ثقافة

 خلف كل ثورة شهداء عظماء,ولكل فنٍ تاريخ ٌ من المقاومة

danis botanمن أسرةِ وطنية كردية كادحة ينبغ صوتٌ فيه الكثيرمن الألم والحزن والقوة والإرادة,وعند الإستماع إليه للوهلة الأولى تتأجج الأحاسيس في اللا شعور,وتنتفض روح التمرد على كل ماهو سوداوي في المحيط, أثر صوته في القريب والبعيد ,وسار على درب  من أثر فيه ” شهداء كوما بوطان “عضوٌ منذ أكثر من 26 عاماً في فرقة بوطان الفولكلورية,له تاريخٌ وماض عريق في التمرد على الظلم وواقع الاستبداد الذي عانى منه شعبه,غنى للشهداء,للحرية، للكرامة….. ولكردستان.

في لقاءٍ خاص لصحيفتنا مع الفنان دانيش بوطان كشف لنا عما في داخله, وحدثنا عن ماضٍ أليم وثوري في نفس الوقت وأستطعنا أن نكشف سرّحنجرته الهياجة وهذا الصوت الشجي الذي أدمع عيون الأمهات وألهم مئات الألا ف مَن مِن,ولاحظنا في نبرات صوته  وخلال حديثه مدى تعلقه بفرقة بوطان وهذا نص اللقاء.

 في البداية أدعى دانيش بوطان. مواطنٌ كردي، ولدتُ على ثرى أجدادي في مدينة قامشلو المدينة التي ترعرعت فيها, وفيها نبغت بآلامي وأفراحي، لحظات عصيبة  ومؤلمة تخللت الصراع الوجودي بيننا ككرد وبين الاستبداد وأدواته التي كانت منتشرة في كل مكان. أحمل في داخلي كل أشكال الحقد والبغض على الاستبداد وأزلامه, لذا كان الصراع والتحدي والإرادة هي التي أوصلتني إلى هذه المراحل .

ولدت ضمن عائلة فقيرة الحال كادحة تعمل لكسب عيشها في مدينة قامشلو ,منذ الصغر كان الحسُّ القومي والفني يختلجان في أعماقي وفي داخلي ,كبركان يثور، وعلى إثر حادثة أنفجر هذا البركان ذات مرة ,أي في عام1988 كنت حينها طالباً في المرحلة الإعدادية أي في الصف التاسع الأعدادي، وسأروي لك تلك الحادثة التي أثرت كثيراً في توجهي وفي مسيرة حياتي كإنسان ٍ وفنان ,وقد شكلت تلك الحادثة  الخطوة الأولى للتمرد على ذاك الواقع المرير الذي كنا نعاني منه في ظل القبضة الاستبداية الظالمة والطاغية.

” لوكنت من بدال حافظ الأسد لجمعت كل الاكراد وصببت فوقهم الكاز وأحرقتهم جميعاً لأبيدهم عن الوجود” بهذه الكلمات عبر ذاك المدرس عن ما في داخله وما في داخل كل شوفيني .

في صباح ذات يومٍ ونحن داخل الصف أعطاني أحدٌ من رفاقي وكان اسمه محمد بشير الذي كان يكتب الشعر, ورقة عليها نتف من أشعاره فكنت أود أن أحول هذه الكلمات إلى أغنية  وأقوم بتلحينها,وكانت هذه القصيدة الشعرية,عن طبيعة كردستان,وعن الواقع الكردي ,وعندما تناولتُ منه هذه الورقة سحبها من يدي أستاذنا في الصف في ذاك الحين,وعندما  قرأ مضمون هذه الورقة (القصيدة) بدأ يهيننا بكل سفالةٍ وحقد, وأخرج كل ما في داخله من قذارةً تعلمها واكتسبها من حزبه وسلطته وتعليمه,ووجه لي جملةً لن أنساها طيلة حياتي هذه الجملة كانت ” لوكنت من بدال حافظ الأسد لجمعت كل الأكراد وصببت فوقهم الكاز وأحرقتهم جميعاً لأبيدهم عن الوجود” بهذه الكلمات عبر ذاك المدرس عما في داخله وما في داخل كل شوفيني من حقد وكراهية. لم أتحمل تلك الإهانة ولم أقف ساكتاً وكان رد فعلي على ذلك بأني وجهتُ له كلمات يليق بقذارته لشخصه ولحقده,وفي صباح اليوم التالي وأثناء الاجتماع في الظهيرة قام مدرب التوجيه العسكري آنذاك بفرض عقوبة جسدية جماعية علينا وبدأ يعاقبنا,والشمس كانت حارقة في ذاك اليوم ,وبعد أن عدنا إلى منازلنا فكرت ملياً لماذا حدث لنا هذا, ولماذا هذا الحقد والكراهية والعنصرية,هل كتابات شعرية بسيطة توصف الطبيعة وجمال الأزهاروطبيعة كوردستان,وتوصف الحياة والثقافة الكردية كان السبب الوحيد وراء ماحدث لنا,أم أن هناك أسباباً أخرى أكثر عمقاً؟ ,لذا بتُّ أسأل نفسي وأسأل كل من حولي حول هذا الأستبداد والظلم والأستعباد الذي نتعرض له ككرد أينما كنا,حتى في داخل مراكز التعليم حيث قام النظام البعثي بتحويل كل المراكز وكل نواحي الحياة إلى مراكز لنشر الفكر البعثي والحقد والكراهية للكرد، وبدأت بالبحث عن الحقيقة علماً بأنني كنت متأثراً بالفكر الشيوعي الماركسي اللينيني آنذاك كونه كان الفكر والإيديولوجية الأكثر تاثيراً بين الشعوب والمكونات العمالية المضطهدة. في تلك الفترة كذلك كنت متعلقاً بأغاني فرقة بوطان القومية الفولكلورية وبالأخص أغاني وصوت الشهيدة مزكين وكنت متعلقاً كثيراً بصوتها وكثيراً ما كنت أغني أغانيها.

 لم يمض وقتٌ طويل على تلك الحادثة حتى قمنا نحن مجموعة من الرفاق والأصدقاء في المدرسة بتشكيل مجموعة أطلقنا على أنفسنا (جوتكار وكاركرين كردستان) وخططنا للرد على تلك الحادثة والتي أثرت كثيراًعلى وجداننا ,وقررنا رفع العلم الكردي على عدة مباني ومن بينها المدرسة التي كنا ندرس فيها,وفي أماكن عامة وحساسة بالنسبة للسلطات الأمنية البعثية,وكان من بين الرفاق من يعمل في مجال الخياطة وأخر لديه محل للأقمشة, وبعد الإنتهاء من تجهيز الأعلام قمنا بتوزيع مهام تعليق الأعلام في الأماكن التي أتفقنا عليها.

 في المدرسةِ وفي صبيحة يوم تحية العلم الذي كان يردد فيه نشيد (حماة الديار ) كان دورُّ أحد رفاقنا في المجموعة وكان يدعى قطب الدين هو رفع العلم في ذاك اليوم ,لذلك قمنا باستبدال العلم السوري بالعلم الكردي الذي صممناه وقررنا مفاجأة كل الموجودين من طلاب وإدارة به,وكان ذلك كرد فعلٍ مناعلى تلك الإهانة وعلى ما كنا نتعرض له من قهر وحرمان وظلم,وخلال ترديد النشيد وقيام الجميع بتحية العلم, رُفِعَ العلم الكردي ورفرفَ فوق مبنى المدرسة ,فوجئ الجميع وأرتعب الإداريون وأسدلوا أياديهم بخفة وخوفٍ,وأرتبك الجميع، وعلى إثر ذلك تم معاقبتنا جميعاً وقام مدير المدرسة ومن معه من الإداريين بتحويلنا إلى الجهات الأمنية وتم أستدعاءنا فيما بعد من قبل محمد منصورا الذي كان مسؤول الأمن العسكري ومسؤول الأمن في قامشلو الجزيرة عامة في تلك الفترة وعندما قابلنا منصورا فوجيء بنا, كيف لمجموعة من الصغار القيام بهكذا عمل,ولم يصدق أن هذا العمل صادرٌ منا وبإرادتنا وتخطيطٍ وتنفيذٍ من هؤلاء الطلاب الذين لم يبلغوا من العمر خمسة عشر سنة,وأتذكرفي نفس الفترة كنا قد قمنا بإصدار ألبوم ٍغنائي, ومن بين أغاني ذاك الألبوم أغنية الشهيدة مزكين (جمى هيزلى ), وبعد ذلك قدنا إلى السجن بعد ملاحقة أمنية سجنتُ لشهرين في فرع الأمن العسكري بقامشلو, ثم تم تحويلي إلى فرع فلسطين وبقيت فيه  لمدة سنة ونصف تقريباً, بعد ذلك قاموا بنقلي إلى سجن عدرا, إلى نهاية عام 1992 بعد ذلك تم أطلاق سراحنا ,وخلال ذلك طلبوا مني العمل معهم ,وقدموا لي الإغراءات ,وكان لهذا الطلب بالعمالة وقعٌ كبير في داخلي لسفاهتهم ,كذلك في داخل المرحوم أبي الذي انزعج بشدة من هذا الأمر الذي يمثل صورتهم وصورة سلطتهم المبنية على الإرتزاق والعمالة,وكيف لهؤلاء المستبدين أن يطلبوا منا مثل هذا العمل ,وهم يستعبدوننا ويستبدون بنا,لم تتوقف المضايقات والملاحقات الأمنية بعد عودتي إلى المنزل,ولم تمض فترة حتى تم اقتيادنا للإلتحاق بالخدمة العسكرية بدأ ارتباطي بفكر القائد هذا الفكر الذي رأيت فيه الحقيقة, وأنه يلبي طموح المرحلة ويمثل إراد ة الكرد.

وخلال فترة الخدمة العسكرية التي قضيتها في بعلبك في لبنان مع الرفيق الشاعر عبد السلام (أبو فاروج) وهوالآن يرأس أتحاد المثقفين توسعت مداركي الفكرية وزاد اهتمامي بالفن ,وكان الرفيق عبد السلام يكتب الشعر  وكنت ألحن تلك الأشعار,وأغنيها  وكان ملماً بالفكر الآبوجي وعلى صلة به,وتعلمت الكثيرمنه,وقمنا بزيارة الكوادر خلال فترات الاستراحة والإجازة في لبنان,ومنذ ذلك الحين بدأ ارتباطي بفكر القائد هذا الفكر الذي رأيت فيه الحقيقة, ويلبي طموح المرحلة ويمثل إراد ة الكرد وبدأت بقراءة  كتب القائد ومع التطور الفكري زاد أرتباطي بالحركة الكردية وتعرفت على عدد من الكوادر في تلك الفترة .

عبد السلام الذي كان عضواً في فرقة بوطان قبل الخدمة العسكرية  طلب مني الانضمام  إلى فرقة بوطان,وبعد التسريح وافقت على طلب الرفيق عبد السلام بالانضمام إلى فرقة بوطان,ووافق الرفيق لازكين كدو الذي كان يدير الفرقة,وقبل  انضمامي إلى فرقة بوطان  كنت على معرفة بالشهيد محمد صالح وكُنّا جيرانً في نفس الحارة  وآنذاك كان يشجعني ويقول لي، سوف تنضم إلى فرقة بوطان والذي كان من مؤسسي الفرقة إلى جانب العديد من الرفاق كالشهيد صفقان,ومصطفى كلو,ودشوار، وقد ارتقى البعض منهم إلى مرحلة الشهادة.

تلك المرحلة التي كان فيها الشعب الكردي ومؤيدوا الحراك الثوري الكردي يعملون كجسد واحد في جني المحاصيل  وتقديم المساعدة لكل من يحتاج إلى المساعدة، في تلك الفترة كان العمل والإرادة الحرة والبناء الثوري والسياسي والاجتماعي هي السمة الأبرز وهي التي مهدت لحاضرنا .

ومنذ لك الحين أصبحت عضواً ي فرقة بوطان وبدأت البحث والتعمق في الفكر وبناء الشخصية الوطنية ضمن المجتمع, وكشخصيةٌ يعمل لوطنه ولشعبه يضع فنه وكل امكاناته في خدمة شعبه .

ومنذ 1994وأنا أعمل في فرقة بوطان هذه الفرقة التي بقيت صامدة وذات إرادةٍ حرة واستطاعت أن تكون صوت شعبها وأن تزرع العزيمة والإراده في النفوس,كما قدمت الكثير من الشهداء إلى جانب الاهتمام بالفن الكردي.

 أما بالنسبة للفن,الفن بنظري مقدس وهو عمل أخلاقي يحمل مضامين وأسس وجدانية  للشعوب، الفن الكردي فن ٌ عريق وأصيل رغم كل محاولات الأعداء في تشويه وإنكار وتمزيق الفن الكردي, وبالتالي إمحاء وإنكار تاريخه ,العديد من الفنانين الكرد وضعوا حياتهم في سبيل الحفاظ على الفن والتراث الكردي من الضياع والاندثار، وكانوا الأرضية المتينة للفن الكردي وتابعو مسيرة الفن والتاريخ الكردي.

أما بالنسبة للفنان في الوقت الراهن، فعليه أن يرى في نفسه وفي داخله الحسُّ الفني والوجدان الحقيقي، وأن يكون فنه في خدمة قضيته وفي خدمة تراث وفن شعبه, وأن يكون صورة شعبه وأرضه يؤسس لبناء الأخلاق والإرادة, ويدعوا إلى الحياة الحرة والتحرر لشعبه,وأن لاينجر خلف المكاسب المادية والشهرة الآنية اللحظية والتي تحاول الجهات المستبدة السلطوية إغراء البعض بها لأظهارالفن الكردي وفق رغباته، وللتقليل من عراقة وأصالة الفن الكردي ,الموسيقى والفن الكردي تعرضا للنهب وللسلب والسرقة من قبل  العديد من الجهات التي احتلت كردستان ,لكنها لم تستطع اقتلاع الكرد من جذورهم  وصهرهم ضمن بوتقتها وضمن ثقافتها التي فرضتها بالقوة على شعبنا.

وعدنا شهداءنا ومن بينهم شهداء فرقة بوطان بالسير خلف نهجهم وسلك دربهم في المقاومة

والحفاظ على الفن والتاريخ الكرديين، وكان ذلك بمثابة وسام فخرٍ وقوة وعزيمة لي وهذا ما زاد من تعلقي ومثابرتِي على العمل في خدمة شعبي ,وفي فرقة بوطان وبكل رحابة صدر وعلى أساس ذلك نستمر في عملنا, رغم بعض  المراحل الصعبة التي مررنا بها من ملاحقات أمنية والضغوطات,والظلم والأستبداد الذي تعرض له شعبنا,والحركة الثورية الكردية بشكل عام.

اليوم نحن في مرحلةٍ تحقق فيه الكثيرمن أحلام شعبنا وأحلامنا  وذلك بفضل دماء شهدائنا الذين هم جسور الحرية ونبراس الوطن.

فرقة بوطان مع بداية الثورة في روج آفا استطاعت أن تقدم الكثير وبذلنا الكثير من الجهد والكدّ, لكي نرتقي لمستوى التضحية التي تبذل في سبيل روج آفا ,وفي المجال الفني  تحقِقَ الكثير على الصعيد التقني والتعليمي للموسيقى وللغناء ,كما تم فتح العديد من المراكز الفنية والأكاديميات واستديوهات التسجيل,وخلال فترة قصيرة تم إنجاز الكثير في مجال الفن والثقافة,وخاصة في مجال الموسيقى والفرق الفولكلورية.وتم تخريج العديد من المواهب الفنية من هذه الأكاديميات.

في الختام  أريدُّ القول، بأن شهداءنا هم قدوتنا في العمل والتضحية وكل من يقاوم الظلم والاستبداد والإرهاب ويعيش على ترابه فهو مقاوم ومناضل يستحق التبجيل والأحترام ,شهداؤنا لهم القدسية فلولاهم ولولا دمائهم الزكية ,وتضحياتهم لما كان لنا وجود، وشعبنا في روج آفا يعطي لشهدائه أسمى معاني القدسية.

وفي الوقت الراهن نحضر أنفسنا كفرقة لذكرى ثورة شعبنا في 19 تموز,كما نقوم بالتحضيرات  لمهرجان الموسيقى على مستوى مقاطعة الجزيرة ,كما نقوم بتدريب الأعضاء الجدد ونبذ ل الجهد الحثيث في سبيل  تطوير وتقديم الأفضل والذي يليق باسم وتاريخ فرقة بوطان، ويليق بتاريخ شعبنا وشهدائه ,فرقة بوطان أصبحت أكاديمية لما لها من تاريخ في مجال الفن والفولكلورالشعبي الكردي.

اعداد : دلبرين فارس

زر الذهاب إلى الأعلى