مقالات

عفرين وحوران أيضاً

في هذه الأيام السورية أكثر ما تحصّل هو التقسيم. علّه من الشجاعة أن يعترف السوريين بوطنييهم وعلمانييهم وديمقراطييهم وحتى الخونة والمستبدين والإرهابيين منهم بأن سكين التقسيم فعل فعله. وأن صاحب فكرة أن يقّطِّع أوصال سوريا قد نجح. وأن الوريد السوري متقَطِّع بالأساس إلى أقسام؛ على دفعات وعلى أجزاء؛ لم يكتمل الوريد الواحد. ولا يوجد مجتمع سوري موّحد إنما وقائع مجتمعية متعددة. تآلفت؛ لكن لم يكن بمستطاعها أن تتخطى حد التآلف. قبل عامين حينما حدثت مجزرة دوما كتبت حركة المجتمع الديمقراطي بياناً مندداً بتلك المجزرة ودعت فيه المجتمع الدولي بالقصاص من المجرمين؛ لم يعكس ذاك البيان حقيقة التفكير الجمعي إنْ في روج آفا أو في شمال سوريا من أبناء الكرد في سوريا وغيرهم بحجة صحيحة مفادها أن الجماهير السورية لم تتضامن مع مقاومة كوباني وإنما نظرت ولم تزل؛ بغالبها؛ بالشك وأكثر إلى مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية. وإذا اقتربنا أكثر؛ إلى حد يوم السقوط السوري في يوم احتلال الفاشيّة التركية ومرتزقتها لعفرين من بعد مقاومة تاريخية لا تختلف عن مقاومة العين للمخرز طيلة 58 يوماً، مستمرة تلك المقاومة حتى اللحظة وإنْ كانت في مرحلة مختلفة. ويومها؛ نزح من عفرين مئات الآلاف من سكانها الأصلاء ومثلهم من الذين نزحوا إليها؛ كانت نسبة من أيّد ودعم تلك المقاومة؛ لا بل كانت نسبة من ندد بالاحتلال التركي لآمن منطقة في كل سوريا ومستقرة وتدار وفق نموذج مدني ديمقراطي من مكونات شعب عفرين؛ نسبة قليلة جداً أكدت بدورها بأن مجتمع سوريا منقسم في أحسن أحواله. لكن التقسيم في سوريا لم يحصل اليوم. في ذمته عديد الأسباب أهمها الأيديولوجيا الفارغة التي سلّطت وتسلطت على شعب سوريا، تعتبر هذه الأيديولوجيا أفضل مكمّل لما قام به الاستعمار من تقسيم المنطقة إلى خرائط وفرض هويات وفرض دساتير على عموم شعوب المنطقة؛ في وقت صفعة القرن/ سايكس بيكو 1916. يُضاف إلى ذلك التناول الدولي وبخاصة الإقليمي إلى الأزمة السورية في عام مقتلتها الثامن. وآخر ذلك –مثالاً- في الجسلة المفتوحة التي جرت في مجلس الأمن السوري ومسألة المساعدات والمسار السياسي؛ فقد كان تقرير السيد دي مستورا يشوبه الكثير من التناقضات ومخالفات بالجملة لا تعكس حقيقة المساعدات ولا يقترب من كلّ جنس المسار السياسي؛ بخاصة في (شطحة) الدستور والتي تبدو بأنها بمثابة نقل الحرب السورية من مسار إلى مسار آخر. حتى جون كينغ مدير المساعدات الإنسانية اقترف كذبة كبيرة بحجم احتلال تركيا الطارئ لعفرين. حينما تحدّث عن رجوع 5000 من أهالي عفرين إلى أرضهم وبأن تركيا تتساعد مع مؤسسات الأمم المتحدة في إيصال المساعدات! يا أيها السيدين لم تقفوا إلى جانب شعب عفرين وعموم شعب سوريا بالشكل المطلوب فلا تكونوا بمثابة المشرّعين لاحتلال عفرين والتغيير الديموغرافي الممنهج الذي يحصل فيها؛ فمن عاد من 5000 هم من عوائل المجموعات المرتزقة. يسكنون أرضاً ليست أرضهم ويدخلون بيوتاً غير بيوتهم.

لكنها درعا. من على أرض درعا خرجت الحناجر في آذار 2011 –بداية- بأفضل شعار بل مبدأً جسّد حقيقة الحراك الثوري السوري حينما قالت: الشعب يريد التغيير. ولقت صداها في الاسبوع الثاني حينما ردد الشعب في قامشلو وفي كوباني وفي عفرين وزادت عليها: الشعب يريد التغيير الديمقراطي. والذي حدث وجعل هناك تمايزاً بين أغلب مناطق الحراك الثوري السوري وروج آفا وشمال سوريا بأن اللصوص سرقوا الحراك الثوري في درعا/ أغلب سوريا ومن خلال أولئك اللصوص انحرف المسار وصار الذي صار: طائفية وتدخلاً وفوضى السلاح فحرباً وأزمة. وظهر التجار واغتالوا الحراك الذي لم يتحول إلى ثورة وطنية ديمقراطية. ولأن الحراك بات ثورة في مفهوم وتطبيق الإدارات الذاتية والديمقراطية كما في حال عفرين، ولأن التجربة أثبتت بأن للتجار صوت يصل بسرعة الصوت إلى الغير؛ فكان هؤلاء أول من دعم الاحتلال التركي ومرتزقته لعفرين؛ هم أنفسهم من رحبوا لفوز أردوغان التزويري في أكبر عملية احتيال سمّتها حالة الطوارئ في تركيا بالانتخابات البرلمانية والرئاسية. وما فوز حزب الشعوب في ذلك سوى بالمعجزة.

لكنها حوران: الجبل والسهل. بكل ما فيها من كتاب وشعراء ومناضلين حقيقيين لم تصل أصواتهم حتى اللحظة إلى المستوى الوطني المطلوب. بكل شعبها ومدنييها وأهلها. فلها السلام ولها الأمن. ولنا في هؤلاء ولهم في نضالنا المسعى نفسه والمقصد نفسه بأن تتوسع سوريا ديمقراطياً على كل السوريين.

زر الذهاب إلى الأعلى