مقالات

رمز المقاومة والإرادة الحرّة

دجوار أحمد آغا

مقدِّمة

المقاومة أمر طبيعي وحق مشروع لجميع الكائنات الحية، وهي من الأمور الأساسية الثلاث لاستمرارية الحياة (الغذاء، التكاثر، الحماية)، بطبيعة الحال عندما تتعرض الشعوب لغزو واحتلال من طرف آخر؛ فمن حقها الدفاع عن نفسها ومقاومة هذا العدو. هذا الأمر ينطبق على دولة الاحتلال التركي حفيدة الغزاة العثمانيين الذين قَدِمُوا من صحراء “قره قوم” ليغزوا منطقة الشرق الأوسط ويسيطروا عليها ومن ثم توجهوا الى أوروبا وأفريقيا، وبإسم الإسلام – الذين هو منهم براء – استعمروا واحتلوا العديد من البلدان وزرعوا الفتنة والبلبلة بين تلك الشعوب. (البلغار، الألبان، الكروات، الصرب، الهنغار، اليونان، العرب، الكرد، البربر، الأمازيغ، الأرمن، السريان)، جميعهم ذاقوا مرارة الاحتلال العثماني البغيض، وقد انتهجوا سبيل المقاومة ألى أن انتصروا وطردوا المحتل من بلادهم.

القائد أوجلان

ظهور القائد أوجلان وفكره الثوري التحرري في مرحلة وصل فيها الشعب الكردي إلى حافة الفناء، كان أمراً في غاية الأهمية. فالقائد ومن خلال مرحلة التنظيم التي انطلق بها من منظور “كردستان مستعمرة دولية” استطاع خلال فترة وجيزة أن يخلق حزباً سياسياً منظّماً قادراً على قيادة المرحلة وإعادة الروح لجسد الشعب الميت، أخرج المارد من القمقم، هذا الشعب الذي صنع له المحتلون قبراً فوق جبال آكري وكتبوا عليه “هنا كردستان”، أعاده القائد من جديد إلى الحياة. لذا نقول بأن ميلاد حزب العمال الكردستاني هو يوم الانبعاث الجديد للشعب الذي كان على وشك الفناء. ظهور هذا الحزب الثوري والمنضبط، لم يرق للسلطات الفاشية التركية، فقامت بضربة 12 أيلول 1980 والتي كانت موجّهة بالدرجة الأولى لضرب حزب العمال الكردستاني الحديث النشوء.

المقاومات

اعتقلت السلطات الفاشية معظم كوادر الحزب وأنصاره في الوطن، بينما كان القائد وقلة من رفاقه في ساحة الشرق الأوسط. حدثت عمليات عنيفة ضد الشعب وتعذيب شديد يتسّم بالوحشية بحق أعضاء وكوادر الحزب في السجون والمعتقلات وبخاصة في سجن آمد العسكري السيء الصيت. حدثت وقتها المقاومة وكانت البداية من صرخة مظلوم دوغان “المقاومة حياة” بعد أن أشعل بثلاث عيدان ثقاب نار النوروز في جسده الطاهر، بعد استشهاده قام رفاقه بمقاومة إضراب الموت في 14 تموز 1982 بقيادة كمال بير، خيري دورموش، عاكف يلماز، وعلي جيجك، ومن ثم انطلقت هذه المقاومة للجبال بقيادة معصوم قورقماز “عكيد” ورفاقه في قفزة 15 آب 1984 التاريخية.

المؤامرة

حاولت السلطات الفاشية التركية النيل من القائد في أكثر من مناسبة، لكنها فشلت. لذا؛ توجّهت الى أسيادها بطلب المساعدة. فكانت خيوط المؤامرة تُحاك وتُنسج على مهل وبطريقة دقيقة وبتعاون كبير على أعلى المستويات، حيث شارك فيها أهم وأخطر أجهزة الاستخبارات العالمية (الموساد الإسرائيلي، CIA الأمريكية، MI6 البريطانية، FSB جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، BND جهاز الاستخبارات الاتحادية الألمانية، NIS جهاز الاستخبارات الوطني اليوناني، بالإضافة لجهاز الاستخبارات الوطنية التركية MIT).

بدأت المؤامرة في 9 تشرين الأول 1998 في مرحلتها الأولى بالضغط من أجل إخراج القائد من ساحة المقاومة في الشرق الأوسط ومن ثم إرساله الى مقر وَوِكْر المخابرات المركزية الأمريكية في أفريقيا العاصمة الكينية “نيروبي” حيث تم خطفه بعملية قرصنة بعد خروجه من مقر السفارة اليونانية هناك في طريقه الى المطار، وتسليمه لدولة الاحتلال التركي في 15 شباط 1999.

 سير المؤامرة  

خرج “بولند أجاويد”؛ رئيس الوزراء التركي وقتها، صبيحة اليوم التالي، على شاشات التلفزة المحلية والعالمية، معلناً اعتقال أخطر عدو للجمهورية التركية منذ تأسيسها!

وبدأت فصول المؤامرة تسير وتتوضّح، حيث أقامت دولة الاحتلال التركي محكمة خاصة لهذه القضية وحكمت بموجبها على القائد بالإعدام، لكن الاحتجاجات الجماهيرية الكبيرة التي وصلت الى حد حرق أنفسهم من أجل القائد، أجبرت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على التدخل والضغط على تركيا من أجل إنزال العقوبة الى السجن المؤبد، وبالفعل تم الأمر ولكن وفق ما تفسّره السلطات الفاشية التركية التي ترى بأن الحكم هو (السجن المؤبد مدى الحياة) أي أنه طالما السجين على قيد الحياة، فلا يمكن خروجه من السجن.

استمرار المؤامرة

وهكذا؛ بمساعدة مباشرة من حلفائها في الناتو، استطاعت الفاشية التركية وبعملية قرصنة خطف القائد ومحاكمته وفق قوانينها التعسفية والحكم عليه مدى الحياة، لكن القائد لم يبقَ ساكناً، بل كتب مرافعات وأرسلها للمحكمة الأوروبية ودافع بشدّة عن رؤيته لحل القضايا العالقة وأرسل أكثر من مبادرة لحسن النية وضرورة الحوار من أجل الحل السلمي. لكن دون جدوى. على العكس من ذلك، فقد تم فرض عزلة وتجريد من كافة الحقوق بحق القائد وبقي لمدة 8 سنوات لوحده منفرداً في معتقل جزيرة امرالي، ولكن السلطات الفاشية لم تستطع النيل من عزيمته وارادته الحرة واصراره على المقاومة وخلق الحياة من العدم، ومن خلال مرافعاته وخاصة المجلدات الخمس الأخيرة أثبت وبشكل قاطع أنه مفكر وفيلسوف رفيع وصاحب رؤية ثاقبة في طرح المشكلات وإيجاد الحلول لها.

الحل في امرالي

“لغاية في نفس يعقوب”، بدأ الطاغية أردوغان بحوار مع القائد أوجلان خلال العام 2013 وصولاً للعام 2015 حيث حدث انفراج نسبي وعادت الحياة بشكل شبه طبيعي واستطاع حزب الشعوب الديمقراطي أن يحصل على 81 مقعداً في البرلمان التركي بحيث أصبح الحزب الثالث من حيث الأهمية بعد حزبي العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري المعارض. لكن هذه كانت جزء من المؤامرة فقد كان الطاغية بحاجة الى فترة ليعيد ترتيب حساباته وبعدها قام بمسرحية انقلاب تموز 2016 وعاد بشراسة أكبر الى العمليات العدوانية والهجمات الوحشية بحق شعوب المنطقة عموماً حيث بدأ باحتلال أراضي سوريا (اعزاز وجرابلس 2016، عفرين 2018، سري كانية وتل أبيض 2019). وفرض عزلة مشدّدة على القائد منذ 25 اذار 2021 ولغاية الأن.

حرية القائد

رغم مرور أكثر من 25 عاماً على المؤامرة وحجز حرية القائد اوجلان، ورغم تشديد العزلة عليه منذ 3 سنوات وقطع كل صلة له مع العالم الخارجي، إلا أنه يبقى أكثر شخص حر. هذه هي الحقيقة التي لا يراها من يحكمون تركيا الآن. فكل يوم هناك مسيرات ونصب خيم اعتصام، وندوات وملتقيات حوارية من أجل حرية القائد في مختلف مناطق العالم. فكر وفلسفة القائد أصبح نظام سياسي واقعي ويطبق على الأرض في مناطق روج آفا وشمال وشرق سوريا. وانتقلت هذه الفلسفة الى السويداء والساحل السوري، شنكال ومخمور. لا بل حتى اليمن هناك محافظات تطالب بالإدارة الذاتية التي هي صلب وجوهر الأمة الديمقراطية، فلسفة القائد في الحياة والتي تقوم على مبدأ أخوة الشعوب والعيش المشترك وتقبّل الآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى