مقالات

سمرقند: المسلسل والكتيبة؛ سورياً

sihanok-diboإحدى مشاكلنا التي نعانيها نحن أبناء الشرق الأوسط؛ ومنهم أبناء سوريا في أغلبهم العربي والكردي وجميع المكونات القومية والدينية والطائفية في سوريا عدم تعرفنا على النقد بشكله الخلّاق أو استعماله كأسلوب تشهير بغرض الحط من الجهة التي يُراد نقدها قوة كانت أمْ حزباً أم مؤسسة أمْ شخصاً؛ لا لشيء إنما للنيل منه/م. ومثل هذه المشاهدة يتم تلمسها ببساطة في الجهد المبذول على الصفحة الزرقاء- الفيسبوك. أشبه أن يكون نزال العطب أو الدم، أو مسابقة جَرْيٍّ غير معدة بالانتهاء.

السوريون في أزمتهم؛ بدى أغلبهم؛ بدون أعين إذْ كانت عقولهم غير مسموح لها بالتفكير الكلي أو بالتفكير الجزئي في أحسن الأحوال من طول فترة سلطة البعث. ويبدو أن عدم السماح باستخدام العقل قد ترك تأثيراً سلبياً في الوظائف المسندة للعيون، وكما نلاحظ اليوم بأن السوري- أغلبه- ينظر إلى أزمته بعيون غيره. للرأي المخالف لذلك نقول: إذاً ما مبرر طول هذه الأزمة وتعميقها المستمر في كل يوم تُتْرك فيها سوريا بلا حل؟ من المؤكد بأنها مؤامرة خارجية على سوريا ولكن؛ من المؤكد بدأت أول ما بدأت كمؤامرة في داخل سوريا بطرفين داخليين النظام الاستبدادي والمعارضة الاستبدادية. أما اليوم وبعد تحجر العقول وعِماءِ العيون وصمِّ الآذان نرى بأن القلوب بدأت تَتَفَوْلَذ دون هَمِّ المرور في العروق أو فقط في عروق دون غيرها. إن معركة تحرير ريف الرقة الشمالي أظهر بشاعة الموقف السوري وكميّة التشيؤ والاغتراب بين مكوناته وحالة متقدمة من الفراق؛ مشكلة كبيرة حينما تطمأن غالبية السوريين أو نصفهم أو حتى ثلثهم بوجود داعش واحتلاله الرقة وتفضيلهم لهذا الوجود غير الأخلاقي وغير السياسي إذا كان الأمر متعلق بتحرير يتم على يد إحدى المكونات السورية أي الكرد والمتحالف معهم والمتحالفين معه في قوات سوريا الديمقراطية- قسد، أمرٌ وصل إلى حد التصفيق حين السماع بوصول قوات النظام إلى الحدود الإدارية للرقة من جهة السلمية. ومشكلة أكبر وقد تكون بدون حل حينما لم يتجاوز عدد المستنكرين الألف من أصل ملايين السوريين لعمليات التطهير العرقي ضد الكُرد في تل عرن وتل حاصل من قبل جبهة النصرة وبعض الفصائل المعلنة عن نفسها بأنها كتائب من الجيش الحر – كذبة كبيرة كانت هذا الجيش الحر. بل ربما لم يسمع أغلب السوريين بهما وبغيرهما حتى اللحظة. طرح هذه المسألة في هذا الوقت لا علاقة له ببيان المظلومية أو بِرِهابٍ أو عُصاب جمعي إنما كل العلاقة بالحلول التي تلوك في حديث الحلول السوري والمستقرة على لسانهم كالعرجون القديم؛ كالمساواة أو المواطنة أو التعددية أو لأصحاب العهد المستجد في اللامركزية الإدارية. وأنها ستصبح مشكلة أشبه بالطلاق لما يحدث اليوم في منبج وريفها والمدينة وعموم مناطق الشهباء واختطاف أكثر من ألفي شخص 900 منهم مقيّدة أسمائهم بشكل رسمي في خانة المعتقلين في سجون اتخذتها داعش بأنها السجون، والعشرات أغلبهم من الكُرد قد أعدمهم التنظيم فقط لأنهم من الكرد، هذا دون غير الآلاف من أهالي منبج الذين باتوا متروكين في العراء في ظروف استثنائية تفوق قدرة الرضيع والطفل والعجوز والنساء على العيش فيه؛ ودون أن يتم ذكرهم أو التذكير بهم في بيان أو موقف أو مقابلة صحفية أو حتى في تدوين بوست على الصفحة الزرقاء؛ ويطل أحدهم كعيّنة ونموذج للمعارضة – تكرّش حتى عاد دون رقبة- محسوب من (فطاحل) هذه المعارضة في أنه لن يسمح بإقامة إسرائيل ثانية!! أيها المعتوه مَنْ منَا يتراكض كي يكون ذيل هذه الإسرائيل التي هددتموها لنصف قرن مضى أو أكثر بكثير وأن تكون في البحر، ولا يرى المواطن العربي سوى سفارات وقنصليات وقواعد لإسرائيل في بلدانها. أيُّ هراء هذا وعن أية مواطنة تتحدثون؟ بدلاً من ذاك وذلك يُعلَن عن تشكيل كتيبة باسم (سمرقند) وبحسب بيانها أن ستقاتل الوحدات (الكردية) وقوات النظام وآخرين… ما علاقة السوري بسمرقند؟ وما علاقة السوري بما تسمى كتيبة السلطان مراد؟ وما علاقته بالنصرة؟ وبداعش؟ وجيش الإسلام وجيش السنة؟ وبأكثر من ألف اسمٍ وحدها القائمة الأردنية تحتوي عليها جميعاً ويعرفها قبلهم السوريين ولكنهم لا يروونها ولا يعقلونها ولا قلوب سورية تنبض كي تطرح هذه القِبُّ المقاريحَ. إنه العمى الذي تحدث عنه خوسيه ساراماغو؛ إنها المجتمعات الواهمة التي تحدث عتها أوجلان حينما تنحو منحى النمطية فتصبح أكثر شذوذاً ويصبح معتنقيها أكثر وهماً حتى درجة الاختلاط. سمرقند الكتيبة؛ مصيبة في الاسم والمعنى وبالمقاصد وبالبيانات الجوفاء ووهم بالنسبة لحرّاس الأنظمة النمطية القوموية البدئية البدائية بأن تتوهم كي يصبح من على شاكلة كتيبة سمرقند أن تتسيّد المشهد السوري أو تقوده نحو الحل الذي يناسب ما تبقّى من عقلها؛ إنهم بقايا الإقطاع يحرصون أن يجدوا عبيداً في زمن هذه الحرية التي تبدو كقرص شمس في يوم صيفي مثل حزيران السوري.

سورياً؛ كتيبة سمرقند لا تختلف كثيراً عن مسلسل سمرقند المأخوذ بتصرف كبير عن رواية سمرقند لأمين معلوف في العام 1988، من حيث أن الرواية الأصلية تتألف من أربعة كتب هي: الكتاب الأول (شعراء وعشاق)، والكتاب الثاني (فردوس الحشاشين)، والكتاب الثالث (نهاية الأعوام الألف)، والكتاب الرابع (شاعر تائه)؛ إلّا أن الرواية تَرِد في زمنين تاريخيين  تتمحور أولاها على ثلاث أشخاص هم عمر الخيام وحسن الصباح ونظام الملك، أما الثانية فتبدأ بزمن الراوي بنيامين عمر لوساج حتى غرق الباخرة تيتانيك 1912. وأن رواية سمرقند تختلف عن مسلسل سمرقند تأليف محمد البطوش وإخراج إياد الخزوز، والذي يحاول المخرج أن يضع شخصية حسن الصباح كي تكون محورية وبدرجة أقل عمر الخيام رومنسي حالم ونظام الملك كرجل دولة. وهي بالأساس مقاربة بين ما يحدث اليوم وبين ما حدث تاريخاً أو وضع الجذع على جذره التاريخي، وتبيان الفساد والتسلط والاستبداد والعبودية التي تحتمل أساساً وتظهر كأساس لكل المجتمعات النمطية التي تحوِّل غيرها أو تريد تحويل المختلف إلى عبيد وجواري في أسواق نخاسة (مجتمع الأنظمة النمطية المرجو). ويمكن الاستدلال من كليهما سواء الرواية أو المسلسل أصل ظاهرة العنف وظهور بدايات المجموعات الانغماسية والتضحية بالمقربين وظهور ما تسمى بالعمليات الانتحارية. وأيّاً كانت الفكرة التي يتلقفها مشاهد مسلسل أو رواية سمرقند السوري ليصل بأن الاستبداد كظاهرة تؤدي إلى الإرهاب كواقعة وأن الدماء المُراقة بينهما ومنهما ليس في سبيل التغيير وإنما في سبيل الوصول إلى السلطة، وأياً كان الواصل منهما إلى الكرسي فلن يكن الجالب للحق وللعدالة وللأمن؛ بل على حساب فئات أخرى.

 بالرغم من أن مشكلة أو أزمة أو الحرب السورية باتت في معرض الادراك التام بها؛ لكن يصر السوري؛ الذي لم يسمح له من استخدام أجزاء كبيرة من عقله في زمن الاستبداد البعثي وفقد معظم رؤاه ورؤيته في أزمته الأخيرة؛ على أن لا يرى الحلول المتشكلة أمامه كما حالها في روج آفا- شمال سوريا المتمثل بنموذج الحل الديمقراطي في صيغة النظام الفيدرالي الديمقراطي. السوري الذي لا يرى من رواية ومسلسل سمرقند سوى شخصية عمر الخيام؛ وهذا ظاهر بالكم المتدفق من أشعاره وكأنه اكتشف من جديد؛ سوريٌّ لن يتعرف على الحل الديمقراطي بيسر وبسهولة. حيث من المفترض أن يرى الآخرين والأمور والمسائل الأخرى أيضاً: الدولة التي تقر السلطة والسلطة التي تصون الدولة؛ فكرة الإرهاب والعلاقة التاريخية –ربما- بين (ألموت) والرقة بالرغم من التناقض بين النمطيتين والتناحر التاريخي بينهما؛ وفكرة النمطية التي تقتل الألوان وتتحايل على الكل؛ فكرة الكل المغيّب والسعي على إيجاده في شكل الصيغة التي تضم وتسع الجميع كما في فكر الأمة الديمقراطية.

سوريا لا تحتاج إلى سمرقند وإنما إلى الميزوبوتاميا وهلالها الخصيب؛ إنه أوان العهد الديمقراطي في عصر الأمم الديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى