مقالات

جيلٌ يحقّق المستحيل

مصطفى عبدو

أنجبت هذه الأرضُ أجيالاً وأجيال, وعلى هذه الأرض نحيا ونعيش، نفرح ونحزن، لكننا لا نعيش في الزمن ذاته. لقد أنجب الوطنُ اليوم جيلاً لم يعد يهتم ويكترث بما أفرزته الأنظمة وأدواتها، جيلاً استطاع السير فوق كل ذلك، بحيث لم يعد يعجز عن إيجاد وسيلة  لتجاوز الأساليب القديمة والعفنة التي كانت تمارس سابقاً في السرّ والعلن. هذا الجيل يمثل اليوم نموذجاً نابضاً بالحيوية، والقدرة على الحركة ومحاكاة أدوات التنظيم الجاد، والعمل الميداني المثمر.. هؤلاء في الحقيقة استطاعوا كشف عورات العديد ممن تلاعبَ بالشعب والمجتمع .. جيلٌ قدَّم نموذجاً للمقاومة والتضحية، عندما سار بالمجتمع إلى رحابة زمن آخر للمقاومة المبدعة؛ إلى زمن لا يعرف الاجتماعات المغلقة في الغرف المكيفة، زمنٍ يؤمن بوضوح الرؤية الوطنية وسطوع الرسالة السياسية، زمنٍ لا يعرف الاختلاف في التوجهات والصراع على الظهور في الإعلام والتزاحم أمام كاميرات التصوير، زمنٍ لا يعرف الاتصالات السرية في كواليس السياسة والأحزاب، زمنٍ لا يعرف عن السياسة سوى أنها عملٌ بين الناس ولخدمة الناس، زمن يؤمن بأن المقاومة والتضحية واجبٌ مقدس، زمن لا يعرف سوى سوريا دولة ديمقراطية، ولا يؤمن إلا بالحرية.

وأنت تقرأ هذه السطور، ربّما تتفق أو تختلف بحكم موقعك على هذه الخريطة المنقسمة بعنف، لكنني أرجوك أن تنظر إلى هذا الجيل من موقعك الإنساني كمواطن حريص.. تأمّل القدرات الإبداعية لهذا الجيل، وافرحْ لأنهم قادرون على المقاومة الشجاعة والتضحية بأغلى ما يملكون، والالتزام بالتعايش المشترك وبناء مجتمع ديمقراطي.

افرح لهم حتى وإن اختلفتَ معهم.. افرح لأنهم يعبّرون عن أفكارهم بحرية، ويجمعون الناس حولهم باطمئنان.. وينتزعون محبة الناس, وافرح لأنهم قادرون على مقاومة الإرهاب ونشر المحبة  وتنظيم المجتمع بناءً على  أسس ديمقراطية .. وافرح لأنهم يبشرون سوريا كلها بزمن آخر غير هذا الزمن الذى نحيا فيه تحت رحمة التاريخ الأحمق للسياسة .. افرح واعرف أنّ شباباً من هذا الصنف قادرون على مواجهة مشكلات المجتمع، ووضعوا على كاهلهم حلّ أزمات البلاد، وقادرون على إعادة المجتمع السوري إلى الواجهة بالشكل الأفضل.

ما يمكن استخلاصه أنّ هذا الجيلَ جاهزٌ دوماً لأن يضعَ الخلافات السياسية تحت الأحذية حين يصبح الهمّ الوطني هو السائد على كل القضايا، ووصل إلى قناعة أن الشعبَ السوري- باختلاف مكوناته – مؤهلٌ لوحدة الصف خلف غاية واحدة، بصرف النظر عن منذا الذي يحقق لهم هذه الغاية.

لكن الأهم على الإطلاق الآن هو أن  يتم تدارك هذه القيم الوطنية في قلوب جماهير الشعب. هذه الجماهير التي لم تعد  تحلم بشيء سوى الحرية وفق قانون تصنعه إرادتها الحرة، فلنكن على قدر أحلام الناس.

ما نحتاجه اليوم، وبعد أن انعدم الفرق بين مكون وآخر وامتزجت دماء جميع المكونات لتحقيق هدف الوصول إلى مجتمع ديمقراطي حرّ, هو التخلصُ من كل بقايا الأزمنة الغابرة في السياسة وفي ممارساتها التقليدية ورفض العيش حسب إرادة الآخرين, والتجمع حول بقايا موائد الآخرين، لندعو شعوبنا هي التي تقرّر نموذجاً لحياتها, ودعونا يا سادة لنصنعْ خبزَنا بأنفسِنا.

زر الذهاب إلى الأعلى