شكرَنا العديدُ من الأهالي على توجيه أطفالهم نحو سلوكيات صحية ومفيدة. فالمدرسة والمنزل كلٌّ لا يتجزّأ ويكملان بعضهما البعض.
  • ما هي نظرتكم المستقبلية للتعليم في ظل الظروف الحالية؟
  • فند: المستقبل لا يهم كثيراً بقدر الحاضر. فالمستقبل يُبنى على أساس الحاضر ومدى تفاعلنا معه. فكلما خطونا خطوة في الحاضر نكون قد قطعنا بها شوطاً في المستقبل. خطتنا للمستقبل هي تجهيزُ مدارسنا لتصبح حدائقَ تزهر فيها أزهارُ روج آفا بكل ألوانها وبكل عطورها.
  • ماذا عن الخطة المستقبلية للتعليم ؟
  • فند: نستعدّ في العام المقبل للدخول إلى المرحلتين الإعدادية والثانوية. وحالياً لدينا كادر مجهّز ومدرّب لهذه الخطوة، علماً أن جلّهم من الجامعيين.
  • ما رأيك بالحديث أن اللغة الكردية ليس لها أي مستقبل في المنطقة ولن يدخل أطفالنا إلى الجامعات الحكومية ولن يستطيعوا الدخول إلى سوق العمل و …..؟
  • فند: المستقبل نحن نبنيه بأنفسنا , ولسنا بحاجة لمن يوجّهنا لمعرفة مصلحة أبنائنا. ثم إن لدينا جامعة في روج آفا وفيها الكثير من التخصّصات وعملها مهني وأكاديمي. علاوة على ذلك نحن لا نعلّم اللغةَ الكردية فقط، فلدينا اللغتين العربية والإنكليزية أيضاً. وهما ضمن المنهج التعليمي المعتمد حالياً ضمن مدارسنا.
  • ما هي آخر كلمة تريد أن تقولها عبر صحيفة الاتحاد الديمقراطي؟
  • فند: نريد أن نرسل رسالة عبر صحيفة الاتحاد الديمقراطي إلى كل متربّص بنا , نقول فيها بأننا لن نحيدَ عن نهجنا الذي رسمه لنا شهداؤنا بدمائهم الطاهرة. وأودّ أن أضيفَ بأنّ المستقبلَ لن نصنعه نحن، بل ستصنعه هذه البراعمُ التي أزهرت في ربوع روج آفا.

الرأي:

   في منتصف الحفلة بدأت الأمطارُ تهطل بهدوء ثم تكاثفت بغزارة , وهذا ما زاد رغبة الطلبة في استمرار الحفل. إنه الربيعُ ليس فقط في الأمطار الخيرة والأرض الخضراء بل أيضاً في صدور الأطفال اليانعة التي أصبحت كسنابل القمح التي تتثاقل حباتها من شدة القوة المحيطة بها.

الخلاصة:

 يُقال إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة , وباعتقادي بأن الإدارة الذاتية في منهجها التعليمي وكادرها التعليمي قد قطعت خطواتٍ كثيرة باتجاه بلوغ القمة.

وبالتطرّق إلى موضوع التدريب وتأهيل الكادر فلا لابد من اتخاذ منهج تأهيل أكاديمي لهم وفق الخطوات التالية:

  • إطالة مدة تدريب مُعلمي اللغة الكردية إلى ما يتجاوز السنتين : وذلك لضمان أهليتهم في مجالي القراءة والكتابة بشكل متقن جداً.
  • عمل دورات طرائق تدريس للمعلمين : بحيث يمكنهم التعامل مع أي منهج أو أي تغير يطرأ عليه.
  • عمل دورات تأهيل نفسي للمعلمين قبل فرزهم إلى المدارس: لأن أسلوبَ المعلم وكيفية تعامله مهمٌ جداً لتلقي الطالب للمعلومة. فأحياناً الأسلوبُ الضعيف وعدم القدرة على التماشي مع الطلاب يؤدي إلى نتائج كارثية في مجال تلقي المعلومة.

إضافة إلى ما سبق يجب أن يكون المعلم مرتاحاً من ناحية الراتب أو الوضع المعاشي، لذلك يجب أن يحتل قطاع التعليم المرتبة الأولى من ناحية الرواتب. وذلك لضمان عدم توجّه المعلمين لممارسة أي مهنة أخرى , والذي قد يؤثر سلباً (إذا حدث) على كفاءة المعلم وأدائه الوظيفي.

ويجبُ الإشارة إلى أن الرقابة الوظيفية هي أساس العملية التربوية. فيجب على التوجيه التربوي القيام بعمل جولات ميدانية على المدارس في أوقات غير محددة مسبقاً. كذلك يجب أن يقومَ الموجّهون بجولات ميدانية وحضور الدروس بشكل منتظم وتقييم المعلمين تبعاً لأدائهم داخل الصف وكيفية تفاعل الطلبة معهم.

نقطة أخرى يجب أخذها على محمل الجد، ألا وهي عقد اجتماعات دورية ( كل شهر على الأقل ) بين الكادر التعليمي الخاص بالمدرسة من جهة وبين الأهالي من جهة أخرى. ذلك بغية مناقشة الصعوبات والتحديات التي تواجه كلي الطرفين ومحاولة تجاوزها.

تجدر الإشارة إلى أنه يجب الاستفادة من الكادر التعليمي الخاص بالدولة , ذلك لأنهم يملكون خبرة عالية في مجال التعليم والتعامل مع الطلبة.

ختاماً:

يمكننا القول بأنّ الطلبة لديهم رغبةٌ قوية في تجاوز الصعوبات والتحديات التي تواجههم. أما التربية والكادر التعليمي فهُم على الدرب الصحيح للتحوّل نحوَ الأفضل.

زر الذهاب إلى الأعلى