تقارير

الوجود التركي في سوريا … تحريرٌ أم تتريك

يشكلُ التغييرُ الديمغرافيُّ الوجهَ المتحوّلَ للحدثِ السوريّ، أو محاولةٌ لاستثمارِ الثورةِ بعدَ أن جرى تحويلها إلى أزمةٍ من قبلِ نظامِ الأسدِ وحلفائه، عبرَ تحويلها إلى فرصةٍ لصناعةِ واقعٍ ديمغرافيٍّ جديدٍ في سوريا، يشكلُ ركيزةً لمشروعِ إيران الجيو سياسيّ في المنطقة، وفي ظلِّ انشغالِ العالمِ بيومياتِ الحربِ في سوريا، والانقسامِ الحاصلِ ما بينَ مؤيدٍ لثورةِ السوريينَ على نظامٍ فاسدٍ وقمعيٍّ، ومن مخلفاتِ القرنِ الماضي، وبينَ رافضٍ للثورةِ على النظامِ، تجري مذبحةٌ صامتةٌ تطالُ الوجودَ السوريَّ نفسهَ، وتُنْذِرُ باحتمالِ تغييرِ هويةِ سوريا.

هذا من طرف، ومن طرفٍ آخرَ التغييرُ الديمغرافيُّ الذي تقومُ بهِ الدولةُ التركيةُ وهي التي تشكلُ الخطرَ الأكبرَ على سوريا، كونها دولةٌ حدوديةٌ وتستطيعُ إرسالَ مواطنيها، ومن تريدُ أن تسكنهم في تلكَ المناطقِ التي تبغي تركيا تغييرَ ديمغرافيتها  دونَ أيِّ صعوبةٍ تذكر، وعلى سبيلِ المثالِ لا الحصر، باتتِ مناطقُ الشهباءِ مؤخّراً حديثُ الصحافةِ العالميّة، وذلكَ بعدَ قيامِ الجيشِ التركيِّ وبالتعاونِ مع بعضِ المرتزقةِ في الرابعِ والعشرين من شهرِ آب الماضي، باحتلالِ مدينةِ جرابلس.

احتلال مدينة جرابلس والراعي وبداية الاحتلال التركي:

مدينة جرابلس تلك المدينة التي تقع في ريفِ حلبَ الشماليَّ الشرقيّ، والتي تعرضت للاحتلالِ التركيِّ بعدَ انسحابِ مرتزقةِ داعش منها، وتسليمها للجيشِ التركيِّ دونَ قتال، حيث استمرّتْ مسرحيّةُ التسليمِ والاستلامِ أياماً عدّة، لتسيطرَ قوّاتُ الاحتلالِ التركيِّ على بعضِ قرى مناطقِ الشهباءِ دونَ خسائرَ بشريّة في صفوفِ الطرفين، بالمقابلِ ارتكبَ الاحتلالُ التركيُّ مجازرَ بحقِّ المدنيينَ في مناطقَ كانتْ خاضعةً لسيطرةِ قوّاتِ مجلسِ منبجَ العسكريّ. كما قامَ الجيشُ التركيُّ في السابعِ والعشرينَ من آب الماضي بالسيطرةِ على الراعي بعدَ انسحابِ داعشَ منها، واستطاعتْ خلالَ أيامٍ احتلالَ القرى الممتدةِ على الشريطِ الحدوديِّ بينَ جرابلسَ والراعي وإعزاز.
مراكزُ القرارِ المسيطرةِ على المجموعاتِ المرتزقةِ التابعةِ للدولةِ التركيّةِ تلقّت أوامرَ مسبقة بمحاربةِ مجلسي جرابلسَ ومنبجَ العسكريين، وذلكَ لأنّ الهدفَ الأساسيَّ للاحتلالِ هو إيقافُ تقدّمِ قوّاتِ سوريّا الديمقراطيّة، ومنعِ وصلِ عفرينَ بكوباني.

يوسف خالدي: تركيا تتنكرُ لتاريخِ الشعوبِ الأصيلةِ وتسحقُ هوياتها

وهنا يقولُ الباحثُ في المركزِ الكرديِّ للدراساتِ “يوسف خالدي” بهذا الصدد:” إن الوجودَ التركيَّ في شمالِ سوريا يشكلُ خطراً على كلِّ مكوناتِ الشعبِ السوري، منوهاً إلى أنَّ “تركيا تتنكرُ لتاريخِ الشعوبِ الأصيلةِ وتسحقُ هوياتها، وتعرضهم للإبادةِ الثقافية، وتسعى إلى تهديدِ وجودهم وإفناءِ ثقافاتهم”.

كما نَوَّهَ إلى أنَّ كل المحاولات التركية، واستماتتها في الإصرارِ على التواجدِ على الأرضِ السوريةِ، هو لمنعِ تشكلِ كيانٍ فدراليٍّ في شمالِ سوريا.

تركيا تقومُ بتغييرٍ ديمغرافيٍّ في شمالِ سوريا عبر مرتزقتها

 لا يخفى على أحد، ومعَ الأسف يبدو أن أردوغان استطاعَ تمريرَ مخططاتهِ عبرَ حفنةٍ من المدعينَ بالسياسةِ ممن امتهنوا الارتزاق، وتسلقوا جدارَ العمالةِ من خلالِ ادعائهم تمثيلَ مصالحَ الشعبِ السوري، حيثُ انتهوا اليوم إلى ما نراهُ جميعاً من تفريطٍ وإفراطٍ في حقوقِ الشعبِ السوريّ، والدولةِ السورية، ومصالحِ جميعِ مكوناتها من العربِ والكردِ والسريانِ وحتى التركمانُ والشيشان، والأرمن، حينَ تخلوا عن مصالحهم جميعاً لصالحِ مصالحِ تركيا التي يحكمها اليوم.

 تجمعٌ للقوى الفاشية من القومويينَ العنصريينَ والإسلاميينَ الذينَ يجاهرونَ في الإعلانِ عن مشاريعهم ببناءِ دولةٍ عنصريةٍ قوميةٍ دينيةٍ مذهبية، تنهي وتتنكرُ لتاريخِ كلِّ الشعوبِ الأصيلةِ وتسحقُ هوياتها، وتعرضهم للإبادةِ الثقافية، وتسعى إلى تهديدِ وجودهم وإفناءِ ثقافاتهم.

هذهِ الشخصياتُ المدعيةُ للثورةِ تنازلوا لأردوغان وحزبهِ ليسَ فقط عن الشمالِ السوريّ، ووافقوا على تغييرِ البنيةِ السكانية، وحقيقةُ وجودِ تلكَ الشعوبِ الأصيلةِ التي تركتْ أسمائها وعناوينَ حضارتها، ومخلفاتَ المدنيةِ التي أنتجتها على مرِّ القرونِ، وإنما تبينَ للقاصي والداني من خلالِ كلِّ ما جرى في سوريا، أنهم قد تنازلوا عن كلِّ شيءٍ يمتُ إلى الوطنيةِ السورية، وعن القيمِ والمبادئِ والمُثلِ التي تشكلُ كبرياءَ أيِّ مواطنٍ يعتزُ بانتمائهِ إلى الوطنِ الذي يختزلُ بينَ جنباته، كلُّ مظاهرِ ومقومات الانتماء.

منهجيّةُ التهجيرِ والتغييرِ لا التحرير:
بالمساندةِ الكبيرةِ لجيشِ الاحتلالِ التركيِّ، الدعمِ استطاعَ فرضَ ما يريد على الفصائلِ الإسلاميّةِ السنيّةِ العاملةِ في درعِ الفرات، وتمريرِ مخططاتهِ بتغييرِ ديمغرافيّةِ المنطقةِ برمّتها، وبالتحديدِ ضربِ الوجودِ الكرديِّ الذي يقدّر بـ 300 ألف نسمة موزّعين على 200 من القرى والبلدات الحدوديّة، واليوم يتمّ تدميرُ هذهِ القرى الكرديّة وأخرى عربيّة بشكلٍ ممنهج. وتدورُ اليوم معاركَ في محيطِ بلدةِ الراعي بين مرتزقةِ تركيّا وداعش، والنتيجةُ هنا حتميّة، وهيَّ تهجيرٌ قسريٌّ للسكّانِ الأصليينَ في هذهِ القرى، ومن بينها قريةُ (الكعيبة) الكرديّة وقرى أخرى عربيّة، بحجّةِ المعاركِ، ولكن في الوقتِ ذاتهِ يجلبُ جيشُ الاحتلالِ التركيِّ عائلاتٍ تركمانيّةٍ وعربيّة موالية لهُ من مناطقَ سوريّة أخرى، مثل (جبل التركمان) باللاذقية، وإدلب التي حاولَ الأتراكَ سابقاً السيطرةَ عليهِ ولكنّهم فشلوا، واللافتُ هنا، أنّ بعض الأتراك القوميينَ من شمالِ تركيّا يتمُّ توطينهم في الشمالِ السّوريّ، وبحسبِ معلوماتٍ مؤكّدةٍ حصلتْ عليها صحيفة روناهي من مصادرَ محليّة خاصّة، فإنّ الاحتلالَ التركيَّ يعملُ على توطينِ بعضِ المهاجرينَ في الشمالِ السّوريِّ بغيةِ تغييرِ ديمغرافيّةِ المنطقةِ والاستفادةِ منهم كجواسيسَ لصالحِ الأتراك. وفي الوقتِ ذاتهِ يقومُ الجيشُ التركيُّ المحتلُ بتجنيدِ عائلاتٍ عربيّةٍ وتركمانيّة في مناطقَ تواجدِ تنظيمِ داعشَ لصالحهِ بهدفِ التواصلِ، وتنسيقِ الانسحابِ الأخير.

الامبراطورية العثمانية تعودُ من خلالِ تتريكِ منطقةِ جرابلس والباب وأعزاز

لو عُدنا إلى التاريخ، سنرى حقائقَ وبديهيات، تشكلُ بمجموعها حقائقَ دامغة، وكلها تشيرُ إلى أنَّ التركَ هم كانوا آخر الأقوامِ التي غزتْ كُردستانَ ومزوبوتاميا، وأنشأتْ أولَ إمارةٍ لها غربي مناطقَ آمد، التي سميت حينذاكَ بإماراتِ السلاجقةِ الروم، والتاريخُ يقدمُ لنا كيفَ أنَّ معركة (ملاذ كُرد) التي جرت في شمالِ كُردستان ما كانَ لها أن تنتهي إلى نصرِ السلاجقةِ بقيادةِ (ألب أرسلان) على الإمبراطورِ البيزنطيِّ (رومانوس الرابع)، دونَ قدومِ نجداتٍ كبيرةٍ من الإماراتِ الكرديةِ وممالكها المستقلة، وخاصةً إمارةُ بني مروان الكردية في ميافارقين، وكانَ جزاءُ تلكَ المملكةِ الكرديةِ على جميلها.

إنَّ تآمرَ التركَ السلاجقةَ فيما بعدُ على أمرائِها وملوكِها، والاستيلاءُ على فارقينَ وآمد، وكانَ المروانيونَ يحكمونَ الرقةَ وعنتاب والرها وشمال حلب. وانتهتْ إماراتُ سلاجقةِ الرومِ على أيدي المماليكِ بقيادةِ (الظاهرِ بيبرس) في موقعة (أبلستين) حينَ حلتْ الهزيمةُ الساحقةُ بالمغولِ وحلفائهم من السلاجقة، ثمَ بالسيطرةِ على  قيسارية.  وكلنا نعلمُ كيفَ جاءَ سليمان شاه من سهوبِ آسيا الوسطى إلى مناطقِ الرقةِ وريفِ حلب بهدفِ الغزو، والسلبِ والنهب، على أن يعودوا، ولكن الظروفُ أسعفتهم بموتِ بعضِ من بقيَّ من السلاجقة، ووصولِ (أرطغرل) مؤسسِ الدولةِ العثمانيةِ إلى حكمِ تلكَ المناطق، ومنْ ثمَ فتحُ القسطنطينية، وتشكلتْ الإمبراطوريةُ العثمانيةُ وتوسعتْ.

تلكَ الإمارةُ التي قضى عليها إلى الأبد (الظاهر بيبرس)، والتواجدُ العثمانيُّ بحكمِ الصدفةِ، هيَ تلكَ الإمارةُ التي ظَهَرَ لأجلها أردوغان على القنواتِ الفضائيةِ، وطالبَ بتشكيلِ منطقةٍ آمنةٍ تمتدُ من تخومِ أنطاليا إلى حدودِ سري كانييه (رأس العين) طولاً، وبعمقٍ يمتدُ إلى 70 كم جنوباً، وأطلقَ عليها اسماً تركياً. من هنا يمكننا التوصلُ إلى قراءةٍ تفسرُ كلَّ تلكَ المحاولاتِ التركية، واستماتتها في الإصرارِ على التواجدِ على الأرضِ السوريةِ، لهدفين أساسيين:

أولهما:

 منعُ تشكلِ كيانٍ كرديٍّ قد ينتهي في وقتٍ ما إلى إطلالةِ الكردِ على المتوسط، وإبقاءِ باشورِ كُردستان تحتَ رحمةِ الدولةِ التركية، بمنعها عن التواصلِ جغرافياً وديمغرافياً مع ما باتَ يشكلُ اليومَ فدراليةَ روج آفا والشمال السوري.

والثاني:

 القضاءُ على أيِّ طموحٍ للشعبِ الكرديِّ في باكور، وإنهاءُ ثورتهِ المسلحةِ من خلالِ القضاءِ على المشروعِ الفدراليِّ في روج آفا، وجعلِ باشورِ كُردستان وحتى العراق وسوريا، تحتَ رحمةِ الدولةِ التركيةِ وطموحاتها التوسعية.

هل الكُرد فقط هم المتضررونَ من التدخلِ التركيِّ في الشمالِ السوريِّ حسبما يتمُ الترويجُ له …؟

حاولتْ مجاميعُ الفصائلِ الإرهابيةِ التابعةِ لحكومةِ العدالةِ والتنميةِ تغييرَ ديمغرافيّةِ المناطقِ الواقعةِ جنوبَ الراعي وشرقها، مثل قرى (صندي وشاوى وهضبات) أيضاً، وشَرَّعَتْ بتهجيرِ كلِّ الأهالي الأصلاءَ سواءً أكانوا عرباً أم كُرداً، والمفارقةُ هنا أنّ هذهِ الفصائل باتتْ أكثرَ تشدّداً من داعش ضدّ أهالي المنطقة، حيثُ هجّروا الكُردَ والعربَ معاً. وخرجتْ قافلةٌ من المدنيين طولها 7 كيلومترات تقريباً، حسبَ وصفِ أحدِ من كانَ ضمنها، وذلكَ من القرى الواقعةِ شرقِ الراعي مثل (صندي ودوش قابي وهضبات) تحتَ الإكراهِ لجهةٍ غيرِ معلومة، وذلكَ بقوّةِ السلاحِ والإرهاب، بحجّةِ وجودِ اشتباكاتٍ ومعاركَ بينهم وبين مرتَزَقَةِ داعش.

 هنا يقول يوسف خالدي:” بأنهُ ليسَ الكُردَ وحدهم هم المتضررون، وستكونَ كلُّ المكوناتِ في سوريا متضررة، بل الوجودُ العربيُّ في الدولِ العربيةِ في الخليجِ والعراق سيكونُ المتضررَ الأكبر، فالكُردُ بمجموعهم وتوزعهم وما تمتازُ بهِ مناطقهم من أهميةٍ استراتيجيةٍ جيو سياسية، وما يمتلكونَ من مصادرَ للمياهِ والثرواتِ، إن وقعتْ في أيدي الدولةِ التركيةِ ستعرضُ الأمنَ القوميَّ للعرب إلى أخطارٍ قد لا يُقَدِّرونَ مدى فداحتها الآن، ولكنها ستظهرُ للعيانِ واضحةً إن تمكنَ أردوغان أو الدولةُ التركيةُ من تنفيذِ تلكَ المشاريع. أما سوريا فستكونُ كما اللعبةُ في أيادي الترك. ومن هنا باتَ لزاماً على الحكوماتِ في الدولِ العربيةِ المذكورةِ ومن كلِّ المكوناتِ العرقية، الانتباهَ إلى هذهِ السياساتِ وخطورتها على مستقبلِ الأجيالِ القادمة، وعلى الشعوبِ العربيةِ والقوى السياسية، من أحزابٍ ومنظماتٍ ومراكزَ أبحاث، التحركَ وفقَ آليةِ حركةِ التاريخ، ووضعِ مستقبلِ أطفالهم وأطفالِ هذهِ الشعوبِ نصبَ أعينهم، للتخلصِ أولاً من خطرِ القوى الظلامية والرجعية، ومن الذهنيةِ الفاشيةِ التي لا زالتْ مصرةً على إبقاءِ تلكَ الدولِ في إطارِ الدولةِ القومويةِ الرافضةِ للتعددِ، ولوجودِ كلِّ الهوياتِ التي تختلفُ عن هويةِ الدولةِ القائمةِ، أو التي يسعونَ إلى استمرارِها، رغمَ أنَّ المائةَ سنةٍ المنصرمةِ قدمتْ للجميعِ وبالأدلةِ الدامغةِ، أنَّ هذهِ الدولُ القوميةُ وسياساتها المتبعةُ، والممارساتُ التي طُبِّقَتْ فيها، جلبتْ لتلكَ الشعوبِ هذه المآسي والويلات، من قتلٍ على الهويةِ ودعواتِ استئصالِ الشأفة (الشأفةُ تعني أَزالَتهُ من أَصْلِهِ) بين الإخوة، لصالحِ مشاريعَ تتجاوزُ الحالةَ الوطنيةَ التي تشكلتْ على مرِّ العصورِ لصالحِ مشاريعَ غيبوية، وخيالية وطوباوية، لا تعطي أيَّ أهميةٍ للعيشِ المشتركِ والتاريخِ المشتركِ، وإرادةِ العيشِ شركاءَ في وطنٍ كانَ دائماً للجميع.

العملياتُ التركيةُ كافةً تستهدفُ مكوناتَ الشمالِ السوريّ وللكُردِ الحصةُ الأكبر منها:

مشاهدُ حية … وشهودُ عيان

الظلمُ الذي يعانيهِ الكُردُ في مناطقَ الشهباء، مزدوج، مرتزقةُ تركيّا وجيشها المحتلُّ من جهة، ومرتزقةُ داعش التي تشنُّ حملةَ تهجيرٍ قسريٍّ واعتقالٍ للكُردِ من جهةٍ أخرى، حيثُ بدأ المرتزقةُ في الخامسِ عشر من حزيران الماضي بحملةِ اعتقالاتٍ عشوائيّةٍ في منطقةِ البابِ طالت 5000 مدنيّ كرديّ، وتمَّ زجّهم في المعتقلاتِ فقط لأنّهم كُرد.
بهذهِ الممارساتِ القمعيّةِ والإرهابيّةِ يظهرُ الوجهُ الآخرُ للعمليّةِ التركيّةِ (درع الفرات) حيثُ يهدفُ الطرفان ــ داعش وتركيّا ــ إلى ضربِ الوجودِ الكرديِّ في مناطقِ الشهباءِ وتغييرِ ديمغرافيتها، لتحقيقِ أهدافها على الساحتين الدوليّة والإقليميّة عبرَ سوريّا. وروى أحد أهالي قرية نعمان من المكوّن الكرديّ (أ – ش) لـ  (روناهي) إحدى القصص التي شاهدها قائلاً :”عندَ سيطرةِ مرتزقةِ داعشَ على أحدِ المنازلِ، بحثوا عن المقتنياتِ الثمينةِ” واسترقَ الشاهدُ السمعَ حيثُ يقولُ أحدُ مرتزقةِ داعش للآخر “لقد وجدنا 11 كتاب للقرآن إذاً هو مسلم” فيردُّ المرتزقُ الآخرُ ويقول “نعرف بأنّهُ مسلم لكنّهُ كُرديّ”، بهذهِ العقليّةِ يكونُ الاستهدافُ بحسبِ القوميّةِ في منطقةٍ سوريّةٍ طالما تغنّتْ بتنوّعها الثقافيّ والتاريخيّ.
وفي عرضٍ سريعٍ لحياةِ بعضِ الكُرد الباقين في منازلهم، تحتَ سيطرةِ مرتزقةِ داعش، يقولُ أحدهم، إنّهم يحاولونَ إرضاءَ المرتزقةَ للبقاءِ بقراهم، وبهذا يضطرّونَ لارتداءِ ملابسهم الخاصّة، والإقلاعِ عنِ التدخين، والامتناعِ عن تناولِ بعضِ المأكولاتِ كالمرتديلا، وبهذا يجبرونَ على التقيّدِ بقوانينِ داعشيّة صارمة، وتحمّلِ العواقبِ في حالِ الإخلالِ بإحداها.
ويقولُ أحمد خليل من أبناءِ قريةِ (صنديِ) والذي نزحَ لمناطقَ سيطرةِ قوّاتِ سوريّا الديمقراطيّة هارباً من الموتِ والاعتقالِ:” بأنَّ داعش يهدفُ لإزالةِ الكُردِ، تماشياً مع سياساتِ مرتزقةِ تركيّا (درع الفرات) التي تُهَجِّرُ الجميعَ باستثناء التركمان”، ويتعجّبُ خليل من شدّةِ حقدهم على التواجدِ الكرديِّ بالقول:” تشبّهنا بهم ولم ننجو من بطشهم” في إشارةٍ إلى مرتزقةِ الاحتلالِ التركيِّ وداعش.
وأفادتْ بعضُ الشهاداتِ الأخرى من داخلِ قريةِ (شاوى) التي يسيطرُ عليها مرتزقةُ تركيّا بأنّ المرتزقةَ سرقتْ كاملَ موسمِ الفستقِ الذي يعيشُ منهُ أهالي القرية نسبةً لأنّهُ المحصولُ الزراعيُّ الأولُ لديهم.

 ويسردُ أحدُ الناجينَ من مذابحِ مرتزقةِ تركيّا قصّةَ امرأةٍ تعيشُ مع أولادها البالغين، وطالبوهم بإفراغِ المنزلِ وتسليمِ الممتلكاتِ بحجّةِ عدمِ تواجدِ الوالدِ في القرية، وهدّدوا الأم بذبحِ جميعِ أطفالها في حالِ بقائِها، ومنزلٌ آخرٌ بالقريةِ ذاتِها أقدموا على إحراقِها بكلِّ بساطة، ويقولُ الشاهدُ:” يفعلون أشياءً لا يستطيعُ العقلُ تحمّلها”.

صمتٌ عالميٌّ مخزٍ…!!
المجتمعُ الدوليُّ لم يتدخّل، بل بقيَّ يتابعُ في صمتٍ مطبقٍ تجاهَ الاحتلالِ التركيِّ، وتركيّا تريدُ أن تبني مقاطعةً تركمانيّةً على حسابِ الكردِ والعربِ في مناطقِ الشهباء، وحتّى التركمان الذين رفضوا الاحتلالَ التركيَّ لم يسلموا من إرهابِ تركيّا التي هجّرتهم من بعضِ القرى.

 تركيّا التي دمّرتْ العديدَ من المدنِ في باكورِ كُردستان، تريدُ إعادةَ العملِ بهذهِ السياسةِ في روج آفا، وخاصّةً في مناطقَ الشهباء. صحيحٌ أنَّ الشعبَ يخرجُ من مناطقهِ تحتَ الإكراه، ولكنهُ يؤكّدُ أنّهُ لن يتركَ الأرضَ والتراب”. ويستمرُّ ما يسمّى بـ «درع الفرات» المدعومِ تركيّاً بالسيطرةِ على قرى جديدة في ريفِ حلبَ الشماليَّ بعدَ انسحابِ مرتزقةِ داعش منها، والجديرُ ذكره أنّ القرى الكرديّة تعتبرُ من أكثرِ القرى التي تعرّضتْ للدمارِ والسرقةِ بسببِ القصفِ التركيِّ والسلبِ والنهبِ من قبلِ مرتزقةِ لواءِ السلطانِ مراد، كما حدثَ في قرى (الكعيبة وكدريش وراعل).
وهذهِ أسماءُ بعضِ القرى التي تشهدُ تغييراً ديمغرافيّاً الآن في مناطقِ الشهباءِ من قبلِ مرتزقةِ الائتلاف وداعش معاً، وهي (سو سنباط) جنوب الراعي 15 كم، (نعمان) جنوب الراعي 15 كم، (الكعيبة) جنوب الراعي 6 كم باتت خالية، (مزرعة البرج) جنوب الراعي 7 كم، (شيخ جرّاح) جنوب الراعي 9 كم، (دوديان) غرب الراعي 15 كم، (قره كوز) غرب الراعي 19 كم، (صندي) جنوب شرق الراعي 10 كم، (شاوا) جنوب شرق الراعي 15 كم، (هضبات) شرق الراعي 3 كم، (دوش قابي) جنوب شرق الراعي 16 كم، (الغندورة) شرق الراعي 25 كم، (الزياديّة) جنوب غرب الراعي 8 كم، (تل شعير) غرب الراعي 8 كم، (صندرة) غرب الراعي 8 كم، (كدريش) غرب الراعي 7 كم، (قره كوز) غرب الراعي 6 كم، (شويرين) غرب الراعي 12 كم، (دوديان) غرب الراعي 10 كم، (قبّاسين) شمال الباب 7 كم، (الراعي) شمال الباب 30 كم).

وفي الختام:

لأجلِ الوقوفِ في وجهِ الأطماعِ الاستعماريةِ التركيةِ (العثمانية)، لا بدَّ من استمرارِ تلكَ المساعي التي تكللتْ بإنشاءِ مجلسِ سوريا الديمقراطية، والقيادةِ المشتركةِ لقواتِ سوريا الديمقراطية، ومجالسِ المدنِ والمناطقِ، العسكريةِ منها أو المدنية، ودعمِ جبهةِ المقاومةِ التي تمَّ الإعلانُ عنها لمقاومةِ الاحتلالِ التركيِّ، على أسسِ الوطنيةِ السورية، لهدفِ بناءِ وطنٍ موحدٍ تكونُ معاييرُ الانتماءِ فيهِ هي الوطنيةُ السوريةُ القائمةُ على التعدديةِ والتشاركية،  وبناءِ هويةٍ جامعةٍ تكونُ منفتحةً على أطرافِها، التي ستكونُ مشكلةً لها، وأقصدُ بذلكَ الهوياتُ الفرعيةُ، من قوميةٍ ودينيةٍ ومذهبية، بالاعتمادِ على مبدأِ حقِ تقريرِ المصيرِ للأفرادِ والشعوبِ والمكونات.

ولأنَّ الوضعَ في سوريا كما في المنطقةِ عموماً باتَ يتطلبُ، الاتفاقَ على أسسٍ يتمُ صياغتها في عقدٍ اجتماعيٍّ، توزعُ بموجبهِ السلطةُ والثروةُ، بينَ المركزِ والأطرافِ، وبينَ الأفرادِ والجماعاتِ، تحقيقاً للإنصافِ والعدالةِ الاجتماعية. وتكونُ للجماعات الجهوية والمناطقية، الحقَّ في اختيارِ سلطاتهم التشريعيةِ والتنفيذيةِ والقضائيةِ ضمن إطارِ دولةِ سوريا التي انتهتْ في الواقع، ويجبُ إعادةِ صياغتها من جديد، كما تتطلبُ مصالحَ كلِّ الفئاتِ والمكوناتِ التي سيتشكلُ منها الشعبُ السوريُّ، أو الأمةُ السورية.

المصادر:

  • صحيفة روناهي
  • الباحثُ في المركزِ الكرديِّ للدراساتِ “يوسف خالدي”
  • صلاح أيبو
  • روج موسى
  • وكالة أنباء هاوار ANHA
  • ويكيديا الموسوعة الحرة

إعداد: رياض يوسف

زر الذهاب إلى الأعلى