مقالات

صعاليك الردة وردة الصعاليك

يوسف خالدي

يتسائل الكثير من الإخوة ، ومنهم مثقفون ، وسياسيون ، وكتاب وأدباء ، مضاف إليهم المهتمون بالسياسة من غالبية السوريين وخاصة الكرد ، عن أسباب هذه المواقف العدائية ، والمعبرة عن حقد على الكرد بصفة عامة ، وعلى الأقليات القومية الأخرى ، أو الدينية ـ والطائفية ،
وعن .
تلك المواقف الصادرة عن أناس ، كانوا يصنفون في يوم ما ، من النخب الفكرية والسياسية ، والذين كان يحلوا للبعض تسميتهم بالهامات ، والقامات العالية ، والشامخة في الوطنية المجردة من التعصب بأشكاله ، فكانوا يساراً وليبراليون ، ودعاة للديمقراطية ، أنصار منافحون عن أفكار الثورة الفرنسية وتلك الأخرى التي غيرت وجه العالم وأقصد بها البلشفية ، بتياراتها . وأنصار اللبرالية والحداثة الرأسماليةوالعولمة ، والفكر الحر .
ما الذي طرأ وما الذي حصل حتى إنقلب هؤلاء على أعقابهم وتنكروا لكل تلك الأفكار التي دخل البعض منهم السجون لأجلها وكان البعض الآخر مستعداً لدخولها . إن تطلب الأمر ذلك .
كانوا من أنصار الدولة المدنية ، والديمقراطية ، وكانوا شيوعيون ويساريون وحداثويون ، متجاوزين للقومية ، وأعداء الإستعمار ، والرجعية بأطيافها وأصدقاء للشعب الكردي على الأقل شكلاً إدعاءً كان ، أو في وارد المزاوداة في سوق السياسة ، أنذاك .
لقد كشفت الإنتفاضة الجماهيرية ، والهبة الشعبية التي كان يفترض لها أن تكون ثورة ، لولا أن سارعت القوى الأقليمية وفي المقدمة منهم ، السعودية ممثلة للحكم العائلي العشائري ، والحكم المستبد المطلق ، بقيادة الفكر الوهابي السلفي المفرخ للفكر الجهادي الإرهابي .
ودويلة قطر التي كان قد تم تكليفها بقيادة حركة الإخوان العالمية لأجل أيصالها إلى حكم البلدان العربية ، وأردوغان الطامح إلى قيادة العالمين العربي والإسلامي بسلطنة جديدة على ضوء ترشيح تجربة حزبه في تركيا كنموذج والإقتداء بها إفتراضاً ، يمكن به وقف المد القاعدي ، والجهادية السلفية نحو التمدد ، من خلال إحتوائه أمريكياً ، وغربياً . إلى الإنقضاض على الإنتفاضة وسرقة شعاراتها التي بها ولأجلها إنطلقت وإغراقها بخطاب طائفي عرقي مذهبي بهدف إغراق الشعب السوري ، في برك من الدماء ، ليكون مصيرهم عبرة لشعوب المنطقة ، وشعوب بلدانهم التي تعاني من كافة أشكال الإستبدادوالقهر والظلم الإجتماعي
.
مع تسارع إندفاع تلك الشخصبات وتهافتها ، إلى الإرتماء تحت أذيال تنظيمات تم تشكيلها ، في إستانبول وقطر تحديداً ، وإنهمار المال السياسي كما الغيث في شتاء مطير ، على تلك النخب التي كانت تمثل الإسلام السياسي ، حركات وتنظيمات ،والتي سعت بدورها مكلفة ، إلى التحكم في صرف تلك الأموال ، وتوزيعها وفق الولاء والتبعية لها على من رأت فيه الأصلح والأجدى فرباً أو بعداً .
وجدت تلك النخب المدعية لليسار والتقدمية والديمقراطية نفسها وحيدة أمام كل من إستطاع أن يجد له بعض الأنصار في الداخل من مجموعات وتنسيقيات ، كانت تحمل فيها الكراتين تعبيراً عن ولاء تلك المجموعات الطيارة ، والمحدوة لأشخاص بعينهم أو هيئات ومجالس وتنظيمات ، بلغ عددها المئات أنذاك ، بسبب فشل حركاتهم وأحزابهم اليسارية ، أو الديمقراطية أو الليبرالية عن تكوين حاضنة شعبية لها ، رغم تواجد تلك الشخصيات وتلك الحركات على الساحة تاريخياً وغياب أي سند شعبي لهم ، ليجدوا أنفسهم في سوق قانونه العرض والطلب ، فكلما عبر أحدهم عن أفكاره بلسان قومي متعصب مناهض لحقوق الكرد ، وفي موقف العداء من طليعته الثورية ، وحزب العمال الكردستاني في باكور ، ، كلما إكتسب تأييداً من الدولة التركية . وكلما زاد عداؤهم للوحدات الكردية ، ومن حزب الإتحاد الديمقراطي كلما إلتف حولهم بعض من العنصريين القوميين في سوريا ، وكلما زادوا في طرحهم للخطاب الديني والمذهبي والطائفي ، كلما تقبلهم السلفيون والتكفيريون والإسلامويون ، ودعاة تطبيق الشريعة ورافضوا الدولة الديمقراطية أكثر فأكثر وإزداد رضا قطر والسعودية عنهم وتم إظهارهم في قنواتهم الإعلامية ، وإشراكهم ضمن تشكيلات المعارضة ، ومؤسساتها وهيئاتها ، وزاد الرصيد وزادت العطايا والمنح والخلع والهدايا والحسابات في المصارف .وإكتسبوا الحظوة تركياً. وزاد يقينهم في سراب تخيلوه طمعاً بأن ماهم فيه ثورة ، يقودها التيار الإسلاموي ، وأسموهم بممثلي حركة التحرر العربية .
بإختصار ، ردة هؤلاء الصعاليك وفي المقدمة منهم عبد الرزق عيد ، وغيره كثير ، كان البحث عن العزوة ، ، والعصبية ، والمؤيدين في تبنيهم للغة السوق ، وخطاب المرحلة الدافع الأساسي لهم وما يزال ، حتى أصبح المشهد فعلاً عاماً متبادلاً في المواقف والأفكار ، بين خطاب هؤلاء المرتدين الصعاليك الساعي إلى عرض الذات في سوق النخاسة ، مقابل المال النفطي والسياسي ، والإقامة في تركيا بنيل رضا سلطانها تهجماً على الكرد ورفض الدولة المدنية ،
الغلابا من السوريين المسحوقين طبقياً ووطنياً وإنسانياً الذين كانوا يشترون منهم الولاء مقايضة بحصر توزيع أموال المساعدات الإجتماعية والإغائية ، بأشخاص محددين بات الشعب السوري يعرفهم اليوم جيداً بأسمائهم ، كانوا هم المعتمدون من السلفيين وحركات الإخوان وجمعياتهم ومن حكومات ورجالات السعودية وقطر ، ومن أنصادر مؤيدي القاعدة ، في العالم الأصلاء، ومن أموال الزكاة ، والتبرعات ، ومن المساعدات الدولية ممن كانوا يوصفون
يوماً بأصدقاء الشعب السوري .والتي بلغت المليارات ، إستطاعت أن تجعل من مناضلي الأمس مرتزقة ماجورين وصعاليك إرتدوا عن مبادئهم التي لم يكونوا بؤمنون بها إلا كوسيلة تقودهم إلى الإستئثار بالثروة ، والسلطة فكلما زاد عرضهم لأنفسهم سلعة تباع في السوق الطائفية والعنصرية والمذهبية ، كلما زادهم أصحاب المال عطايا وهبات ، ووعوداً في سلطة يجكمون فيها سوريا المركزية ، ليكونوا كما كان النظام ناهبين للدولة والشعب ، وأجراء يعملون لمصالح من أوصلهم إلى حكم سوريا . وليكن الثمن ذمة واسعة كما البحر في إتساعه وبيع لوطن كانوا يتغنون به حين كانوا ثواراً ، جعلوه جحيماً لشعب نكل به نظام حكمه ، ومن أراد أن يكون له بديلاً أوصله إلى النكبة ، والضياع .

زر الذهاب إلى الأعلى