مقالات

الاستثمار الاقتصادي في السياسة كسبيل لتحقيق التنمية المجتمعية!

هناك العديد من المقاربات  التي من شأنها إحداث تغيرات هامة على التطورات  الدائرة في مناطق الادارة الذاتية،  وقد تكون هذه التغيرات  والمقاربات بوابة لجذب وتمتين العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين مناطق روج آفا وشمال وشرق سوريا والدول التي تسعى إلى المحافظة على المنجزات التي تحققت بفضل التضحيات والبطولات التي حققها ابناء ومكونات شمال وشرق سوريا، وخاصة بعد دحر الارهاب والتطرف العالمي المتمثل بداعش والقضاء عليه وتحرير الجغرافية التي أعلن عليها خلافته المزعومة ، والسؤال الذي يطرح نفسه ما بعد داعش كيف يمكن للمجتمع الدولي الحفاظ على الحقيقة الموجودة في مناطق الإدارة الذاتية  وخاصة أن هذه الادارة بقواها العسكرية والسياسية أصبح لها الفضل في تحقيق الأمان على المستوى العالمي وانقذت البشرية من شرٍّ مطلق في حال انتشاره واستفحاله.

ربما يكون أحد السبل في الحفاظ على هذا المنجز التاريخي هي بوابة الاقتصاد وافساح المجال لاستثماراتها؛  فمن المعروف ان الاقتصاد يعد القوة الثانية في أي مجتمع  وربما تعد من أكثر المجالات حيوية وجذباً للاهتمام الدولي وخاصة في مجال استثماراتها السياسية وقد تكون هذه النقطة بالتحديد ما يستغلها الدول التسلطية والهيمنات المركزية لتمرير سياساتها وتوظيف مخططاتها الرامية الى الهيمنة والاستغلال وذلك بموجب صفقات تكون سبيلاً لتحقيق مصالحها ومنافعها المادية الخالية من أي مبادئ وقيم؛ فمهما اختلفت هذه الدول والهيمنات في الرؤى السياسية فهي تلتقي بموجب ما بينها من مصالح اقتصادية وصفقات تجارية وخير مثال على ذلك ما نشهده على الساحة السورية وحجم تداخل المصالح والمنافع الاقتصادية, فإيران وتركيا متناقضتان في الايدلوجيا والطائفة لكنهما متوافقتان في المجالات الاقتصادية من حيث الصفقات والاستثمارات

كذلك الأمر بالنسبة للإسرائيل وتركيا فقد تصل المشادات والخلافات السياسية بينهما لحد القطيعة لكنهما تتوافقان في المجلات الاقتصادية وتتعافى بفضل الصفقات الاقتصادية والتبادلات التجارية، وهكذا نجد أن معظم الدول تبني سياساتها على ما تمتلكها من اقتصاد وما تستطيع استثماره  في سبيل المحافظة على مصالحها ومنافعها وقد تكون المجال الاهم بالنسبة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول دون أدنى اكتراث للجوانب القيمية والمبدئية كسبيل للتعامل بين هذه الدول, وربما في هذه النقطة بالتحديد يمكننا ملاحظتها بكل وضوح في حجم الصفقات الاقتصادية والتجارية التي تجري بين الدول وخاصة الدول المحتلة والرافضة لأي تحول ديمقراطي في محورها الاقليمي كتركيا وايران والنظام السوري، وحجم تقديم التنازلات في سبيل المحافظة على سلطاتها وهيمنتها  وذلك عبر تقديم التسهيلات والاغراءات الاقتصادية بعقدها للصفقات التجارية واستثمارها في السياسة وهو ما كان سبب في الكثير من النكسات التي يتعرض لها الشعوب الساعية نحو الحرية واحداث التغيير الديمقراطي المنشود،  وربما يعد احتلال عفرين ماثلة للعيان كضحية للصفقات الاقتصادية واستثماراتها في السياسة.

قد يكون من المناسب في هذه الجزئية من المقال التطرق الى الجوانب الايدلوجية من حيث تعامل الإدارة الذاتية في روج آفا وشمال شرق سوريا للمجال الاقتصادي واستثماراتها في السياسة حيث يقول القائد عبد الله اوجلان في هذه النقطة (يَبلُغُ الاقتصادُ معناه الحقيقيَّ في العصرانية الديمقراطية، ويُعَبِّرُ عن البنيةِ الممنهجةِ القَيِّمةِ التي تُبرِزُ قيمةَ الاستخدام (خاصية تلبيةِ الحاجاتِ الأهم) كحاجاتٍ أوليةٍ للطابق الأرضي، وقيمةَ المقايضة (مُعَدَّلات تَبادُل السلع) كاقتصادِ السوقِ الحقيقي. هكذا يَخرجُ الاقتصادُ من كونه ساحةً تُعَوَّلُ عليها حساباتُ الربح. ويتم الجزم بماهيةِ الأساليب وكيفيةِ استخدامِ الحاجاتِ الأساسيةِ بأفضل الأشكال إثماراً وعطاءً، دون التمخض عن التمايز الطبقي، ودون إلحاقِ الضرر الأيكولوجيا؛ لِيَبلُغَ الاقتصادُ معناه الحقيقي من حيث كونه ساحةَ نشاطٍ اجتماعي. أي أنه يَكتَسِبُ معناه كشكل النشاط الأساسي الذي سيتنامى عليه المجتمعُ الأخلاقي والسياسي، وسيُطَوِّرُه أيضاً على السواء.)

وقد يكون مصطلح  تقسيمِ المجتمعِ إلى بنية تحتية اقتصادية وبنية فوقية أخلاقية شيء من الجنون وبعيدة عن الواقع السياسي المعاش عند التعامل مع السلطات الدولتية  والهيمنات المركزية  لكن بالمستطاع َ أخذ الجانب الأخلاقي على أنها السبيل الأفضل لنحظى باقتصاد سليم ومعافى دون الوقوع في براثن الاستغلال الاقتصادي كما يحدث في جنوب كردستان على سبيل المثال لا الحصر ووقوعها كضحية لاستغلال الشركات التركية والايرانية واستثماراتها الاقتصادية.

فلاستثمار الاقتصاد ينبغي تلبية احتياجات الحياةِ الأولية للمجتمع كسبيل لتنمية الاقتصاد وتطويره وصولاً الى الاكتفاء الذاتي وليس العكس، ومن هنا يُعدُّ جذب الاستثمارات الاقتصادية الخارجية  وتعزيزها والحفاظ عليها أمراً معقداً ومتشابكاً لاسيما لأي اقتصاد مجتمعي وهو في مرحلة النمو، وخاصة مناطق الادارة الذاتية، أو بتعبير أكثر وضوحاً وهي بصدد مشروع ديمقراطي لحل المعضلات المفتعلة في عموم منطقة الشرق الاوسط ، فيمكن للاستثمار الاقتصادي  أن يوفر العديد من الجوانب الإيجابية من ناحية فُرص العمل  وتقديم التكنولوجيا  و تقديم الخبرات العلمية والميدانية،  ونقل المعرفة  وتطوير الشركات المحلية لتواكب التقدم في المجال التقني والمهني  ودفع النمو الاقتصادي قدماً بصورة عامة.

غير أن هذه الفوائد المحتملة لا تتحقق من تلقاء نفسها فهناك العديد من المتغيرات التي يكون لها تأثيرها عند وضع استراتيجية الاستثمار الاقتصادي والسياسات التي تستلزمها والمعاير التي يتوجب التقيد بها كسبيل لتحقيق الاتزان بين الاستثمارات الخارجية المباشرة والاستثمارات الاقتصادية الداخلية التي تحتاجها المجتمع، ففي الآونة الأخير كَثُر الحديث عن إعادة إعمار سوريا (حجم الاستثمار الاقتصادي الذي سيساهم فيه كل دولة ) والموارد والامكانات التي ستلزمها لتحقيق ذلك؛ فمن الملاحظ في ذلك أنه يتم ربطها بالجاب السياسي (الصفقات السياسية) ومدى تحقيق مصالح ومنافع هذه الدول التي ستساهم عبر استثماراتها الاقتصادية في ذلك والتي ستكون سبيلاً لإعادة العلاقات الدبلوماسية والتمثيل السياسي بموجب حصولها على الحجم الأكبر من الكعكة السورية

ومن هنا ينبغي على الادارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية السعي لإقامة علاقات اقتصادية متينة وخاصة مع الدول التي تعتبر شريكة في دحر الإرهاب ويهمها أمن واستقرار هذه المنطقة والتي تعتبر من أكثر المناطق السورية المؤهلة للاستثمار الاقتصادي لغناها بالموارد الأولية والطبيعية والتي تتوفر فيها البنية التحتية والفوقية الملائمة لذلك, بحيث يتطلب من الجهات المختصة في الاقتصاد دراسة الأنواع المختلفة من الاستثمارات الاقتصادية الممكنة جذبها  وتأثيراتها المختلفة  فهل سيعتمد الاستثمار الاقتصادي المباشر على استخراج الموارد الطبيعية وتصنيعها؟ أم هل سيجعل هذه الاستثمارات البحث عن سوق لمنتجات وخدمات معينة يحل محل الواردات؟ أم هل سيركز الاستثمار على زيادة كفاءة الإنتاج وزيادة حجم الصادرات؟ وهل سيتباين  تأثير هذه الأمور جميعها على الأسواق المحلية تبايناً كبيراً ؟ هل هذه الاستثمارات ستعمل على تنمية البنية التحتية والفوقية لتحقيق الاكتفاء الذاتي ؟ فهناك الكثير من النقاط التي يتوجب دراستها ووضع استراتيجية اقتصادية متكاملة للنهوض بالتجربة الديمقراطية لروج آفا وشمال شرق سوريا.

إذن والحال هنا يتوجب على صناع القرار في مجلس سوريا الديمقراطية والادارة الذاتية الربط بين السياسة والاقتصاد بما يتوافق والمصالح المجتمعية لمكونات روج آفا وشمال شرق سوريا ومصالح الدول التي سيفتح المجال لها للاستثمار الاقتصادي،  وضمان أن الاستثمار الاقتصادي  المباشر يساعد المجتمع  على النهوض  والتقدم ويحقق الاستفادة لشعوبها؛ بحيث لا يتحول هذا الاستثمار الى  صفقة وإنما إلى علاقات متينة دبلوماسية  وسياسية من شأنها الدفاع عن مصالحها المشتركة.

زر الذهاب إلى الأعلى