المجتمع

المستجير من الرمضاء بالنار  !!!

BFT689

“الصحة تاج على رؤوس الأصحاء” لا يشعر بها إلاَّ من يعاني من المرض، كما قال الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام: اغتنم خمساً قبل خمس إحداها “صحتك قبل سقمك”، رغم كل معاناة الشعب السوري من ويلات وأهوال وخراب ودمار خلال سنوات الثورة وما رافقها من قتل وتدمير و نزوح وهروب وتشرد ولجوء، ونحن الكرد في روج آفا شمال سوريا الذي هو جزء لا يتجزأ من سوريا يعيش آلامه وأوجاعه، ونحن في مقاطعة قامشلو بعد أن حل الأمن؛ ودُحِرَ داعش بفضل وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية، مما جعل من المناطق الكردية مركز احتواء اللاجئين من أماكن الاحتقان والتوتر، وهذا ما أدى إلى ازدياد عدد السكان، وشكلت نوعاً من أزمة السكن، بالإضافة إلى غياب الرقابة الأمنية، ولكن تدارك الأمر من قبل الذين أخذوا على عاتقهم خدمة الوطن والمواطن، وبعد تشكيل الإدارة الذاتية التي تولّت المسؤولية لتقديم جميع الخدمات والمستلزمات لكافة المواطنين في روج آفا، إلا أن الكثافة السكانية، والدخان المنبعث من عوادم السيارات، والعامل الرئيسي هو النفط الذي تم تكريره بشكل بدائي أدَّى إلى انتشار الأوبئة والأمراض منها المزمنة ومنها المعدية ومنها الجلدية، أضافة إلى انتشار مرض الكوليرا، ناهيك عن تفشي الأمراض القلبية الوعائية التي سببت الكثير من الوفيات ومرض السرطان الذي بدأ انتشاره بشكل غير طبيعي في الآونة الأخيرة، هذا المرض الذي يحصد أرواح الناس وتفتك بالبشر أكثر من سواها، وقُدِّرَ عدد الذين قضوا نحبهم جراء الإصابة بالأمراض القلبية بنحو 17,5  مليون نسمة، أي ما يمثل نسبة 31% من مجموع الوفيات في العالم، ومن أصل هذه الوفيات استأثرت السكتات القلبية بنحو 7,4 مليون وفات فيما استأثرت السكتات الدماغية بمقدار 6,7 ملايين، وهذه النِسَب تعادل كذلك نِسَب أمراض السرطان، وهناك أمراض أخرى؛ إلا إنه، ومن خلال الانتشار الغير الطبيعي لأمراض القلب والسرطان حالياً، وتأكيد الدراسات على أن أكثر حالات الوفيات أو بنسبة ثلاثة أرباعها ناجمة عن الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وأنواع السرطانات متزايدة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، والتي تعاني من حروب وهجرة وتشرد، لذا تأتي أمراض القلب الوعائية والسرطانات في صدارة أسباب الوفيات في جميع أنحاء العالم، وبالتالي إذا قارنا هذه النسب بعدد الوفيات، في السنوات الأخير ة في روج آفا خاصة، وعموم سوريا؛ نلاحظ تقارباً واضحاً لهذه النسب بشكل أو بآخر؛ ونلاحظ ذلك كثيراً خصوصاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ فلان في ذمة الله نتيجة نوبة أو مرض عضال، وإذا تصفحت الفيس بوك مثلاً، سيمر عليك أكثر من أربعة أو خمسة أشخاص سترى بطاقات نعوتهم خلال دقائق، هذا من غير القريب تعرفه أو الصديق أو……   لكن أليس هناك علاج؟؟؟

قراءنا الأعزاء نعرض عليكم حالة مرضية من مقاطعة قامشلو؛ قبل أسابيع رجلٌ في الستينات من العمر؛ فجأةً تعرض لنوبةٍ قلبية، وبعد الكشف الطبي له وإجراء العديد من التحاليل إلى جانب تصوير الإيكو وتخطيط القلب تبين للأطباء المشرفين على حالته الصحية أنها مجرد حالة تسمم عارضة، وصفوا له أدوية مضادة للتسمم، ولكن جاءته نوبة ثانية واستبدل الطبيب المعالج بطبيب آخر اشتد المرض عليه في المرة الثالثة؛ أسْعِفَ إلى مشفى النور بمدينة قامشلو؛ حولوه مباشرة إلى غرفة القثطرة القلبية، وأثناء العملية تبين أن أغلب شرايينه أصبحت ضيقة وبحاجة سريعة إلى عملية قلب مفتوح، ولعدم كفاية الأجهزة الطبية ولحالته الحرجة وجب نقلهُ إلى مشافي مدينة دمشق بأسرع وقت، وتأتي المعاناة في تأمين تذكرة الطيارة التي ينتظرها البعض أيام وأسابيع، ما الحل؛ يموت المريض أم تشتري تذكرة بضعف مبلغها؟ حالة المريض الميسورة مكنته من شراء تذاكر الطيران من أحد السماسرة، ولكن إذا كان الحال مغاير لأسرة تعاني الفقر؛ هل ستترك مريضها تحصد الموت أو يعاني آلام المرض، وتنظر إليه والعين تدمع وتنتظر وبطريقة ما يتم تأمين تذكرة السفر لذلك المريض. هذه المعاناة التي يعاني منها مواطنو روج آفا من حصارٍ إلى درجة لا يستطيع إنقاذ مرضاهم.

ذهب المريض إلى دمشق لإجراء العملية في مشفى خاص لأن المشفى الحكومي يلزم تسجيل الدور، وبعد مراجعة الطبيب تم إجراء العملية بسعر يفوق المليونين ليرة سورية تكلفة العملية فقط، والإجمالي ثلاثة ملايين ليرة وبعد عدة أيام من العلاج جاء دور قطع تذكرة الطيارة؛ أخبرهم بأنه لا يوجد حجز للطائرة إلا بعد عشرة أيام. حتى المرض في هذه الأزمة يُتاجَرُ به؛ يقول المريض: “بأنه انتكس ثانيةً من القلق، وذووه يتخبطون هنا وهناك من أجل تأمين تذاكر الطيارة للعودة، ولم يكن لديهم إلا أن يُؤَمِّنوا تذكرة العودة من قامشلو وبسعرٍ مرتفعٍ جداً، لا بأس؛ يقول ذاك الرجل المريض أثناء علاجي وتواجدي في المشفى لاقيت حالاتٍ يُرثى لها خصوصاً هؤلاء الذين هم من جزيرة روج أفا، بعضهم ينتظر دوره لإجراء العملية القلبية، وآخرون للعلاج الكيماوي، بعضهم تأجل لعدم وجود نقود كافية وينتظر فرجاً أو حوالةً من أحد المغتربين من ذويه. بالرغم من ذلك كله يفكر كيف يؤمن تذكرة السفر أكثر من حالته الصحية التي يعاني منها، هناك الكثير من هذه الحالات في روج آفا بعضهم يتألم في فراشه يتعاطى المسكنات ينتظر الموت ببطء، وهذه المسكنات الله أعلم كيف دُبِّرَ ثمنها؛ أليس من واجب كل من يقع عليه المسؤولية النظر إلى أوضاع هؤلاء المرضى؟! أعزاءنا القُراء عرضنا حالة مرضية كادت أن تفقد الحياة؛ لكن اليد لم تكن ذات الضيق بالسفر إلى دمشق والعلاج وماذا عن العوائل والأُسَر التي تتحكم الأوضاع الاقتصادية بها عدا تأمين تذكرة الطيارة. لا نعلم الأسباب، إلى من منهم ينسب السبب إلى تلك الحراقات التي باتت مخلفاتها تؤذي صحة الناس، إضافة إلى نقص الأدوية وارتفاع أسعارها؛ ناهيك عن الازدحام السكاني، والتوترِ الناتج عن الأوضاع السياسية.

وختاماً نوجهُ نداءً إلى الهيئات الصحية والإدارة الذاتية وكل من يهمه صحة المواطن في روج آفا بجميع مكوناتها؛ النظر إلى هذه الحالات، وتأمين ما يمكن تأمينه لهؤلاء المرضى من علاجٍ أو تذكرة سفر من خلال مراقبة هؤلاء الذين يتاجرون حتى بتذاكر السفر، ليبيعوها بسعر أغلى من سعرها النظامي، ومحاولة تأمين الأدوية، ومراقبة مستودعاتها، وتشكيل لجان للعمل، ومساعدة هؤلاء الذين يعانون من أمراض مزمنة.

 إعداد: حسينة عنتر

زر الذهاب إلى الأعلى